رسائل الحب والحرب على «جبل الحلال» / سيناء المصرية
الإثنين 3/4/2017 م …
رسائل الحب والحرب على «جبل الحلال» / سيناء المصرية …
الأردن العربي …
*6 أيام تحت الحصار ثم انهارت كهوف التكفير
*9 مجموعات قتالية مشطت الجبل بصيحة: «كمل يا أفندم»
*تطهير 24 كهفا وتفجير ورش تصنيع متفجرات وعربات دفع رباعي مفخخة
*القبض على 31 تكفيريا.. والتعليمات: «تصفية من يطلق النار في مكانه»
*تطهير الجبل حرر فكر المصريين من أكذوبة «جبل الحلال»
*لا يوجد شبر في مصر خارج عن سيطرة الجيش
أكذوبة صنع منها أعداؤنا أسطورة وربما حلموا أن تكون (أمنا الغولة) نخشى ذكر اسمها أو ربما نقول “أشتاتا أشتوت” كلما جاءت سيرتها قصدًا أو عفوًا.
هو جبل طوله ٦٠ كم وعرضه ٢٠ كم صنع منه أهل الشر فزاعة رعب لمستقبل المصريين لكنه -الجبل- خشع تحت أقدام أبطال الجيش الثالث وانهار أمام إيمانهم وصمودهم وقدرتهم على كل تحدٍّ، وتحولت كهوفه ومغاراته من أعشاش سكنها الأنجاس طويلا، إلى شواهد قبور لمن طمعوا في مصر وطيبة أهلها.
واليوم، جبل الحلال الأسطورة أو الأكذوبة التي صنعها الإرهابيون بالقتل والتدمير بعد أن سرقوه من أهل سيناء أصبح كل حلاله لمصر وناسها، بمراعيه الخضراء على الحواف الشرقية والمناجم والمحاجر والوديان والسفوح، ثرواتها حلال للمصريين بعد أن طهره مقاتلو الجيش الثالث من الإرهابيين والتكفيريين. العملية، الحصار والاقتحام، بدأت قبل سبعة أسابيع وانتهت في النصف الثاني من شهر فبراير لتتمكن قوات إنفاذ القانون من تطهير الجبل بالكامل من البؤر الإرهابية وتعلن انتهاء أكذوبة جبل الحلال.
ومنذئذ عكفت قوات متخصصة على التأكد من خلو الجبل بمغاراته من أي عناصر تكفيرية أو إجرامية حتى حانت اللحظة لكشف الجبل أمام الإعلام ليتأكد كل المصريين والعالم أن المواجهات والسيطرة على الجبل هى الحقيقة كما كشفتها بيانات القوات المسلحة وما دون ذلك هو الأكذوبة. يوم كامل بدأناه بعد صلاة الفجر بصحبة كتيبة الإعلام العسكري لإدارة الشئون المعنوية خلال الجولة التي نظمتها لوفد كبير من الشخصيات الإعلامية والمحررين العسكريين ومراسلي القنوات الفضائية والشبكات الإذاعية والصحف والمواقع الإلكترونية إلى منطقة جبل الحلال بوسط سيناء، وتوجهنا إلى السويس وقيادة الجيش الثالث، حيث استمعنا إلى شرح سريع من القائد اللواء ا/ح: رأفت الدش، عن عمليات تطهير جبال سيناء من الإرهاب والتكفيريين وأبرزها جبل الحلال.
قائد جيش الصمود والتحدي «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» كلمات قرآنية بدأ بها قائد الجيش الثالث حديثه عن قيمة الشهادة للضابط والمجند المصري وعن طبيعة المواجهات في سيناء التي هي ليست بمعنى المعارك كما تعرفها الجيوش وعن قيم التكفيريين في التعامل مع معاني الشرف وتعريض أهلهم من نساء وأطفال للخطر في سبيل النجاة بأنفسهم. العملية نفذت على مراحل، كانت أولاها مرحلة تجميع المعلومات من خلال الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وبمساعدة أهالي سيناء الشرفاء، وكان لا بد من التأكد من أماكن وجود العناصر الإرهابية في الكهوف والمغارات مع تعددها وتعدد سبل الوصول إليها، نظرًا لوعورة الجبل وحجم التهديدات، وأشدد مرة أخرى على دور ومساعدة أهل سيناء الشرفاء فقد كانوا دائما عونا للقوات المسلحة على مر الحروب التي شهدتها سيناء وما زالوا خير عون للتعامل مع طبيعة المنطقة.
