“عبد الله التل” في أوروبا وأميركا وإسرائيل

 

الخميس 30/3/2017 م …

“عبد الله التل” في أوروبا وأميركا وإسرائيل

ترجمة: صلاح عبد الله التل

تعرض المكتبات حالياً في أوروبا وأميركا وإسرائيل كتابا بعنوان ”، وهو باللغة الإنجليزية يقع في (198) صفحة، للباحث الإسرائيلي الدكتور رونين اسحاق، الخبير في الدراسات الشرق أوسطية وفي حرب 1948.

وقد تعجبت من سعر الكتاب المرتفع (61) دولار، رغم أنه معروض منذ (15) شهراً، وصورة الغلاف للقائد عبدالله التل باللباس العسكري.

وبعد أن قرأته بلغته الانجليزية السلسة، رأيت أن أقوم بسرد أهم ما جاء فيه لعله يكون فيه فائدة للقارىء العربي.. واضعاً الملاحظات وبعض الردود والتوضيحات بين أقواس بدلا من الهوامش.

يقوم بتقديم الكتاب للقارىء البروفيسور في جامعة تل أبيب يائيل زايزر وقد استهله بعبارة ‘إن قصة وحياة ضابط الجيش العربي عبدالله التل جميلة وظاهرة تصلح أن تكون من الروايات العالمية المثيرة، أو فيلم سينمائي ملحمي طويل.. إنه ضابط صغير السن في الجيش العربي بطل حرب 1948 في فلسطين، فشل انقلابه الذي أعده أثناء المفاوضات، ثم اتهم بالتآمر على حياة الملك عبدالله الأول أثناء وجوده في القاهرة ثم يعود إلى الأردن كعضو بارز في البرلمان’.

ولد التل 1918 وهي نفس السنة التي ولد فيها عبدالناصر والسادات اللذين لعبا أهم دور في تاريخ مصر الحديث. هذه الفترة التي بدأت بها المنطقة بالتغير الجذري من العثمانية إلى العربية.

في الأردن حكومة سليمان النابلسي واللواء علي أبو نوار وكلاهما لجأ إلى سوريا كمعارضين ثم عادا إلى الأردن بعفو عام، حيث أصبحا عضوان في البرلمان مثل عبدالله التل عند عودته إلى الأردن بعد أن أمضى (16) سنة في منفاه، عاش فيها حياة لا تقل خطورة وإثارة عن (18) شهرا أمضاها في حرب فلسطين عام 1948م.

الكاتب رونين اسحاق يقدم لنا معلومات قيمة عن نشأت المملكة والجيش العربي في عهد الملك عبدالله الأول، ومعها يقدم لنا معلومات عن تاريخ المملكة الأردنية بسرد قصة عبدالله التل بكنز المعلومات الذي تحتويه، مستخدما مذكرات ويوميات عبدالله التل وزملائه وشقيقه البروفيسور أحمد التل، وأرشيف وثائق المعلومات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية ووثائق من أرشيف الهاجاناة، وقوة الدفاع الإسرائيلية.. ومقالات عديدة من الصحافة الغربية والعربية (التي يتقنها) ومراجع من زعماء اسرائيل إضافة إلى معلوماته الذاتية.

ويبدأ الباحث في مقدمة كتابه بعبارة ‘إن القليلين من الضباط العرب حازوا على الإهتمام والإعجاب من أعدائهم، عبدالله التل ضابط الجيش العربي واحد منهم إن لم يكن الوحيد’. ثم يبدأ بسرد نشأة المملكة وأهم الأحداث التي مرت بها، فكان وصول الأمير عبدالله في 21 تشرين ثاني/نوفمبر 1920 إلى معان قادما من الحجاز، وموالاة القبائل له، تمرد الكورة (كليب الشريدة)، وكانت الضرائب السبب الرئيسي، هجمات الوهابيين وتصدي قبائل بني صخر لهم في 15 آب/اغسطس 1922م ، أحداث قبيلة العدوان (سلطان العدوان 1923م)، ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق (1941)، وصول جون باغوت كلوب ودوره في تطوير الجيش العربي.

