حلف خماسي لمحاربة سورية
عمر معربوني ( الإثنين ) 27/3/2017 م …
حلف خماسي لمحاربة سورية …
“ضربني وبكى وسبقني واشتكى” هذا هو النهج الذي تتبعه ادوات العدوان على سورية هذه الأيام، يُطلقون الهجمات الواحدة تلو الأخرى ويبدأون حملة تباكي مترافقة بحملة اعلامية مسعورة غير مسبوقة في محاولة للحصول في المفاوضات على ما عجزوا عنه في الميدان.
الشهوة المفرطة للسلطة هو الأساس الذي تبني عليه الجماعات الإرهابية كامل مساراتها، متحصنة بداعمين حاقدين على سوريا لم يتوانوا عن تقديم كل ما يلزم من اجل اطالة امد الحرب في صراع واضح المعالم اساسه طمس هوية سوريا وتفكيكها.
وحتى لا يتسلل التشاؤم الى نفوس البعض، أبدأ بعرض الواقع الميداني الشامل الحالي ومقارنته بالواقع الميداني الشامل منذ سنوات وبشكل سريع لتبيان موازين القوى والمتغيرات الناتجة عن استمرار الصراع.
هذه الأيام نستطيع القول، وعلى رغم الوضع المعقد خصوصًا في المنطقة الشرقية، إنّ سورية اكثر أمانًا من السنوات السابقة.
الدولة الآن تسيطر على منطقة الثقل الإستراتيجي حيث المدن الكبرى وطرقات الربط بينها، وحيث المطارات والموانئ والمنشآت الأساسية التي ترتكز عليها الدول في استمرار وجودها، رغم ان الكثير من الخلل طرأ على آليات الإنتاج الإقتصادية وتراجع قدرات الإنتاج.
السيطرة على الثقل الإستراتيجي للدولة لم يأتِ من الفراغ، بل نتيجة جهد مستمر قامت به الدولة عبر الجيش والقوات الرديفة للوصول الى هذا الوضع الذي يتم استكمال تحصينه يومًا بعد يوم.
حتى زمن غير بعيد، كان نصف مدينة حلب واجزاء كبيرة من اريافها تحت سيطرة الجماعات الإرهابية وهو ما ينطبق على محيط دمشق ايضًا، حيث المشهد الآن مختلف تمامًا لمصلحة الدولة السورية.
من المؤكد أنّ الميدان سيشهد تصعيدًا كبيرًا في المرحلة القادمة، حيث يبدو واضحًا ان الإدارة الأميركية حسمت امرها وقررت الإستمرار في قيادة مشروعها الذي يهدف الى تفكيك المنطقة وهي بدأت بحشد القوى اللازمة لاستكمال المواجهة، وما الحضور العسكري الأميركي المباشر في الميدان السوري إلّا لتنفيذ ما يمكن تنفيذه بعد سلسلة التراجعات التي شهدها المشروع الأميركي.
إعادة تموضع واضحة عبر اعادة تأسيس قاعدة انطلاق لإكمال الهجمة عبر حلف خماسي تقوده أميركا ويضم “إسرائيل” وتركيا ودول الخليج والجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها، مع إمكانية ان يتم تفعيل دور الأردن ليصبح الحلف سداسيًا، رغم أنّ للأردن بصمات ليست بالقليلة في حلف العدوان على سوريا.
على المستوى الأميركي، تركز القوات الأميركية عملها في المنطقة الشرقية لتحقيق مسألتين أساسيتين:
1- تثبيت معالم الكانتون الكردي في الجانب الشرقي الممتد من منبج حتى الحسكة وحتى الطبقة والرقة جنوبًا، ووصل هذا الكانتون مستقبلًا مع كردستان العراق بعد انفصالها عن الدولة الإتحادية في العراق، وهو أمر لا يحتاج اكثر من هزة لتبادر قيادة اقليم كردستان العراق الى اعلان الإنفصال، والعمل الأميركي بهذا الإتجاه يعود بنا الى بداية المشروع وتزخيمه من جديد ليتم تحقيق النموذج الأول للكيانات الإنفصالية على اساس قومي، رغم أنّ الكثير من الكلام يدور عن منطقة ادارة ذاتية تضم العرب والأكراد والسريان والتركمان وغيرهم في اطار اللامركزية الإدارية تبقي السياستين الدفاعية والخارجية بيد الدولة المركزية السورية، إلّا اني اعتقد ان هذا الطرح مجرد خداع تعودناه من الأميركيين.
2- العمل على قطع خط الحدود بين العراق وسوريا كهدف أساسي تبنته اميركا بناءً على رغبة “إسرائيلية” عقد من اجلها نتانياهو اكثر من لقاء، من بينها اميركا وروسيا، حيث وجد فتورًا روسيًا وقبولًا اميركيًا منطلقًا من تحديد قائمة الأعداء التي وضعها مركز الأمن القومي الصهيوني وضع فيها حزب الله على رأس قائمة الأعداء تليه ايران، ومن هنا تبدو مسألة اغلاق طرقات الربط بين العراق وسوريا اولوية لدى الأميركي، الذي أعتقد انه سيحرك عمليات قادمة بدعم اردني لوجستي نحو معبر التنف والبوكمال.
بما يرتبط بتركيا، باتت جبهة ريف حماه الشمالي وجبهة ريف حلب الغربي والجنوبي الغربي وريف اللاذقية تشكل اولوية بعد ان فقد الأتراك امكانية المشاركة في معركة الرقة، وهو امر يجب ان نتوقع من خلاله تفعيل الجبهات المذكورة بالتوالي بعد تفعيل الجبهات على اتجاه ريف حماه الشمالي، حيث كان واضحًا الإصبع التركي في هذه المعارك.
توازيًا مع المستجدات، صدرت الأوامر الأميركية لدول الخليج ان تعيد تفعيل الضخ المالي وتفعيل غرفة الموك في الأردن، وهو ما يعني عودة الضغط على الجبهة الجنوبية في سوريا وهي عمليات لم تتوقف ولكنها ستشهد تصعيدًا اكبر.
الجماعات الإرهابية ستستمر بأداء مهماتها على كل الجبهات بعد اعادة النظر بهيكليتها وتقريبها من بعضها، وهو ما رأيناه في ريف حماه الشمالي حيث قاتلت جبهة النصرة الى جانب حركة احرار الشام ومجموعات كجيش النصر وجيش العزة، وهي من الجماعات التي ذهبت الى استانة ما يعني ان تركيا بدت كحاضن لهذه الجماعات بما لا يقبل الشك.
هذا المشهد قد يذهب بالبعض الى التشاؤم، لهذا اشرت في بداية المقالة الى ميزان القوى الحالي والذي أضاف اليه تصدي الدفاعات الجوية السورية للطائرات الصهيونية زخمًا اكبر، حيث وصلت الرسالة بوضوح الى الكيان الصهيوني بأن قواعد اشتباك جديدة قد تم تثبيتها اضافةً الى ان نتائج معركة جوبر ونتائج معركة حماه القادمة ستشير بوضوح الى قدرة سوريا والمحور المقاوم على الإستمرار في المواجهة ومعالجة الثغرات التي تنشأ بين فترة وأخرى، اضافة الى قناعة القيادة السورية بشكل اساسي ان الوجود الأميركي والتركي لن يتعدى الوجود المؤقت، وأنّ أي ناتج عن المواجهات الحالية سيكون في نهاياته لمصلحة الدولة السورية وحلفائها وعلى رأسهم روسيا الصاعدة التي لم تعد كما كانت عليه قبل سنوات.
*عمر معربوني – ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
التعليقات مغلقة.