في ذكرى تشافيز: فينزويلا والهجمة الأميركية
موريس نهرا* ( لبنان ) الخميس 30/3/2017 م …
في ذكرى تشافيز: فينزويلا والهجمة الأميركية …
*قيادي شيوعي لبناني …
ليست المرة الأولى التي أتناول فيها الوضع في فينزويلا وتطوراته. لكن المشاهدة الحية والمشاركة والصلات مع الناس الفنزويليين، أهم من استقاء الأخبار من الوسائل الإعلامية. فهذا البلد الذي يتميز بجماله، وبطيبة وبساطة حياة شعبه، كانت زيارتي له تلبية لدعوة من وزارة الخارجية الفينزويلية للمشاركة في نشاطات الذكرى الرابعة لوفاة القائد هوغو تشافيز. ومن مجمل لقاءاتنا مع الفنزويليين، أنا وزوجتي معاً، ومع سفير لبنان، الذي أتاح لنا فرصة الاستمتاع بجمال طبيعة هذا البلد، اتضح لي ما تركه هوغو تشافيز من أثر وتقدير راسخ في نفوس شعبه وطبقاته الكادحة. فقد كان منطلقاً من المسيرة النضالية التاريخية، على خطى القائد المحرر سيمون بوليفار، جامعاً بين التحرر من التبعية، وتحقيق سيادة واستقلال بلده، وبين الجانب الاجتماعي. فاستخدم ثروة بلاده البترولية الكبيرة، لتحسين معيشة الفقراء والطبقة الكادحة. وحقق إنجازات كبيرة لشعبه، وبخاصة على صعيد التعليم والصحة العامة، وفي مجال بناء المساكن للفقراء كعملية متدرجة ومستمرة، وفي مجال الفنون والموسيقى وجعلها بمتناول التلامذة وأصحاب المواهب.
واستلهاماً لدور وأهداف سيمون بوليفار، قام بخطوات مهمة في اتجاه التكامل مع بلدان أميركا اللاتينية، أهمها: merco sur – Alba- tele sur تعزيزاً للتقارب والتعاون بين هذه البلدان، وجعلها أكثر استقلالية، ورفضاً للتبعية وهيمنة واشنطن عليها، وقد نجم عن إدراكه الترابط بين مصالح الشعوب وقضاياها التحررية، اعتماده سياسة تضامنية ساطعة، بين شعوب أميركا اللاتينية وشعوبنا العربية وغيرها، فوقف بحزم إلى جانب شعبنا ومقاومته للغزو الصهيوني عام 2006، وكان الأقرب من معظم الحكومات العربية التي تراوحت موافقها بين متآمر مع العدو، ومتفرج. وهذا ما قلته له عندما التقيته في 30 آب 2006، أثناء زيارته لسوريا، مقدراً له تضامنه الحازم مع شعبنا، ودعمه للشعب الفلسطيني وقضيته.
لقد تجلت التشافيزية في أذهان القسم الأكبر من الشعب. بالنزول الفوري لفقراء فنزويلا وشعبها، إلى شوارع كراكاس، فور حصول الإنقلاب عليه، عام 2002، وفرضوا تحريره وإعادته إلى الرئاسة. لكن اليوم يشعر الناس بصعوبات معيشية في هذه المرحلة، جراء فقدان بعض المواد الاستهلاكية في السوق، وتراجع قيمة البوليفار وقدرة الناس الشرائية، وبروز فارق كبير بين سعر البوليفار الرسمي، وبين السوق السوداء. والمشكلة هنا تتلخص في الحرب الاقتصادية التي تشنها الشركات الاحتكارية الأميركية وبالتواطؤ مع البرجوازية واليمين الفنزويلي وCIA، بدءاً من هبوط سعر برميل النفط أكثر من 50% وصولاً إلى تعميم الفساد. ولم يكن صائباً بالأصل، ارتكاز الاقتصاد الموروث على مداخيل النفط، التي تتجاوز 90% من مجموع الدخل الوطني. صحيح أن تشافيز استخدم قسماً كبيراً منها في صالح مكافحة الفقر الموروث، ولكن بقي الوضع الإنتاجي المحلي على ضعفه تقريباً.
