تقرير هام … من جنبلاط إلى «مفجّر ابنتيه».. تفجيرات دمشق بعهدة النصرة
الإثنين 20/3/2017 م …
الأردن العربي …
تقرير هام … من جنبلاط إلى «مفجّر ابنتيه».. تفجيرات دمشق بعهدة النصرة …
ما زالت الجهة التي تقف وراء تفجيرات «الأربعاء الأسود» في دمشق، مجهولة لعدم صدور بيان تبنٍّ من أي جهة حتى تاريخه. وبينما سارعت «هيئة تحرير الشام» التي تهيمن عليها «جبهة النصرة» إلى نفي علاقتها بالتفجيرات عبر بيان رسمي، صدر العدد الأخير من «صحيفة النبأ» التابعة لتنظيم «داعش» دون أن يتضمن أي إشارة إلى هذه التفجيرات.
وتشكّل تفجيرات «الأربعاء الأسود» التي طالت كلاً من القصر العدلي وسط دمشق، ومطعماً في ضاحية الربوة، نموذجاً مكرراً عن بعض التفجيرات الدموية التي طالت مواقع مدنية وشخصيات كبيرة في سورية من دون أن تتبنّى أبوتها أي جهة أو فصيل.
وعلى الرغم من أن احتمال وقوف «داعش» وراء تفجيرات دمشق الدموية، ما زال احتمالاً قائماً ولا يمكن تجاهله، إلا أن ما يميز هذه التفجيرات عن تفجيرات سابقة تأخّر التنظيم في تبنيها (مثال تفجير جبلة في 5 كانون الأول لم يتبنه داعش إلا بعد شهر)، هو عدمُ اكتراث أنصار التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي بها على خلاف العادة حيث كانت تغريدات بعض المقربين من التنظيم بخصوص بعض العمليات تكفي لاستخلاص مسؤولية التنظيم عنها حتى قبل صدور بيان رسمي.
كما أن صدور العدد الأخير من «صحيفة النبأ» في اليوم التالي لتفجيرات دمشق من دون أن يتضمن أي إشارة إليها، إضافة إلى أن التنظيم في أدبياته الخاصة لا يولي أي أهمية لتاريخ حدوث التفجيرات التي جاءت متزامنةً مع الذكرى السادسة للأزمة السورية. كل ذلك عزز من الشكوك حول علاقة التنظيم بهذه التفجيرات من دون أن ينفيها بالكامل وخصوصاً في ظل «سابقة الشهر» التي أرساها التنظيم قبل تبني تفجير جبلة المشار إليه أعلاه. ثمّة سابقتان تشبهان إلى حدّ كبير ما جرى يوم «الأربعاء الأسود» في دمشق، وللأسف فإن كلتا السابقتين حصلتا في دمشق أيضاً.
السابقة الأولى هي تفجير حي المزرعة بالقرب من مشفى الحياة ومدرسة «عبدالله بن الزبير» الذي وقع في شهر شباط من العام 2013 والذي أدى إلى وقوع مئات المدنيين بين شهيد ومصاب. والسابقة الثانية هي تفجير مسجد الإيمان بالقرب من حي المزرعة أيضاً في آذار من العام نفسه وارتقى بسببه الشهيد العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وعشرات من تلاميذه. في كلا هذين التفجيرين تعمدت «جبهة النصرة» عدم إصدار بيان لتبني أحدهما بينما تركت مسؤوليتها عن الآخر ملتبسة. غير أن التحقيقات القضائية أثبتت لاحقاً أن «جبهة النصرة» هي التي نفذت كلا التفجيرين.
وقد عرض الإعلام السوري في حينه اعترافات تلفزيونية للخلايا التي شاركت في تنفيذهما، وورد في الاعترافات وقائع وتفاصيل لا يمكن دحضها. وقد تبين فيما بعد أن «جبهة النصرة» في تلك الفترة كانت تعيش أوضاعاً غير مستقرة بسبب تنامي الخلافات داخلها بين الجولاني من جهة والبغدادي من جهة أخرى والتي أفضت لاحقاً إلى الانفصال بين الاثنين في شهر نيسان من العام 2013. وقد وظفت «جبهة النصرة» هذه الأوضاع غير المستقرة لتجاهل تبني العمليتين، ثم التلميح لاحقاً أن المسؤول عنهما هو «جناح داعش» الذي انفصلت عنه.
تشكّل هاتان السابقتان دليلاً دامغاً على بعض الحقائق المهمة، وهي: أولاً أن «جبهة النصرة» لا تتبنى رسمياً جميع العمليات التي تقوم بها. ثانياً أن «جبهة النصرة» تسارع إلى التنصل من العمليات التي تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين. وثالثاً أن «جبهة النصرة» لم تكن يوماً تنظيماً متجانساً وهناك فروقات نوعية بين أداء فروعها في مختلف المحافظات السورية التي تنتشر بها. وحدث كثيراً أن قام أحد فروعها بتصرفات تناقض قرارات قيادتها العامة المعلنة. حتى إن قيادة «النصرة» نفسها اضطرت في أحيان كثيرة إلى اتخاذ تدابير عقابية بحق أحد فروعها أو قياديين فيه لمخالفتهم توجهاتها.