(وقد قام الباحث بتبجيل دور الأمير عبدالله عن دون قصد بسرد دوره في توحيد القبائل، وإنشاء الإمارة، وتأسيس المملكة، ومشروعه لإنشاء سوريا الكبرى وهي اتحاد سوريا ولبنان وقسم من فلسطين وشرق الأردن، الذي يتطلب قتال الفرنسيين في سوريا وطردهم، ومن ثم الإنجليز في الأردن، ورهانه على الحلفاء، في الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي راهن معظم الزعماء العرب على الحصان الخاسر ‘المانيا’ مما أعطاه دفعة هائلة للأمام، وأخيرا دوره الهام في حرب فلسطين عندما تخلى عن قيادة جيشه البريطانية وسلمها لعبدالله التل في القدس ومناطقها).

وعلى حد تعبير الباحث وصف العائلة (التل) بأبرز عائلات الأردن بقوله: The Al Tal Family, The Most Prominent Family in Jordan ، خرجت من الجزيرة العربية من قبائل (بني زيدان) أقوى عائلات الجزيرة بسبب صلاتها القوية مع عائلة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستقرت في فلسطين (الجليل) في شمال فلسطين في القرن (17) بسبب نزاعات ثم جاءت إلى عمان، ثم إلى مدينة اربد، عندما كان عدد سكانها (3500) نسمة وكان هناك عائلات مثل الشرايرة، الدلقموني، عبندة، ارشيدات، الخريسات والخصاونة.

ثم تحدث عن وجوه العائلة الذين كانت لهم أدوار كبيرة مثل عبدالقادر التل، علي نيازي التل، خلف محمد التل (أبو هاجم)، (خلف التل وأحمد التل ‘أبو صعب’ كانوا من أوائل المرحبين بالأمير عبدالله عند وصوله إلى معان).

عبدالقادر التل كان على خلاف مع الأمير أحيانا، وعلى وئام أحيانا أخرى، على عكس الشاعر مصطفى وهبي التل ‘عرار’، الذي كان من المعارضين للأوضاع في الأردن معظم الأوقات، وهو والد وصفي التل، الذي تقلد رئاسة الوزراء مرتين في الأردن.

ولد عبدالله التل في اربد 17 تموز/يوليو 1918م وتلقى التعليم الأولي فيها، طور لغته الانجليزية بحيث أعطته مكانة ممتازة في الجيش العربي، عمل في الجوازات وحرس الحدود ومع توسع الجيش العربي بسبب الحرب العالمية الثانية، انضم إلى الجيش كملازم ثاني، وخدم في اللواء الأول، وخلال سبع سنوات ترفع (5) مرات، كان آخرها كولونيل (عميد) بعد معركة القدس وكان عمره (30) سنة.

تزوج التل سنة 1944م وذهب إلى بريطانيا في دورة أركان حرب والتعرف على الأسلحة البريطانية إلى الأردن، وألف أول كتاب في حياته ‘رحلة إلى بريطانيا’، وعندما بدأت حرب 1948م، كان هناك (44) ضابطا برتب عالية من الانجليز ومعهم (7) ضباط عرب ‘عبدالقادر الجندي، أحمد صدقي الجندي، حابس المجالي، عبدالحليم الساكت، محمد المعايطة، وعبدالله التل الذي كان أكثر بروزا ليس بسبب الترقيات السريعة، ولكن بسبب الأوسمة التي حصل عليها، وقابليته على تطوير نفسه مع مجريات الحرب، على حد تعبير الكاتب.

عبدالله التل وفتح كفار عتصيون: Conqueror of Kefar Itzion

إن الهجوم على ‘كفار عتصيون’ الذي قادة التل اثبت قدراته القتالية العالية، وقابليته لقيادة الجيش العربي لأول مرة.

قال ديفيد بن غوريون: ‘لن ينسى الشعب اليهودي ضحاياه في كفار عتصيون، وستبقى ذكراهم خالدة للأبد تماما كما لم ينس الشعب العربي الفلسطيني ضحاياه في دير ياسين’. (هذه العبارة ليست دقيقة، فضحايا كفار عتصيون كانوا مقاتلين أشداء في حين في دير ياسين كان اغلبهم مدنيين/المترجم).