وأوضح قائد الجيش كيف تم حصر المعلومات الكاملة عن جبل الحلال والمسارب والدروب المؤدية إليه وأماكن تمركز وانطلاق العناصر التكفيرية به، وتدقيق الدراسات الطبوغرافية لطبيعة الجبل والتى تعتبر فريدة من نوعها. فجبل الحلال يمتد إلى مسافة 60 كم من طريق الحسنة – بغداد وحتى قرية أم شيحان وبعمق 20 كم تقريبا، ويتميز من الناحية الغربية له بالأرض ذات الغرود الرملية الكثيفة التى يصعب سير العربات بها، ومن الجنوب بالمنحدرات الحادة التى يصعب الدخول بها بواسطة المركبات ومن الشرق يمثل امتداده مع جبل ضلفة عائقا للمناورة، أما الشمال فهو الطريق الأنسب للقوات كي تبدأ هجومها.
وصدرت الأوامر بتطهير الجبل وانتقلت العملية إلى المرحلة التالية التي تمثلت في حصار شامل للجبل، حيث تم إحكام الخناق على المسالك والطرق وبعضها امتد ٨ كيلو مترات واستمر أربعة أيام دون أن تدري العناصر التكفيرية والإرهابية وأصبح الجبل تحت المراقبة المباشرة لطرق الاقتراب من خلال الكمائن والارتكازات الأمنية، وإحكام السيطرة الكاملة على مداخل جبل الحلال من جميع الاتجاهات بغرض منع دخول الإمدادات داخل جبل الحلال ونفاذ المخزون الاستراتيجى لدى العناصر التكفيرية وإجبارهم على مواجهة القوات أو الاستسلام.
وواصل قائد الجيش الثالث: “استمر الحصار ستة أيام قتل خلالها (18) تكفيريا ووقع (31) في أيدي القوات التي حاصرت الجبل بعد أن نتج عن الحصار انهيار الروح المعنوية للإرهابيين المحاصرين داخل الكهوف والمغارات، وبدأت في الهروب، وبالفعل كانت تقع في أيدي الأكمنة المحاصرة”.
الأوامر للقوات كانت محددة: “من لا يرفع السلاح في وجه القوات يتم القبض عليه، أما إذا رفع السلاح فيتم تصفيته في مكانه”. وفي اليوم السابع بدأت المرحلة الثالثة بتمشيط الجبل، حيث تم تقسيمه إلى تسع مناطق، كل منطقة تم التعامل معها من خلال مجموعة قتالية بقائد وعناصر فنية وهندسية قتالية. بفخر مستحق يتذكر قائد الجيش اللواء رأفت الدش كيف كان الطقس سيئا عندما خرج الرجال متوجهين صوب جبل الحلال، ومع ذلك تشبثوا بكل نقطة وكل شبر طهروها فتمسكوا بالبيات فوق الجبل في أماكنهم حتى لا يعود الإرهابيون في الليل واستكمال تطهير باقي الأجزاء كل يوم حتى انتهوا من تمشيط الجبل بالكامل من كهف إلى كهف ومن مغارة إلى مغارة.
