أجندة باسل الأعرج: صنع في فلسطين
مروان عبد العال ( فلسطين ) الثلاثاء 28/3/2017 م …
أجندة باسل الأعرج: صنع في فلسطين …
أي أجندة يحملها الشهداء؟ قد يبدو السؤال غريباً ولكنه استثنائي في ظل مسرح هزلي ومبكي معاً. المهزلة أن مقاوماً على أرضه في وعر جبال الوطن في أحضان الوطن ويقدم روحه قرباناً، فيتم التنبيش بدفاتره إن كان يعمل لأجندة خارجية!!! والغاية معروفة هو تدمير فكرة البطولة… والمبكي وإن المحتل المدجج بالسلاح ويقتل أعزلاً على الهواء مباشرة ويعتبر ذلك أمراً مشروعاً!!! والغاية المعاكسة هي تشريع الجريمة وتجريم المقاومة.
أجندة الفدائي الأول تلك التي تنتمي لقيم التضحية الأصيلة، إن من لديه وطن مسلوب يستحق العيش فيه عليه يؤكد أنه مستعد للموت في سبيله. كلما نودع شهيداً نستلم الأمانة ولا نوّدع الدرس الأثمن. هذا ما قاله الزحف الذي سار خلف باسل الأعرج، المثقف النبيل والصلب الشهيد الذي صدق غسان كنفاني: ” المثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر”…
الدرس، من غير المسموح أن يهدر في سوق المزايدات الرخيصة لأنه مبني على فكرة الحق والحقيقة والمقاومة. بعد كل سنوات الانحطاط في زمن الخراب، أدرك هذا الفلسطيني المضيء أن قدره دائماً هو اجتراح الأمل، يدرك أن عدم الرضى في حد ذاته لا يخلق بالضرورة رغبة في التغيير: لا بدّ من وجود عوامل أخرى قبل أن يتحول إلى إحباط ويأس، وأحد هذه العوامل هو الإحساس بالقوة المفعمة ورسوخ الحق وبالأمل الجامح، مستنداً إلى ثالوث المقاومة: الإرادة والكلمة والبندقية.
لقد إلتقط باسل الأعرج بذور الشهداء ونثرها في كدحنون فلسطين لتكون براعم نضالية جديدة وبشارة جديدة، حينما تتفتح في زهرة المدائن في حارات وشوارع القدس العتيقة، في باب العامود، في الخليل وعلى أشرطة الحصار الظالم على القطاع البطل وفوق كثبان رمال غزة الحارة وأزقة جنين وجبال النار، حواجز وسواتر الطرق في حيفا والناصرة والعفولة… هل يوجد اجندة اوضح من فعل الشهيد، أجندة شباب الحرية وصبايا الكرامة، أجندة مكتوبة من نسغ وشرايين فلسطين… أبناء الثورات والهبات والإنتفاضات… من أجندة القادة الشهداء من أبو جهاد وجيفارا غزة وغسان كنفاني وفتحي شقاقي وأبو علي مصطفى وأبو عمار وأحمد ياسين ومعتز وشحة وإبراهيم الراعي وأحمد سعدات ومروان البرغوتي…
حتماً ليس من أجندة أبناء الإتفاقيات والمفاوضات والتنسيق الأمني والتقسيمات الزمانية والمكانية والمؤتمرات الحكومية والدولية ومنظمات غير الحكومية والأجهزة الدولية، هؤلاء أمثال باسل هم من أبناء التاريخ الكفاحي العتيق لشعب لا يتعب ولا يمل لأنه يرفض الذل والإهانة وتربى على الكرامة، ويعشق الحرية…
فكان جيل باسل الأعرج جيل الإنتفاضة الخلاقة بل من جيل صنع في فلسطين…
يصادف هذا العام انقضاء 100 عام على وعد بلفور المشؤوم الذي خطته قوى الإستعمار بأصابع قذرة، وجسدته عصابات الصهيونية بجرائمها والرجعية العربية بعمالتها… وراهنوا على الفوضى والعجز والتواطؤ لبقاء دولتهم وعلى الفتنة الخلاقة بالمنطقة العربية ولكن رهانناً على الشعب الذي لا يهزم وعلى وعد الاشتباك المجتمعي التاريخي. لأنه انتفاضة واحدة بموجات وهبات مستمرة، فيها تجارب ما سبق تخلق انويتها ووسائلها وقادتها في الميدان… غير قابلة الوقوع باي خديعة… أو القبض عليها ولا تلدغ من جحر مرتين… لتؤكد هويتها التي لا يمكن أن تغيب عن بالنا في خضم الغضب والوجع والحماسة الثورية وهي التالية:
أولاً: تأصيل الصراع عبر الإمساك بحلقة النضال الوطني الفلسطيني بدون مواربة ومراوغة وإدعاء… حقيقة وأصل وهدف الصراع والذي هو صراع تناحري مع عدو لا يمكن التعايش معه والتسوية ليست إلاّ وهماً… بالأمس خرج نتنياهو ليقول علناً “نحن دولة لا نعيش إلاّ بالسيف..”. سابقاً كانت هناك عصابة صغيرة من المتطرفين اسمها “بناة الهيكل الثالث” اليوم نحن أمام حكومة الهيكل…!! وعلى تربع الجنون بوجهه الحقيقي على رأس الهيكل الإمبريالي الأميركي، لتعيد إدارة ترامب قراءة دروس العنصرية بتأكيد التماهي بين الصهيونية والأنجلو سكسونية، الذي يريد إدخالنا في متاهات جديدة لتدمير المشروع الفلسطيني برمته، من دهاليز المفاوضات العقيمة التي لم توقف جرافة تهدم بيتاً أو دبابة… تدوس طفلة، أجندة “ترامب” علنا هو تدمير هدف النضال الفلسطيني بالحرية. لا يريد دولتين كما كان يردد كذباً أسلافه ولا حتى دولة واحدة، إنما أجندته الحقيقية (اللا دولة). لذلك فالحرية لا تستجدى والإستقلال لا يمنح والأرض لا تصان بالدموع، والمقدسات لا تحمى بالمنابر، والحق لا يستحق بالخطب “الكلام لا يطبخ الأرز” حسب المثل الصيني…!! والأوطان لا تحمى بالمناشدات الأخلاقية والفعل يحتاج لحشد كل عناصر القوة … القوة هي إرادة ووحدة ومقاومة…
ثانياً: اعادة تأكيد حقيقة الهدف دون أي لبس، وهي فلسطين، هي الوطن والهوية غير القابلة للتجزئة، والقضية التي تحولت الى قضايا، والشعب إلى شعوب، اثبت الشباب أن فلسطين فوق الفصائل والحدود المخترعة وجغرافيا التسويات وجدارات الفصل… بل فلسطين هي الغاية النبيلة التي تستحق التضحية… فلسطين فوق الفصائل والوطن فوق السلطة … والعودة إلى جذر القضية الفلسطينية قضية الحرية (أرض سليبة بشكل مباشر أو غير مباشرة وشعب مشرد خارج وطنه…)
ثالثاً: القضية تتجدد أو تتبدد… تجديد الأمل وتجديد الذات وتجديد الشرعية ومؤسساتنا الوطنية والسياسة والوسائل والقيادة، يبدأ من خلال الشرعية الثورية وبزخمها… إذا كانت “إسرائيل” قد داست على اتفاق أوسلو، وشنت حروباً في ظله – خمسة حروب، ثلاثة منها على غزة، واثنتين على الضفة. الاستيطان يبتلع ما تبقى من الوطن تحت ستار المفاوضات والسلام وباقي المكذبة، والجدار العنصري والحواجز والقتل بدم بارد، وكما ذكر تقرير الأسكوا الأخير الذي أدى إلى فضح انحياز دوائر الأمم المتحدة، إن كل الشعب الفلسطيني واقع تحت نظام ابارتيد عنصري صهيوني. اذاً السؤال المنطقي… لماذا نتمسك بتفاصيل وأدوات ووظائف السلطة التي تخدم الإتفاق بتبعاته الأمنية والاقتصادية والإدارية…؟
دم باسل الأعرج قدم الرد للخروج من المستنقع وللتصحيح وليس للصراخ، للانتفاضة على ذاتنا بكل ما فيها من أدران الخطايا والعجز، أن نشعل شمعة في درب الاشتباك التاريخي خير لنا من التصفيق لها أو التنظير من بعيد… انتفاضة على السلبيات والوهن والقيم البالية… على الفئوية والإنقسام المدمر والمنافع الذاتية والسلطوية. ثمة بيئة داخلية تتراجع تحت وطأة مخلفات التسويات العقيمة، والتحدي فرصة يجب أن لا نسقطها من يدنا، وبيئة خارجية بدأنا نلمس بواكيرها. الوفاء لدرس الدم يكون باستعادة مكانة شعبنا ولنغادر الضعف عبر الخروج من حوامة الدوران داخل الإنقسام المقيت! من يحمل أجندة باسل وأجندة كل مقاوم تكون أجندة وطنية فلسطينية عربية تحررية تخترق الذهنية السائدة بتعبيراتها التنافسية الفصائلية، ذهنية انتحارية مدفوعة بالأنانية التنظيمية واللامبالاة التي تودي حتى بالتضحيات… وصية جيل باسل أنه من غير المسموح به العودة للوراء…
ندرك معاً قول فرانز فانون ”محو الاستعمار إنما هو حدث عنيف دائماً لأن ذلك يبدل الكون تبديلاً تاماً، لذلك لا يمكن أن يكون ثمرة تفاهم ودي”…!!؟
التعليقات مغلقة.