سرد الباحث تفاصيل المعركة وكيفية خداع التل للقيادة البريطانية بأن المستعمرة هي المعتدية، وكيف قرر بنفسه إزالة المستعمرة و(4) مستعمرات محيطة بها، والخلاص من شرها إلى الأبد، وتفاصيل المعركتين سبق وأن نشرت من قبل. واختصارا لها كانت المعركة الأولى دير الشعار وهي مجاورة تماما لـ ‘كفار عتصيون’ حيث أمر أحد ضباطه أن يتحرش باليهود أثناء مروره من هناك ويرسل استغاثة للقيادة، وهكذا كان، وفي القيادة تسلم التل الاستغاثة بنفسه ودخل على كلوب يعرضها عليه، واستأذنه بالذهاب لإنقاذ القافلة، وبعد قتال تم احتلال دير الشعار وتطهيره، وأمضى الليل هناك لاستشكاف نقاط القوة والضعف في ‘كفار عتصيون’، بعدها عاد إلى القيادة وهنأه كلوب على النصر، وتمت ترقيته لرتبة رائد. وفي المعركة الثانية الكبرى افتعل نفس الخطة، وهذه المرة كانت بشكل أقوى وأطول، فاتصل به كلوب هذه المرة وكان منزعجا، وضمن ما قاله: ضيف الله ورجاله في حالة اشتباك مع المستعمرة منذ ساعات، روح يا عبدالله وشوف إيه الحكاية؟! فابتسم التل لنجاح الخطة، وها هو كلوب يكلفه بالمهمة التي ارادها، فأمر رجاله بالاستعداد، وصلى لربه ركعتين ودعا الله أن يوفقه، ووضع مسدسه Browning على جانبه وحمل عصى قصيرة وفي داخلها خنجر (يحملها الضباط عادة)، وركب سيارته الجيب وأعطى الإشارة إلى القافلة بالتحرك ليقود بنفسه أولى فتوحات الجيش العربي في فلسطين.

كانت خسائر اليهود كبيرة وصلت إلى (500) قتيل مع عدد قليل من الجرحى، و(350) أسيرا. وادعى الكاتب أن التل منع دخول سيارات الصليب الأحمر إلى المستعمرة مما تسبب في إعدام (127) يهوديا، منهم (20) امرأة. (تقول اتفاقية جنيف على قادة الميدان تسهيل مرور سيارات الصليب الأحمر للأماكن التي تحددها إلا إذا رأى قائد المعركة غير هذا لسلامتها، إضافة لذلك كانت سيارات الإسعاف تحمل امدادات لليهود في المستعمرة، ولم يكن الجيش العربي في كفار عتصيون يقاتل جيش نظامي بل عصابات، وحدث ذلك قبل إعلان الدولة العبرية المزعومة/المترجم).

وكشف بن غوريون في كتابه ‘يوميات الحرب’ أن ضحايا ‘كفارعتصيون’ من اليهود بلغ عددهم (900) قتيل. وقد أضافت معركة ‘كفارعتصون’ لعبدالله بريق كبير وأصبح اسمه يتردد على كل لسان بين الشعب العربي في فلسطين.

فتح وإنقاذ القدس Conqueror of Jerusalem

(هذا تعبير خاطيء، المقصود به دس وإساءة، والكلمة الصحيحة هي إنقاذ القدس، وتجوز كلمة فتح لمعركة كفارعتصيون لأنها مستعمرة ضخمة مقامة على الأراضي العربية حسب التقسيم، أما معركة المكبر التي ذكرها الكاتب لاحقا تكون الكلمة الأدق هي تحرير المكبر/ المترجم).

لما رفض العرب قرارات التقسيم أصبحت الحرب مفتوحة، فبدأ اليهود هجوما كبيرا لاحتلال القدس القديمة اسمه عملية ‘كيلشون’ Operation Kilshon، وعندما بدأت قوات المناضلين وقوات الجهاد المقدس تضعف أمام الهجوم، ‘أصابات ونفاذ ذخيرة’ ذهب وفد منهم إلى مقر عبدالله التل في أريحا، وكانوا في حالة فزع وهلع وهم يصرخون أن القدس على وشك السقوط، فما كان من التل إلا أن ارسلهم إلى عمان لمقابلة الملك عبدالله الأول، واتصل بالقصر ليخبرهم بأن الوفد في طريقهم إليه، ثم جاءت بقية الأحداث واتصل الملك بالتل وأذن له بدخول القدس بدون الرجوع إلى القيادة البريطانية للجيش العربي والتي كانت تعارض إشراك الجيش في معارك القدس.