فقد خلق هبوط سعر برميل النفط، وضعاً مربكاً، وتباطؤاً في تحقيق ما كان مقرراً، وتراجعاً في مستوى المعيشة. وتستغل سلطات واشنطن هذه الصعوبات وتعمل مع أدواتها واليمين المحلي للمزيد منها اقتصادياً وأمنياً. وليس صدفة أن يقول الرئيس الأميركي السابق أوباما، منذ حوالي سنة أن فينزويلا تشكل تهديداً للولايات المتحدة. ورغم أن هذا التصريح مدعاة للسخرية، إلاّ أنه يعكس نوايا ومخططات الإمبريالية الأميركية، حيال فينزويلا ونهجها التحرري ودورها الاستقلالي الأميركي اللاتيني. وفي مهرجان شعبي ضم ما لا يقل عن مئة ألف شخص، رد الرئيس مادورو في خطابه قائلاً: نحن لا نهدد أحداً، إننا ننشد السلام والمحبة، والعلاقات السليمة. لكن أي تدخل في بلدنا سيواجهه شعبنا وجيشنا بكل قواه. وتناول المطامع الإمبريالية في فينزويلا وأميركا اللاتينية، وقال ان C-I-A هي التي صنعت الإرهاب من “القاعدة” إلى “داعش” وأمثالها. وأعرب عن التلاقي مع العرب والإسلام البريء من الإرهاب. وكنا على المنصة على مقربة منه. وعندما أنهى خطابه، صافحته وأعربت له عن تضامن حزبنا الشيوعي والوطنيين اللبنانيين، مع فينزويلا وشعبها، فأقدم على رفع يدي هاتفاً أمام الجمهور الكبير VIVA LIBANO.
لقد أظهر دعم دوائر واشنطن للانقلاب على ديلما روسيف، ولولا في البرازيل، وعلى لوغو في الباراغواي، والمحاولة الفاشلة على الرئيس كورييا في الإكوادور، مدى حقد وشراسة الدوائر الأميركية المذكورة، على نجاحات شعوب أميركا اللاتينية، كما هي الحال على شعوبنا ومنطقتنا الشرق أوسطية. ويكشف ذلك نواياها حيال وطن بوليفار وتشافيز، ضد الرئيس نيكولاوس مادورو والنهج البوليفاري.
والتصريح الوقح والمدان، لرئيس منظمة الدول الأميركية، لويس الماغرو، الذي يهدد فينزويلا بتعليق عضويتها في المنظمة، إذا لم تجر “انتخابات حرة”، وإطلاق السجناء السياسيين، خلال شهر، يمثل تصعيداً وتدخلاً سافراً من واشنطن في الشؤون الفينزويلية، واستخدام دور هذه المنظمة في تغطية تدخلاتها.
ومن خلال لقاءاتنا مع تشافيزيين، ومع قيادة الحزب الشيوعي الفينزويلي، شعرنا بوجود استياء في صفوف الشعب من صعوبات الوضع المعيشي القائم، وعدم ثقة أكبر، بالقوى اليمينية المعارضة والمعروفة بفسادها. وإن هذا المناخ يتسع شعبياً دون اتضاح ما قد ينجم عن ذلك.
لقد أتيح لي خلال الزيارة، تقديم مداخلة (20دقيقة) في المسرح الوطني- كراكاس، مع ثلاثة بلدان أخرى، وبحضور حشد من الناس والشبيبة التشافيزية وبعض المسؤولين في الحزب الاشتراكي الفينزويلي الموحد، بعنوان تشافيز ولبنان والشرق الأوسط. وكذلك إلقاء محاضرة في قاعة وزارة الخارجية بحضور الكوادر الشابة في الوزارة، ونائب الوزيرة، لوضعهم في صورة ما يدور في الشرق الأوسط ولبنان، ودور العوامل الداخلية، والإقليمية، والدولية، في ذلك. كما كانت لي مشاركة في طاولة مستديرة مع مسؤولين والوفود المدعوة، حول الهجمة الإمبريالية، وبخاصة على فينزويلا ونهجها.
لقد كانت الزيارة واللقاءات مناسبة لتبادل الإطلاع على قضايا شعوبنا في أميركا اللاتينية وفي منطقتنا العربية، كما ولتعزيز علاقات الصداقة والتضامن ضد العدو الإمبريالي ــ الصهيوني المشترك.
التعليقات مغلقة.