مفاجأة عمرها 44 عامًا.. نبوءة “الأخوين رحباني” تحققت في الرقة والموصل.. فهل يهرب البغدادي على قطار فيروز؟
الخميس 30/3/2017 م …
مفاجأة عمرها 44 عامًا.. نبوءة “الأخوين رحباني” تحققت في الرقة والموصل.. فهل يهرب البغدادي على قطار فيروز؟ …
الأردن العربي – كتب أحمد عادل …
لو عاد بنا الوقت إلى عام 1973، وحدثك شخص عن تحالف دولى، تقوده أمريكا وفرنسا، لضرب الحدود بين مدينتى “الموصل” العراقية، و”الرقة” السورية ـ وهى المنطقة التى يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابى ـ ربما اعتبرت ذلك ضربًا من الجنون والهذيان، فمصر قد حققت للتو انتصارا عسكريا مذهلاً على إسرائيل، فيما أحرزت القوات السورية تقدمًا فى هضبة الجولان، وانتهت للأبد أسطورة الجيش الذى لا يقهر، ولكن هذه النبوءة أطلقها “الأخوين رحبانى”، خلال أحداث مسرحية “المحطة” لجارة القمر فيروز، لتتحقق بعد 40 عاما من هذا التاريخ.
فإن أتيح للكثير منا فرصة حضور العرض الأول لمسرحية “المحطة”، التى أًضيئت لأجلها أنوار مسرح “قصر البيكاديلى ” ببيروت عام 1973، ربما تأثرنا بدموع “فيروز” حين بكت وأبكت جمهورها عند غنائها “سألونى الناس عنك يا حبيبى.. خطوا المكاتيب وأخذها الهوى.. يعز علىّ غنى يا حبيبى لأول مرة ما بنكون سوا”، وذلك فى أعقاب غياب عاصى الرحبانى عن قيادة الفرقة، إثر تعرضه لنزيف فى المخ، وربما أبهرتنا الحان الياس الرحبانى فاندفعنا مرددين قصة “حنا السكران” فى أغنية “كان الزمان وكان”، أو نجد أنفسنا نحلق فى سماء الإبداع وصولاً إلى القمر هاربين من “ليالى الشمال الحزينة”، ولكن لن يخطر ببال الكثيرين منا، أن إشارات كوميدية عابرة ستتحقق بشكل مأساوى فى تلك الأيام، تروى ما وصلت اليه الأزمة الإنسانية فى سوريا والعراق.
لا يمكن إدراك تلك النبوءة دون معرفة قصة المسرحية التى تدور أحداثها عن قرية وادعة مجهولة الاسم، يغلب عليها طابع روتينى ممل، لا حلم لغد أفضل، ولا دعوة للتغيير، ولا عمل لأهلها سوى زراعة البطاطا، حتى أقبلت عليها فتاة مجهولة تدعى “وردة” التى تؤدى دورها الفناة “فيروز” تشدو “ليالى الشمال الحزينة”، وهى أغنية فى حد ذاتها تحمل دعوة الحلم والتغيير من فتاة “ندرها أهلها للشمس والطرقات”، تلتقى بالفلاح سعدو “الفنان إيلى شويرى” وزوجته “الفنانة هدى حداد”، وتخبرهما أن موضع حقليهما ما هو إلا محطة للقطار، لتسيطر الدهشة عليهما، فقد ورثا الأرض عن الآباء والأجداد دون أن يمر بها سيارة، فكيف لقطار أن يمر بالحقل دون وجود أثر لسكته الحديدية، ومع إصرار وردة، بدا الاقتناع يدب فى نفس الفلاح، بعد أن داعبت نفسه أحلام تكوين الثروة وتحقيق الثراء السريع نتيجة ارتفاع سعر الأرض.
انتشر خبر “المحطة” بين أهل القرية، حتى وصل إلى رئيس البلدية، الذى يقوم بدوره “الفنان نصرى شمس الدين”، والشاويش “الفنان وليم حسوانى”، فاتهما وردة بإثارة الفوضى داخل القرية، بمنطق أن السلطة لا ترضى كثيرا عن دعوات التغيير، ولكن دعوة وردة صادفت هوى أهل القرية، وهذا الأمر أعلنوه فى أغنية حالمة: ” قالوا فى محطة جديدة.. قلنا حلي المشوار.. مدن بعيدة ورحلة سعيدة ولنا بالعالم دار”.. نعم فقد أصبح لهم مكان على الخارطة، وهو ما جعل سلطة القرية تقبل مرغمة بذلك الحلم.
وصل الحلم إلى الجميع، ولكنه بات مطمعا سهلاً للاستغلال، لقد أراد رئيس البلدية اقناع الجميع بأن “المحطة” واحدة من إنجازاته الوهمية، وفى خطوة لذلك، قام بافتتاح المحطة رسميا دون أن يصل القطار!، حتى “حرامى القرية” ـ الفنان أنطون كرباج ـ الذى أقبل ليسرق حقيبة وردة، فقد اقنعته بأنه “قاطع تذاكر”، فوجد الحرامى فى ذلك وسيلة لجمع الأموال دون الحاجة للسطو على المنازل، وبالفعل، قام بطبع التذاكر وارتدى بدلة، وأقبل الناس على حجز التذاكر على متن القطار الموعود، فقد استغل الحرامى الفرصة وسرق الحلم وإن دب التغيير في نفسه، وكذلك وجد التجار الفرصة سانحة لرفع سعر أراض القرية.
لقد أحدثت وردة تغييرا جذريا لأهل القرية بمحطة “الحلم” بين طامع فى التغيير ومستغل للواقع، تأخر القطار، وبدأ الحلم يتبخر شيئا فشيئا، ترك الفلاحين الأرض، وبدأوا فى الهجرة على شكل موجات نزوح عن القرية، ومن بينهم الفلاح الأول “سعدو” الذى اقنعته وردة بالمحطة.