كان دخول الجيش العربي للقدس في 17 آيار/مايو حيث دارت معارك طاحنة، انتهت بإنقاذها وتحريرها، واستسلام الحي اليهودي. ويضيف الكاتب أن التل كان قاسيا بشروطه ‘استسلام بدون شروط، أخذ الرجال أسرى حرب، والنساء والأطفال يتم تسليمهم للصليب الأحمر وإلا سيواصل قصف الحي بالمدافع’. ويضيف أن التل لم يلتزم بوعده بعدم أخذ الجرحى أسرى حرب. (يقول التل بهذا الصدد أن اليهود كانوا يجرحون أنفسهم عن قصد بالسلاح الأبيض، وعملية أسرهم كانت بغرض الفرز والتحقيق/المترجم).

وتوسع الكاتب في شرحه لعشرات المعارك والاشتباكات بأسمائها والتي منها ‘معركة النبي داود، احتلال مستعمرة قلندية، مستعمرة النبي يعقوب، احتلال الشيخ جراح، معركة مشيرم، النوتردام، جبل سكوبس، الثوري، رامات راحيل، ومعركة تحرير جبل المكبر’، ثم معارك قام اليهود باحتلال موقع أو اثنين في الجبهة الطويلة، فيقوم التل في اليوم التالي باحتلال موقع أو اثنين لليهود وهكذا’ Tit for tat war أي الحرب والحرب المضادة.

ثم أضاف عن توحيد عبدالله التل للقوات العربية الموجودة في القدس تحت امرته ومنها ‘الجهاد المقدس، المناضلين، متطوعين اردنيين، وبعض السرايا من الجيش العربي هناك’، ومثله فعل المقدم حابس المجالي بتوحيد المحاربين في باب الواد واللطرون لتكون النتيجة صد جميع الهجمات اليهودية.

واضاف عن حصار التل للقدس الجديدة ‘الغربية’ أربع أسابيع، وقصفهم بالمدافع، بشكل متواصل ومطالبته لهم بالإستسلام، حتى جاءت الهدنة التي وصفها التل ‘بأنها أكبر مصيبة تحل بالعرب وهي لم تحدث في تاريخ الحروب لأنه بسقوط القدس الغربية تكون نهاية اسرائيل قد اقتربت على حد وصفه’.

وقد أتى الباحث على ذكر الزيارة التاريخية الخاطفة التي قام بها الملك عبدالله الأول أثناء الهدنة للقاهرة والرياض في أواخر حزيران/يونيو 1948م منتشيا بانتصاراته في ‘كفار عتصيون’ والقدس وباب الواد، وذلك لإقناع الملك فاروق وابن سعود بضرورة توحيد الصفوف وزيادة القوات العربية لاحتلال القدس كلها، وقد اخفقت الزيارة بسبب عدم الثقة والعداء بينهم، والغيرة السياسية لما أصاب جلالته من نجاح.

الهجوم الأخير:

(يا أحفاد صلاح الدين وخالد بن الوليد، لقد أذهلتم العالم بشجاعتكم وبطولاتكم، إن أنظار العالم والعرب تتجه إليكم مرة أخرى هذا اليوم الذي بدأه اليهود في هجومهم النهائي، أنتم تدافعون عن شرف العرب وكرامتهم ومقدساتهم، عليكم الثبات في مواقعكم حتى النصر أو الشهادة، لن يكون هناك تراجع هذه الليلة).

كان هذا نص البلاغ العسكري الذي ألقاه التل عند الهجوم اليهودي 17/7/1948.

