دور المثقف في مواجهة التطبيع

 

عباس الجمعة ( الثلاثاء ) 28/3/2017 م …

دور المثقف في مواجهة التطبيع

أمام الظروف التي نشهدها من تطبيع مع كيان الاحتلال، أسأل أين دور المثقف العربي في مواجهة سياسة التطبيع…؟ وهنا علينا وفي ظل التحديات التي تواجه المثقفين والتي تتطلب التخلص من شرنقة المذهبية والطائفية والقبلية التي تحتاج إلى وعي عال للتخلص منها، لأن الثقافة هي سلوك الإنسان وأفعاله، والجهل عكس الثقافة، والمثقف نقيضه الجاهل، ولأن المثقفين هم “جنرالات المعركة المقبلة وقادتها ومحددو نتائجها” وبات عليهم القيام بدور محوري في معركة الدفاع عن الأمة وحضارتها.

من هنا نرى أن على المثقف القيام بفضح أساليب الغزو الفكري وكيفية مواجهته، والقدرة على تحليل الواقع وقراءة المستقبل بدقة، والسعي إلى التغيير دوماً، على المستوى الذاتي والجماعي والوطني والقومي والإنساني، والتحليل الصحيح وقراءة الواقع بدقة للتنبؤ بالمستقبل.

إن الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، والتي حملت زوراً إسم الربيع العربي، الذي كانت نتائجه وبالاً وخراباً على أبناء كل الأوطان التي أصابها هذا الفيروس التفتيتي، والأمة جمعاء، والقضية الفلسطينية بخاصة، وإن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم من عدوان صهيوني بهدف تهجير من تبقى على أرض فلسطين التاريخية، وما يتعرض له في الضفة والقدس الذي تنتفض بشيبها وشبابها من أجل التحرير والحرية والاستقلال والعودة ، لم يختلف عما رأيناه عند اجتياح العدو للبنان وتصدي الشعب اللبناني ومقاومته لهذا الاحتلال بعد خروج الثورة الفلسطينية، حيث حقق الشعب اللبناني ومقاومته الباسلة الانتصار التاريخي على العدو، والذي أدى إلى فراره وعملائه من أرض الجنوب المحتلة دون قيد أو شرط عام 2000، وهزيمته العام 2006، دون أن يحقق مكسباً أو ينال جائزة ترضية.

وفي ظل هذه الأوضاع نجد، وللأسف بعد ما جرى في العديد من الدول العربية من أحداث وهجمة إمبريالية صهيونية استعمارية وإرهابية ظلامية، بأن عملية التطبيع أصبحت الحلم عند البعض العربي من مثقفين وملوك وأمراء وفنانين وتجار حيث ينخرون مجتمعاتنا بفتاوى تجيز “السلم” مع العدو الصهيوني حيناً، وتشرعن “التطبيع” معه حيناً آخر، وتحض على الإقتتال والحرب الأهلية أحياناً أخرى، فالعدو يحاول عبر حربه الناعمة الوصول إلى الأهداف التي عجز عن تحقيقها بالعدوان العسكري المباشر، وهي أشد فتكاً وخطراً من مفاعيل الحرب العسكرية التي تواجه بها قوى المقاومة وشعوبها وأحزابها وقواها عدواً محدداً، وقوة نارية بقوة نارية، في حين أن أدوات الحرب الناعمة، تبدأ بمراكز الأبحاث والدراسات التي تسخر لها مليارات الدولارات، وتحشد لها أكبر الكفاءات العلمية والفكرية، وتمر بوسائل الاتصال والإعلام، ولا تنتهي بالأدوات المحلية على اختلاف مستوياتها ومسمياتها التي تؤدي أدواراً خطيرة.

لذلك نطالب كافة المثقفين بوضع الخطط في مواجهة كل خطوات التطبيع المتسارعة في أكثر من بلد عربي، من خلال الزيارات و مؤتمرات التطبيع الاقتصادي والشبابي، لأنه بات معروفاً لدى الجميع أن العدو الصهيوني مستعمر غاز، محتل، توسعي عنصري، فالوجود الصهيوني بحد ذاته يشكل خطراً على الأمة العربية برمتها، وعلى الدول المجاورة بخاصة، فالتطبيع يعمل على تحقيق الأهداف الصهيونية في الإعتراف به كدولة ذات سيادة واستقلال، والتطبيع يعني الإعتراف الرسمي بدولة الكيان الصهيوني كدولة يهودية، والإعتراف هو تشريع حقيقي لإقامته، وتنفيذ مآربه، ومشروعاته العدوانية والتوسعية، التي يطمع بمزيد من الأراضي العربية.

إنّ من يحاول تبرير التطبيع الذي تشكل خيانة بكل المعايير والمقاييس، وتتحطم أمامه كل الذرائع والمبررات، بالرغم وأن العدو الصهيوني يستهدفنا في وحدتنا ومستقبل أبنائنا، ويسعى جاهداً للسيطرة علينا، وعلى مقدراتنا، وتشريد شعبنا من دياره، ولا يجوز التعامل معه إلاّ من خلال المقاومة بكافة أشكالها، الوسيلة الوحيدة لإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، أي حقه بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

لذلك فالشعوب العربية وأحزابها وقواها التقدمية والقومية، مطالبة لمواجهة أي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، والأخذ بعين الاعتبار أهمية المرحلة التي تمر بها أمتنا العربية، التي ينخر في جسدها عوامل التجزئة والتخلف والتبعية، مما يدفع بالإمبريالية العالمية، وبتحالف صهيوني، وتواطؤ مع أطراف أغلبية النظام العربي الرسمي، أن تسعى إلى تحقيق أهدافها في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الأمة، والوقوف في وجه تحقيق طموحاتها وشطب القضية الفلسطينية.

إن الثقافة هي وعاء الأمة، التي تشكل محددات تكوينها، والتربية التي من خلال فلسفتها، فهي عامل تجديد فعلي للمجتمع، وهي أكثر قدرة على تغيير الواقع، لأننا من خلالها نستطيع ان نحدد استراتيجية التصدي للعدو.

إن الوعي بأن الصراع العربي الصهيوني صراع يتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وان هذا الصراع هو صراع وجود لا صراع حدود، ولأن هذه الأمة عصية على الزوال، حيث مقومات وجودها وانبعاثها متوفرة، وإن كانت تحتاج إلى من يقودها نحو تحقيق أهداف وحدتها ونهوضها، وقد مرت غزوات استعمارية متعددة وكان مصيرها دوما الفشل بسبب مقاومة الشعوب المناضلة لها، وهذا يستدعي العمل بالنفس الطويل، وتحمل المعاناة، لأن الصراع مع الإمبريالية والصهيونية، يحتاج إلى حشد كل الطاقات، مما يعني أن ساحة النضال فيها مكان هي لكافة القوى والأحزاب والفصائل التي تؤمن بخيار الكفاح والنضال من أجل التحرير والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

نقول ذلك لأننا نعي خطورة المرحلة، ولأن التطبيع خيانة، وعدوان صارخ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والأمة العربية ، مما يتطلب ثقافة المواجهة للتطبيع من خلال سلاحنا الفكري والثقافي إلى جانب العلمي، فهو قادر على توليد الخطط والأفكار القادرة على أن تكون في مواجهة كل أدوات العدوان التي يملكها العدو، والتمسك بخيار المقاومة بكافة أشكالها، لأن هذه المقاومة حققت العديد من الانتصارات في لبنان وغزة وسوريا، ولا بدّ من تحقيق الانتصار على أرض فلسطين و تحرير الأرض والإنسان ورفع علم فلسطين فوق مآذن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.