قُدمت وردة للمحاكمة، ولكنها ظلت على إصرارها وقناعاتها بوجود المحطة، ذلك الحلم الذى زرعته فى نفوس أهل القرية، وما كان دفعها إلا أغنية “إيمانى ساطع” تقول فيها: “مهما اتأخر جاى.. ما بيضيع اللى جاى.. على غفلة بيوصل من قلب الضو. من خلف الغيم.. إيمانى ساطع.. يا بحر الليل.. ايمانى الشمس.. المدى.. والليل.. مابيتكسر إيمانى.. ولا بيتعب إيمانى.. إنت اللى ما بتنسانى”، وما فرغت من نشيد الحلم هذا، حتى سمع الجميع صوت القطار.. فقد أقبل أخيرا، وسط ذهول الجميع، اتخذ الجميع مقاعدهم فى القطار، وفقا للتذاكر التى حجزوها من “الحرامى”.. أما وردة صاحبة الحلم، فنهضت لتسأل الحرامى عن تذكرة.. ليقول لها: “خلص.. ما فى ورق”، ليرحل القطار دونها. وهنا يؤكد “الأخوين رحبانى”، على فكرة أن أصحاب الأحلام الكبيرة، ربما لاتتح لهم الفرصة ليجنوا ثمار جهودهم فى غرس الآمال.
ولكن أين نبوءة التحالف الدولى ضد داعش من تلك المسرحية، التى تجلد الواقع المرير بسيف الأحلام ؟، لقد جاءت تلك الإشارة على لسان الفنان والملحن المبدع ” فيلمون وهبى” الذى برع فى تجسيد شخصية “سبع” تلك الشخصية الكوميدية الفلكلورية فى المسرح الرحبانى، بل والحق، أن إخلاص هذا الرجل فى شراكته مع فيروز وآل رحبانى، جعل كثير من الناس يخلطون بين أعماله وأعمالهم، ولعل من أهم ألحانه لفيروز أغنيتها الشهيرة “يا مرسال المراسيل”، “جايبلى سلام عصفور الجناين”، “من عز النوم تسرقنى” و”يادارة دورى بينا” وغيرها من الروائع.
لقد أدى فيلمون فى مسرحية “المحطة” دور سبع راعى الغنم البدوى، الذى أقبل من موطنه بين مدينتى “الرقة” السورية و”الموصل” العراقية، ليحجز تذاكر على متن القطار لأفراد عشيرته وأغنامه أيضا، فهو يريد أن يرحل على متن “قطار الحلم” من أجل الحصول على مستقبل أفضل، ربما ود كثير من رعيان تلك المنطقة الآن أن يرحلوا كما رحل سبع إلى “محطة الحلم”، ومن المؤكد أيضًا، أن الفنان فيلمون وهبى لم يكن يدرى أن المراعى الخصبة فى تلك المنطقة ستتحول إلى أوكار للإرهابيين من تنظيم داعش، وأنها ستصبح هدفًا لغارات التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة لدك معاقل داعش، ما جعل الغصون الخضراء جافة ويابسة.
ففى أحداث المسرحية، ظن سبع أنه أقبل على المطار، لكن “الشاويش” أخبره أنها محطة للقطار، فقال بأسلوب كوميدى ساخر، وكأنه يرى بعينه ما تشهده تلك المنطقة الآن: “نحن نريد المطار.. دبابات.. ونفاثات.. وراجمات.. وفانتومات وطائرات، وويلكم فروم أميركان وإير فرانس، وبعدين نقاتلهم، ونرد البلاد، ونرجعلهم أراضيهم”، لقد اشتعلت تلك المنطقة بين الموصل والرقة، القريبة من “محطة الحلم الفيروزى” فى اعقاب سيطرة تنظيم داعش الإرهابى على المدينتين وتكوين خلافته المزعومة فى 29 يونيه 2014، وبالفعل حدث ما ذكره سبع فى المسرحية الرحبانية، فقد تحولت سماء المدينتين لمطار حربى كبير، وساحة عراك لا تنتهى، حين دشنت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفها الدولى ضد داعش فى سبتمبر 2014، أما فرنسا التى ذكرها فيلمون أيضا، فقد أعلنت مطلع هذا الأسبوع على لسان وزير دفاعها، جان إيف لورديان، عن مشاركة بلادها فى معركة الرقة لدحر تنظيم داعش.
والآن، ومع توالى الضربات على التنظيم الإرهابى، الذى يقضى أيامه الأخيرة بين الحدود العراقية السورية، فقد تنكر البغدادى، وفقًا لما نقلته صحيفة “لاستامبا” الإيطالية عن مصادر استخبراتية عراقية وغربية، فى شكل “راعى غنم”، لقد أراد هذا القاتل الدموى أن يختفى فى زى الرعيان، الذين جسدهم “سبع” بسجيته الطيبة الودودة وروحه المرحة.. البغدادى وإن أراد أن يلوذ اليوم بالفرار، فلن يكون “سبعا” شجاعًا بل سيظل ذئبا يعشق الدماء، ولن يتمكن قط من أن يستقل قطار الحُلم الذى زرعته “فيروز” فى محطتها الخالدة بتلك المنطقة.
وفيما يلي صور لجارة القمر فيروز مع الأخوين عاصي ومنصور رحبانى، وصور لها برفقة الفنان فيلمون وهبي الملحن المبدع الذي أدى دور “سبع” وجاءت نبوءة الرقة والموصل على لسانه.
ف
التعليقات مغلقة.