يقول الكاتب أنه تم صد الهجوم الأخير الذي أعد له اليهود أثناء الهدنة بشكل جيد وسلاح ثقيل متطور، لاحتلال القدس العربية (الشرقية)، وكانوا قد فتحوا أثناء الهدنة طريقا يصل بين تل أبيب والقدس سمي ‘بورما’ نسبة إلى طريق مماثل في حرب بورما، تدفق من خلاله عشرات آلاف الأطنان من الغذاء والسلاح و(7) آلاف مقاتل من الهاجاناة والبالماخ، ولما كان التل والمجالي يعملان بتنسيق جيد، طلب منه قصف المنشآت القائمة على طريق بورما، فعمل المجالي زيارة سرية لمعرفة إحداثيات المواقع، ولما عاد وجد قائد اللواء البريطاني ‘أشترن’ في انتظاره وقال له: ‘إذا استعملت قنبلة واحدة من مدافع عيار (25) رطل سأعمل على عزلك، عندما تصنعون قنابلكم ومدافعكم استعملوها كما تشاؤون’.

بدأ زحف اليهود بعد أن قذفوا القدس بـ (800) قنبلة من عيار (25) رطل، كان أعنف قصف مدفعي عرفه التل في حياته لتحقيق الهدف التاريخي بالاستيلاء على حائط المبكى والمسجد الأقصى وقبة الصخرة عن طريق:

(1)باب الجديد والامتداد حتى باب الخليل، ومن هناك الخطة باقتحاب حي النصارى وفيه كنيسة القيامة المقدسة ومنها إلى قلب المدينة القديمة.

(2)باب النبي داود ‘باب صهيون’ لاقتحام حي الأرمن واسترداد حي اليهود ومنه يحتلون المبكى والمسجد الأقصى، حيث يلتقون بقواتهم الأخرى في الباب الجديد.

وكنوع من التمويه زحفت قوات الحرب الإسرائيلية من مختلف القطاعات حتى يوهموا كل منطقة أن الهجوم موجه إليها، وجرت اشتباكات عنيفة مع الجنود الأردنيين والمناضلين في الثوري والنبي داود وباب العامود ومندلبوم والشيخ جراح وسان هدريا.

كانت خطة ديفيد شالتيل قائد الهجوم بعد القصف المدفعي استعمال الألغام وبراميل بارود حديثة، وفي المقابل كانت خطة التل تسهيل دخولهم في بعض المناطق المفتوحة، وعندما يقتربوا ينهال عليهم الجنود الأردنيين بالرشاشات والقنابل اليدوية، وحصد الأفواج الأمامية فيرتدون، واستعمال كثيف لمدافع الهاون الأردنية.

ثبت الجنود الأردنيون وصدوا الهجوم الأول على تلك المراكز، ولم يقتنع شالتيل بالإخفاق فأعاد الكرة ثلاث مرات حتى الصباح، وكل مرة يصاب بإخفاق وخسائر فادحة (علق ديفيد شالتيل قائد الهجوم ‘القدس 1948’ أن سبب إخفاق قوة الدفاع الإسرائيلية أن العدد (7) آلاف رجل يواجهون (2200) جندي ومناضل، والجنود الأردنيين لا يتراجعون، فهو بحاجة إلى (12) ألف محارب على أقل تقدير، وهذا العدد غير متوفر/المترجم).

المهم بعد صد الهجوم الأخير لليهود والذي سماه التل الدفاع الخالد، أخذ إطلاق النار يتلاشى شيئا فشيئا، وأصبحت القدس القديمة مع العرب، واحتفظ اليهود بالقدس الجديدة، وتبدأ المفاوضات.

المفاوضات:

‘كان دور عبدالله التل في المفاوضات مثل دوره في الحرب، فرقة عسكرية على هيئة رجل’ (المؤرخ محمود سعد العبيدات).

شرح عنها الكاتب بتفاصيل دقيقة طويلة، وصف فيها التل بأنه على دراية تامة بالأمور يفاوض بقوة وليس ضعف، يأخذ ولا يعطي، ملم بأمور الجبهة كاملة، ساعدته لغته الانجليزية ويتصرف أحيانا كرجل رقيق gentleman حتى جاءت مباحثات رودس واعتذر التل عن رئاسة الوفد الأردني والمشاركة فيها. (يقول التل لأن التوقيع تحصيل حاصل/المترجم).