“نريد من الشعب المصري أن يسمع ويتكلم لغة واحدة هي لغة الحقيقة التي بين أيدينا على الأرض، ووجود الإعلام يرفع الروح المعنوية للمقاتلين، لأنكم لسان الشعب ووجودكم رسالة للمقاتلين الأبطال بأن الشعب معهم ووراءهم يقدر ما يفعلونه ويدعمهم”. الأبطال ركبوا الجبل باقي الملحمة سنسمعه من فوق جبل الحلال، حيث حملتنا الحافلة نحو ساعتين من كمين إلى نقطة أمنية يتخللها ظهور صارم لقوات التأمين على تباب الصحراء من الجهتين، بينما تعبر ناقلات الأسمنت والمحاجر تباعا على طول الطريق إلى الدلتا نذير خير آت لا محالة من سيناء إلى مصر.
بعدها حملتنا العربات المدرعة المخصصة لنقل الجنود إلى نقطة داخل جبل الحلال من جهة الجنوب الغربي، حيث توزع الوفد الإعلامي الكبير كل ستة في عربة يصحبنا مقاتلان من أبطال الجيش الثالث، قاموا بالتأكد من إجراءات التأمين داخل العربة والتزامنا بربط أحزمة الأمان ورويدًا رويدًا نقترب من الجبل وتزداد اهتزازات العربة المدرعة من وعورة الأرض الجبلية، حيث تركنا الطريق الممهد لأكثر من ساعة وتوغلنا داخل الصحراء صوب الجبل. من داخل مدرعة الجنود ثم فوق جبل الحلال، حيث جمعتنا الرحلة، تحدثت مع اللواء ناجي شهود، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، الذي أوضح أن العمليات في جبل الحلال تمثل جزءا مهما من مجهودات الجيش المصري في دحر الإرهاب وتعقب تجار المخدرات، إذ يعتبر جبل الحلال أصعب وكر للإرهاب، بامتداده إلى ٦٠ كم في عمق ٢٠ كم بينما تنتشر الخنادق والمغارات على أعماق تصل إلى ٢٠٠ متر. ويقول “مع تمسك الجيش المصري بقيم الفرسان فلا تتم مهاجمة أي موقع في جبل الحلال إلا بعد التأكد من وجود عناصر إرهابية بداخله، فالقوات المسلحة تحرص بشدة على حياة المدنيين في شمال سيناء”.
ويضيف: “جبل الحلال ليس هو الهدف لمن يقفون وراء دعم الإرهابيين، لكن الهدف هو سيناء وتحويلها من منطقة تنمية واعدة بالخير لمصر أهلها إلى نقطة إزعاج وتوتر وصداع للدولة المصرية، والمستفيد يقف وراء هذا معروف.. حماس وإسرائيل”.
على مرمى البصر، حيث توقفنا في قلب الجبل انتشرت عشرات العربات المصفحة وظهرت المجموعات القتالية لأبطال الجيش الثالث، أغلبهم كانوا يضعون الأقنعة لسلامة القوات، العشرات أو ربما المئات من مقاتلي الجيش الثالث اعتلوا الجبل أو (ركبوه كما يقال باللغة الدارجة) ليقولوا بالصورة -والصورة تغني عن الكلمات أحيانا-: “هذا هو الجبل تحت أقدامنا ولن نتزحزح عنه”.
إرهاب أم مخطط تآمري؟
قائد قوة الاقتحام العميد مقاتل بقوة إنفاذ القانون بالحيش الثالث تخرج كلماته قوية وواضحة يسمعها كل رجاله ونحن معهم ووسطهم: “الأوامر صدرت لنا بتطهير الجبل..
جبل الحلال كان حدوتة تناقلها المصريون، اليوم نحن على أرض الواقع طهرناه من الدنس ورجعناه تاني للمصريين”.
ويواصل: “الجيش الثالث: (أيمان) بالله والوطن وبسلامة ونبل أهدافنا ونحن (الصمود) أمام المحن والشدائد من أجل حماية الوطن ثم (التحدي) لأننا لا نقبل ولا نسلم للعدو مهما كان الثمن من أرواحنا. الجيش الثالث صرح شامخ وصخرة أمام الإرهاب في سيناء لن تنكسر بل ستدحر من يقف أمامها”.
