قشة المفاوضات

 

عوني صادق ( فلسطين ) الخميس 16/3/2017 م …

قشة المفاوضات …

مكالمة هاتفية من الرئيس دونالد ترامب إلى الرئيس محمود عباس رسمت البسمة، بل أدخلت الفرحة إلى قلوب رموز السلطة الفلسطينية وأعوانها. ربما كان مع هؤلاء بعض الحق، بعد أن سمعوا من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أن القضية ستحل دون الحاجة إليهم! هكذا جاءت مكالمة ترامب بمثابة القشة التي بدلاً من أن تقصم ظهر السلطة، أحيت فيها الأمل بأنها ستكون، لا يهم كيف وبأي صورة، ضمن «الصفقة» التي يفكر فيها الرئيس الأمريكي «لحل القضية وإحلال السلام»، هذا الهدف الذي «عجز» كل أسلافه في الوصول إليه على مدى ربع قرن!

نعم، لم تحي مكالمة ترامب الأمل في أوساط السلطة الفلسطينية وحسب، بل رأوا فيها «انتصاراً» ناجزاً، و«صفعة» للقيادة «الإسرائيلية»! فالرئيس الأمريكي، بالرغم من كل تصريحاته المنحازة للكيان الصهيوني وقيادته المتطرفة، هاتفهم وفي هذا وحده اعتراف بهم ك«شريك» في صنع «عملية السلام»! وهي أيضاً رد على الادعاءات القائلة بأنه يمكن تجاوز السلطة الفلسطينية وإسقاطها من الحساب! ولكن حتى لو جاريناهم ووافقنا على أقوالهم، يظل عليهم وعلينا أن نتوقف عند جوهر ما حملته «المكالمة التاريخية»! ومن دون الأوهام التي تسيطر على السلطة الفلسطينية وأعوانها، فإن ما حملته المكالمة للرئيس عباس لا يزيد عن دعوتين: دعوة لإحياء المفاوضات الفلسطينية- «الإسرائيلية» المباشرة، ودعوة لزيارة البيت الأبيض!

وإذا بدأنا من الدعوة الثانية، فالزيارة لن تكون أكثر من بروتوكولية، ككل زيارات القادة الفلسطينيين، ولتجديد الأوهام التي أوصلت الوضع الفلسطيني لما أصبح عليه، وفي جوهرها للإبقاء على السلسلة التي تربطهم بالسياسات الأمريكية المنحازة للكيان الصهيوني وأطماعه، وتضليله للشعب الفلسطيني بإيهامه أن إدارة ترامب لم تتخل عنه! وبهذه المعاني والأغراض، لا تكون الدعوة إلا نوعاً من الضحك على الذقون وإبقاء الفلسطينيين في المستنقع الذي هم غارقون فيه أصلاً!

أما الدعوة الأولى والأهم، فإن إحياء المفاوضات لا يمثل أي «انتصار» أو مكسب للفلسطينيين، بل العكس هو الصحيح. فمن جهة، لم ينس الرئيس عباس في أي لقاء أو مقابلة صحفية، أو مناسبة أدلى فيها بتصريح، أن يعلن عن استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات. ومن جهة أخرى، فإن الرئيس الأمريكي لم يضمن دعوته أية «محددات» أو أسس مما يردده أنصار السلطة الفلسطينية، بل ترك الأمر للطرفين المعنيين، أي أنه ترك الأمر لما يقرره بنيامين نتنياهو، وهذا الأخير دائماً يتحدث عن استعداده للعودة إلى الطاولة ولكن «بدون شروط مسبقة»، وأضاف في مرات عديدة شرطاً تعجيزياً سبق لعباس أن رفضه هو الاعتراف ب«يهودية الدولة»! وهكذا لا يكون الرئيس ترامب قد جاء بجديد أو تجاوز مواقف نتنياهو، بل يكون قد مارس ضغوطا جديدة على عباس والسلطة الفلسطينية.

بعض الموالين للسلطة حاول أن يضع «شروطاً» على الدعوة لإحياء المفاوضات، سبق أن طالب بها رموز السلطة دون أخذها في الاعتبار. من تلك «الشروط»، وضع «سقف زمني» للمفاوضات، وأن تكون «قرارات الشرعية الدولية» هي المرجعية لها، وأن يوافق الجانب «الإسرائيلي» على أن تكون «نتيجة المفاوضات قبول قيام دولة فلسطينية في حدود حزيران 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها»! وقد سبق لنتنياهو أن رفض كل ذلك، واعتبره ولا يزال يعتبره «شروطا مسبقة»، أي أنها في نظره تلغي العودة إلى المفاوضات. فماذا تفيد دعوة ترامب في هذه الحالة؟ وما هو مبرر «الفرحة» التي عمت أوساط السلطة الفلسطينية بالدعوة التي لا يبدو أنها ستسفر عن شيء؟!

ومع ذلك، لنفرض أن الرئيس الأمريكي كان عند «حسن ظن» السلطة الفلسطينية، وأجبر نتنياهو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فما الذي سيحدث؟ لا شك أن من استطاع أن يتلاعب لربع قرن بالإدارات الأمريكية وبالسلطة الفلسطينية، مع تعاقب الإدارات الأمريكية وتغير القيادة الفلسطينية، لن يعجز عن التلاعب بهم من جديد ولإشعار آخر، والأمريكيون و«الإسرائيليون» لن يخسروا شيئاً بل سيربحون الوقت اللازم لتحقيق مزيد من النجاحات للمشروع الاستيطاني الصهيوني. لكن الفلسطينيين هم الذين سيخسرون وسيظلون يخسرون ما دام ليس لديهم إلا المفاوضات وفقط المفاوضات. فهل السلطة الفلسطينية عاجزة عن فهم هذه المسألة التي صارت من بديهيات السياسة «الإسرائيلية» الساعية لكسب الوقت؟!

ليس أمام السلطة الفلسطينية إلا «قشة المفاوضات»، وهي كالغريق تصر أن تتعلق بها إلى أن تقصم ظهرها، وعندها ستسلم مرغمة لقوى الواقع الذي لن يبقي لها طريقاً إلا طريق الرحيل!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.