(وفشل الكاتب بذكر ما جاء في كتاب بن غوريون ‘يوميات الحرب’ بقرار اغتيال عبدالله التل في القدس بعد قرار مجلس الوزراء السياسي اليهودي بتاريخ 27 نيسان/ابريل 1948م، صفحة 746، وجاءت التوصية من إلياهو ساسون رئيس الوفد اليهودي في المفاوضات التي وردت في مذكراته، وهذا ليس شيء غريب على دولة قامت على أسلوب العصابات والإغتيالات. ويضيف بن غوريون أن سبب تأجيل التنفيذ هو اعتذار التل عن الذهاب لرودس وتعيين أحمد صدقي الجندي بدلا منه/المترجم).

(والطريف أنه عند بدء المفاوضات في رودس قام وزير الدفاع فوزي الملقي باستدعاء التل للوزارة، وأخبره عن تعثر المفاوضات في بعض الأمور والتي من أهمها طلب اليهود فتح طريق يصلهم بحائط المبكى في القدس العربية لأداء صلواتهم يوم السبت، فما كان من التل إلا أن وافق على ذلك بشرط فتح ممر للأردن يصلها مع مدينة حيفا وعمل ميناء للأردن فيها، إضافة إلى فتح ممرات للأردن داخل بعض المناطق في فلسطين المحتلة حتى يتسنى للمسلمين والمسيحيين أداء شعائرهم الدينية، وقد تم الغاء طلب اليهود، ثم طلب منه البقاء للاستشارة، وأخذ يشرف على المفاوضات من عمان/المترجم).

وقبل ذلك كان الكاتب شرح عن عزله من قيادة الكتيبة السادسة وتعيينه في منصب الحاكم العسكري للقدس، واستمرار إشرافه على الكتيبة في بعض الاشتباكات بالتنسيق مع قائدها الجديد محمد المعايطة.

يضيف الكاتب بعد انتهاء الحرب والمفاوضات كانت المنطقة العربية لا تزال مضطربة وملبدة بالغيوم، فهناك هزائم عربية رغم انتصارات الجيش العربي ولا تزال القيادة البريطانية جاثمة، وكيان جديد في المنطقة حصل على أراض أكثر من قرارات التقسيم. شعر التل برقابة وقيود عليه بعد أن فقد سلطاته كقائد عسكري، فقدم استقالته بتاريخ 26 تموز/يوليو 1949م واتهم بالتآمر مع الأمير طلال تارة، والرئيس السوري حسني الزعيم تارة أخرى ‘الذي أخذ السلطة من الرئيس القوتلي ثم لقي حتفه بعد أربعة أشهر بانقلاب آخر’.

وبناء على نصيحة اصدقاء وزملاء التل ومنهم عمه الشاعر مصطفى وهبي التل زار مصر سرا، وقابل رئيس الوزراء حسين سري باشا الذي رحب به في مصر كلاجىء سياسي. وفي (5) تشرين أول/اكتوبر 1949 غادر الأردن سرا إلى سوريا، وبعد خمسة أيام وصل إلى القاهرة ومعه زوجته ووالدته وأخيه، وتبدأ حياة ومرحلة جديدة من الكفاح.

في مصر قابل الملك فاروق مرة واحدة، والضباط المصريين الذي كان يعرفهم في حرب فلسطين، والشخصيات العربية الكثيرة التي كانت تزور مصر، ثم بدأ حملة واسعة لطرد الانجليز من الأردن والبلاد العربية مشيرا فيها إلى أنهم أهم أسباب قيام إسرائيل منذ وعد بلفور إلى الآن وفي الرابع من آيار/مايو 1950 قام بزيارة سرية إلى دمشق قابل فيها الرئيس هاشم الأتاسي، وعلمت الحكومة الأردنية بالزيارة وأرسلت وفدا إلى دمشق برئاسة أحمد صدقي الجندي لتسليمه إلى الأردن. وقد رفضت دمشق ذلك وعاد الوفد، ووضعت حراسة مشددة عليه، وقد قابل التل بعدها الرئيس السوري والدكتور صبحي أو غنيمة وفيصل النابلسي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.