من خلفه افترشت الأرض مجموعات من المضبوطات تم رصها ليرى الإعلام عينة مما ضبط ويا لَهول ما تركه كفار الجبل من ذخائر وسلاح ومعدات لا تساوي شيئا أمام قوة الجيش المصري، واحد من أقوى جيوش العالم، لكنها تعني المثير جدا لكشف ما يدبر لمصر وأهلها في مغارات وسراديب من يكرهون مصر الطيبة ويتمنون سقوطها.
أربعة وعشرون كهفا وثماني مغارات تم تمشيطها وضبطت ميادين رماية يتدرب عليها الإرهابيون بأشكال تشبه أشكال الرماية وأماكن تشبه الكمائن الخاصة بقواتنا للتدريب على اقتحامها، وتم تدمير ثلاث عربات وست دراجات نارية، كما عثر داخل الكهوف على مخازن الذخيرة والأسلحة بكميات هائلة ونظارات الميدان التى تستخدم فى المراقبة ورصد قواتنا ونظارات الرؤية الليلية، و(29) دراجة نارية معدة للتفخيخ ومخازن تضم العديد من العبوات الناسفة المعدة للاستخدام، وكميات كبيرة مثل (c4 – الإنفو – نترات الأمونيوم) وورش لتصنيع دوائر النسف وماكينات لحام، والمعدات المكملة لها التى تستخدم فى صنع العبوات الناسفة، كما تم العثور على (8) نقاط وقود تستخدم كاحتياطيات استراتيجية لإمداد عناصرهم التكفيرية بالوقود، ومخازن تحتوى على كميات من مواد الإعاشة والمهمات والملابس الخاصة بالعناصر التكفيرية.
وضُبط عدد من العربات المخبأة داخل الوديان ومثبت عليها الرشاشات بهدف التعامل مع قواتنا، ومخازن للسيارات الحديثة وقطع الغيار بكميات كبيرة تستخدم للإمداد الاستراتيجى للعناصر التكفيرية، فضلا عن أجهزة للكشف عن الألغام ووسائل الاتصالات اللا سلكية، وكميات كبيرة من المواد المخدرة المعبأة والمعدة للبيع. هي ليست عمليات تخريب وإرهاب فقط إذن، بل هو مخطط تآمري شامل أجهضه جيشنا العظيم لتخريب إرادة المصريين وكسر الدولة، بعد أن فشلوا في إسقاطها على مدى ست سنوات وتحويلها إلى دولة فاشلة، كما دول الجوار.
ادفنّي هنا وكمّل يا أفندم من مقاتل لآخر ومن قائد مجموعة قتالية لآخر تسمع نفس الطلب يكررونه كأنه جزء من أسمائهم: “حق الشهيد” يطلبه المقاتل خلف قناعه ويتمسك المصاب بسلاحه ويستحلف الشهيد زميله ألا يترك دمه دون رد.
“فلا الطقس السيئ ولا التضاريس الصعبة ولا المقاومات التي واجهناها فتت في عضد الرجال ولم توهن عزمهم، بل واصلوا التقدم.. المقاتلون وعناصر المهندسين العسكريين أبطال من نوع خاص.
الجبل كان يكتظ بأنواع كثيرة من المفخخات والعبوات الناسفة التي تستخدم بأكثر من وسيلة مثل سلك السنارة وعبور السيارات لكن ضباطنا استطاعوا باحترافية أن يتغلبوا عليها ويمهدوا الطريق للقوات لاقتحام الجبل وتمشيطه”.
وسط رجاله المقنعين والمدججين بالسلاح يتوقف عقيد مقاتل من قوة إنفاذ القانون ليسرد بكلمات محددة: “هنا سقط الشهيد البطل وهو يلفظ أنفاسه وطلب من القائد أن لا يتوقف ويواصل ملاحقة التكفيريين قائلا: (كمل يا أفندم .. لو حتدفنّي ادفني هنا وكمّل يا أفندم)، وبالفعل كملت المجموعة إلى أن أنهت المهمة وطهرت الجبل.
