طلبتنا والتسحيج بالإكراه

 

محمود منير* ( الأردن ) الأربعاء 29/3/2017 م …

طلبتنا والتسحيج بالإكراه

* محمود منير: كاتب وصحافي أردني. محرّر “تكوين” في عمان نت...

نفى وزير التربية والتعليم وجود قرار بتعليق دوام مدارس حكومية، اليوم الإثنين، وإخراج طلبتها لاستقبال الملك السعودي، كما تداولت وسائط التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين. التقدير لموقفه لا يُلغي التساؤل عن حجب وسائل إعلام أساسية للخبر ونفيه، وهل كانت قرارات تعليق الدوام السابقة تمرّ عبر الوزارة أم أنها كانت تصدر عن جهات معينة مباشرة إلى مدراء المدارس؟ وهل يمكن الجزم أن هذه الواقعة لن تتكرّر مستقبلاً.

التفريط بأيام دراسية لأسباب عديدة ليس جديداً على مدارسنا، وإجبار الطلبة على استقبال مسؤول أردني أو زائر من الخارج يعود إلى زمن بعيد. وتُستحضر في الذاكرة مفارقات حدثت في هذا السياق، ومنها زيارة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة إلى عمّان قبيل هزيمة حزيران عام 1967 بشهور قليلة.

أُخرج طلبة مدارس للترحيب بزعيم عربي أنهى زيارته حينها بإحراج الحكومة الأردنية عبر استنكاره حديثها الدائم عن المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، بينما لم يرى في الضفة الغربية حين زارها سوى بيوتاً فارهة من دون استعدادات عسكرية على الجبهة.

بغضّ النظر عن تقييم بورقيبة للصراع العربي الصهيوني ولدور الأردن فيه، لكن التلاميذ الذين تعطلّوا ذلك الصباح ليقفوا على الطرقات ويلوّحوا بأيديهم للضيف الزائر، عادوا مساءً ليستمعوا إلى هجوم رسمي عليه وتشكيكٍ بتصريحاته.

استقبال الملوك والرؤساء من اختصاص الدولة وجهاز تشريفاتها، ولا يُفترض لطالب يذهب لتلقّي أحدث المعارف من أجل أن يبحث في مشكلات وطنه ويجد حلولاً لها، أن تناط إليه مهمّة استقبال زعيم مهما قدّم هذا الأخير من هبات أو منح إلى حكومته.

مجتمع المعرفة لا تشوّشه أو تشوّهه مواقف السياسة المتبدّلة والمتغيّرة وفق الظروف والمعطيات، ولا يُطلب من أبنائه الذين لا يمتلك كثير منهم ثمن وجبة في نهارهم أو تعرفة المواصلات للذهاب إلى مدارس لا تتوفر على كامل كادرها التدريسي وتفتقد للتدفئة في الشتاء البارد، أو للمختبرات المجهزة والمكتبات وغيرها الكثير، لا يُطلب من هؤلاء التعامي عن أوضاعهم السيئة والخروج إلى الشوارع والساحات لإظهار بهجتهم وامتنانهم إلى أحد.

ولا يمكن فصْل ذلك، أيضاً، عن سلوك بعض الجهات التي اعتادت كل عام الإيعاز بإرسال طلبة من مختلف مدارس المملكة إلى حدائق الحسين وسواها من أجل الاحتفال بمناسبة وطنية وتقديم ولاء “معلّب” للحكْم. من يتابع إعلانات المدارس المنشورة في الصحف والمواقع يلحظ تنظيم احتفالات خلال شهر كامل قبل وبعد كل مناسبة، يهدر كثير من الوقت والجهد والمال في إقامتها.

لن تبني الهتافات والشعارات والمسيرات الموالية أوطاناً، وأن ننشئ أجيالاً على الانتماء إليها يتطلّب دفعهم إلى البناء والعمل التطوعي وخدمة المجتمع المحلي – التي غابت عن العملية التعليمية – لدى الاحتفاء بالاعياد وفي جميع أيام السنة.

يغيب عن بال القائمين على هذه الكرنفالات تنمّي حالة الفصام لدى طلابنا حين يعون في لحظة ما من أعمارهم، أن صنّاع “الإنشاء الوطني” عاجزين عن حلّ أزمات الواقع ويمارسون تعويضاً لن يصمد طويلاً.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.