وقد حصلت «الوطن» بعد استقصاء دقيق، على معلومات قيّمة لا تثبت فقط أكاذيب «جبهة النصرة» حول علاقتها ببعض التفجيرات، بل تؤكد أن «النصرة» في كل مرة تنصلت فيها من المسؤولية عن تفجير ما، كانت تخاطر بحدوث كوارث قد لا تقل عن التفجير الذي حاولت التنصل منه.
ومن أخطر هذه المعلومات على سبيل المثال، أن المسؤول الأول عن تفجير «حي المزرعة» الدموي في شباط من العام 2013 هو القيادي في «جبهة النصرة» المدعو أبو نمر الذي كان من أهم خبراء النصرة في التفجيرات والتخطيط للعمليات الانتحارية. وقد أدت تفجيرات المزرعة إلى استشهاد مئات المواطنين الأبرياء بأوامر مباشرة من قيادة «النصرة» كما أكد ذلك أبو القعقاع الأردني وهو انتحاري لم يتمكن من تفجير نفسه في عملية المزرعة وألقي القبض عليه، ثم أجرت قناة الميادين لقاءً معه تحدث فيه عن تفاصل العملية ومن الذي أمر بها حيث أكد أن العملية كانت بأوامر من قيادة «النصرة» في إشارة إلى الجولاني الذي يقود حالياً الجناح العسكري في «هيئة تحرير الشام» لكنه عملياً هو المهيمن على جميع مفاصل «الهيئة».
لكن من هو القيادي أبو نمر المسؤول عن تفجيرات المزرعة؟
أبو نمر هو نفسه الشخص الذي ضجت به وسائل الإعلام قبل عدة أشهر بسبب ارتكابه جريمة لم يسبقه إليها أحد، حيث قام بتفخيخ ابنتيه «فاطمة» و«إسلام» وأرسلهما لتفجير نفسيهما في مخفر للشرطة في حي الميدان بدمشق أواخر العام الماضي. لكن «جبهة النصرة» لا تكتفي بإطلاق الأكاذيب ونشر الادعاءات من أجل التنصل من المسؤولية عن بعض العمليات التي تسبب لها إحراجاً فحسب، بل أكثر من ذلك فإنها لا تمانع في حال انكشاف صلتها ببعض العمليات الحساسة أن تلجأ إلى الخداع والمماطلة حتى مع شخصيات سياسية دعمتها إعلامياً مثل النائب اللبناني وليد جنبلاط.
ففي مجزرة قلب لوزة في ريف إدلب، لم يكن ثمة شك أن «جبهة النصرة» هي التي تقف وراءها، بل إن الأخيرة اضطرت إلى الإقرار بالمسؤولية بسبب خطورة الحادثة وعلاقتها ببيئة النائب اللبناني وليد جنبلاط الذي طالما وصف «النصرة» بأنها جزء من «الثورة السورية» كما دافع عنها في مواقف عديدة، بل حتى في خصوص قضية مجزرة قلب لوزة التي تخصه بشكل كبير حاول جنبلاط وضع المجزرة في إطار الخطأ الفردي، وهو ما التقطته «جبهة النصرة» وأعلنت أنها ستحاسب المدعو «سفينة التونسي» المسؤول عن ارتكاب المجرزة.
لكن ما حدث بعد ذلك أن سفينة التونسي لم يخضع لأي محاكمة خلافاً للوعود التي قطعتها «النصرة» آنذاك ببيان رسمي، بل سمحت له «النصرة» بالهروب والانضمام إلى «جند الأقصى» حيث ارتكب مجزرة أخرى في تموز الماضي بحق المدنيين في ريف حماة حين قام خلالها بقطع رؤوس بعض المواطنين بالسكين. غداً تنشر «الوطن» تقريراً مفصلاً عن الموضوع.
ويبقى السؤال: لماذا سارعت «هيئة تحرير الشام» إلى نفي علاقتها بتفجيرات «الأربعاء الأسود» في دمشق، وذلك في خطوة غير مسبوقة منها، إذ لم يسبق لها أن قامت بهذا الإجراء إزاء أي عملية أخرى أيّاً كانت حساسيتها وخطورتها؟.
قد يكون السبب أن «الهيئة» بالفعل ليس لها أي علاقة بالتفجيرات وهذا الاحتمال يبقى وارداً مادام احتمال تبني «داعش» للتفجيرات لم يسقط بعد. ولكن قد تكون هناك أسباب أخرى شبيهة بالأسباب التي دفعت «النصرة» سابقاً إلى التنصل من تفجيرات المزرعة واغتيال العلامة البوطي. ولكن، إذا لم يكن ممكناً إثبات علاقة «النصرة» بتفجيرات «الأربعاء الأسود» على سبيل اليقين، رغم وجاهة القرائن القائمة ضدها حتى الآن، بل حتى إذا ثبت عدم علاقة «النصرة» بها، فهذا لا يلغي تاريخ «النصرة» الذي يحتوي على عشرات الأمثلة على استهداف المدنيين وتزوير الحقائق وخداع الأصدقاء قبل الأعداء.
التعليقات مغلقة.