بطل آخر أصيب بطلقتين في ذراعه ورفض الإخلاء حتى انتهت مهمة مجموعته. بطل مقاتل توفيت والدته أثناء العمليات وعرضنا عليه تأمين وسيلة انتقال من الجبل ليحضر عزاءها لكنه رفض وأصر على البقاء ومواصلة القتال”.
الأمثلة تتوالى وتتسارع على ألسنتهم، لكن الغريب أن واحدا منهم لم يسرد قصة بطولته هو، كل مقاتل يسرد قصة بطولة بطلها زميل آخر له، فهم لا يتحدثون عن أنفسهم حتى مع إلحاحنا.
شاهد أيضا قبائل سيناء تعلن دعمها للقوات المسلحة في مؤتمر شعبي قبائل سيناء تعلن دعمها للقوات المسلحة في مؤتمر شعبي
ويلخص القائد تفسيرا لهذه الحالة قائلا: “سر منظومتنا أننا كلنا واحد عندما نقف على الأرض نلبس أوفراولا واحدا، ننام على الأرض نومة واحدة..
نأكل طعاما واحدا”.
ثم تلك الدفعة المعنوية التي يشحذ بها القادة رجالهم حتى إن القائد العام يتحدث يوميا مع المقاتلين من ضباط وجنود وصف ضابط ونفس الشيء يفعله رئيس الأركان وقائد الجيش.
“لما نشعر بأن الشعب والقادة واقفون وراء القوات تأكدوا أننا لن نترك إرهابيا واحدا في سيناء.. الروح المعنوية نأخدها من وقوف الشعب وراءنا، ونأخذها من أرواح شهدائنا، ومن دعم قادتنا”.
جندي مقاتل بطل من قوات إنفاذ القانون بالجيش الثالث، هكذا قدم نفسه وهو يتحدث من خلف قناعه الذي يخفي شخصيته لكنه لا يخفي تقاطيع وجهه المصري ولا يخفي لهجته القروية.
يتحدث بثقة وقوة، فقد شارك في العمليات من بدايتها وإحكم الحصار ثم المداهمات. لا تسأله عن الخوف الذي نشعر به أنا وأنتم عندما تقرأ باستمرار أخبار المواجهات المستمرة وسقوط الشهداء والمصابين، لأنهم لا يعيشون هذا الخوف ولا يتذكرون أنهم توقفوا عنده.
بسعادة يتحدث: “عندما كلفت بالخدمة في سيناء أنا وأهلي شعرت بالشرف، ده كرم من ربنا إني أحضر هنا وأكون واحدا من الأبطال دول.
أهلي دائما يدعون لي ويوصوننى بأنْ أحرص على زمايلي وأخاف عليهم زي ما أخاف على نفسي”. البطل يتحدث مع إخوته عن بطولاته وزملائه في سيناء وعن مواقف المطاردات للتكفيريين، لكنه مع ذلك يشعر بعدم رغبة في ترك مكانه للإجازة ويقول: “القادة يعاملوننا معاملة أكثر من ممتازة، جعلونا نشعر بحبهم وخوفهم علينا كأننا إخوتهم، الرعاية من أفضل ما يكون للمجندين، أتمنى ألا أتركهم وألا تنتهي خدمتي بالجيش لأنني فخور بأنني هنا ومستعد لأن أموت ولا تكون سيناء أو أي جزء منها بره أيدينا”.
اللغز الذي استعصى فك شفرته بين وصية الرسول الكريم بمصر وأهلها والاعتزاز بشرف الجندية المصرية يتمسك بلهجته البسيطة لكن الحازمة، بأن جبل الحلال آمن مئة بالمئة.
جندي مقاتل من قوات إنفاذ القانون بالجيش الثالث يعتز بذكر أسماء زملائه الذين أصيبوا ورفضوا الإخلاء أثناء العمليات، حتى وإن لم ننشرها لسلامة القوات، ويقول: “هناك فرق كبير..
أبطالنا مقاتلون والإرهابيون جبناء وقتلة، فرق كبير بين المقاتل والقاتل”. وقف وسط أربعة من زملائه الأبطال المقاتلين مدججين بالأسلحة كلهم يشعون نورًا مصدره أرواحهم، فحتى وجوههم تغطيها الأقنعة، اسأل أي بطل منهم فيتحدث عن زملائه لا عن نفسه: “هم يختبئون في جحور ويضعون عبوات في مكان تقدم القوات ويهربون.
نشعر بسعادة عندما يُضرب علينا رصاص لأننا نعرف أن ذلك معناه مواجهة نشتاق إليها لأننا نعلم يقينا أننا سننتصر في أي مواجهة”.
على مقربة من جنوده وقف أحد قادة المجموعات ومن وراء قناعه أجابني: “ما حدث هنا سيتم تدريسه في المعاهد العسكرية التي تبحث كيفية القتال غير النمطي الذي يتم في المناطق الجبلية على عناصر فرادى غير نمطية.
كيف تربي مقاتلا على أن يتحرك ويشاهد زميله يستشهد أمامه ويواصل القتال ويكون ذلك دفعة له، هذا هو سر المقاتل المصري.. حتى إذا درسوا فلن يستطيع أحد أن يفك لغز عقيدة المقاتل المصري في التشبث بأرضه”.
المواجهات مستمرة منذ ثلاثة أعوام على أشدّها فكيف تغيرت مفاهيم قواتنا وتطورت مع سير العمليات؟
يجيبني: “هؤلاء يفتقدون عامل المواجهة، كل أعمالهم خسة وغدر يضعون عبوات على الطريق ومحاور تحرك القوات، وهم يعرفون أنهم لا يستطيعون مواجهتنا، مبدأهم الأول والثاني والعاشر الهروب، ونحن نبحث عنهم ونفاجئهم في الليل عندما لا يتوقعون رؤيتنا”.
لكنة قاطعني قبل أن أكمل سؤالي التالي معترضا على صياغته لكن بذكاء شديد: “لا توجد قطعة أرض داخل جمهورية مصر العربية خارج سيطرة الجيش المصري..
القوات هنا ليست لمناقشة مبدأ السيطرة أو فرض السيطرة نحن هنا لنتكلم عن (خلع) رجل إرهابي من الأرض”.
وواصل موضحا كيف قضت القوات والرجال فترات طويلة تجهز لهذه العملية وانطلقت المهمة من الشمال إلى الجنوب مع طبيعة الجبل وضيق الوديان كانت القوات تسير على سطح الجبل حتى تُخضع الجبل من أوله إلى نهايته للسيطرة.
تحدث وتحدث، وتوقفت لأسأله: “ماذا قلت لرجالك قبل أن تخرج بهم صوب الجبل للمهمة الصعبة وأنت تعلم أنكم قد لا تعودون؟”
ابتسمت عيناه وقال: “قلت لهم إحنا رايحين نطهر الجبل ده، لأن ما ينفعش حد يحط رجله عليه، رايحين نحرر فكر الناس كلها ونقول لهم مافيش بقعة في مصر حد مجرم أو إرهابي يقبع فيها…، قلت لهم حق الشهداء، قلت لهم حق مصر في التنمية في سيناء مش حنقدر نستثمر فيها وحد حاطط رجله عليها، المنطقة دي مليئة بالخير ولازم عجلة التنمية تدور”.
في المغارة.. قلب إنسان وعزيمة أسد فوق رؤوسنا إلى السماء الصافية تحلق كاميرات طائرة استخدمتها إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة لتسجل مشهد الجبل تحت أقدام جنودنا وتحت سيطرته الكامله. وأحلق معها بعيني لارتفاع ٢٥ مترا عن الأرض، حيث أحد الكهوف أو المغارات التي استخدمها الإرهابيون طويلا لدعم عملياتهم في شمال سيناء ضد الدولة والجيش.
أتسلق صخور الجبل وكلي أمل ألا تمنعني من الوصول للكهف، حيث تصدر مدخله (أسد) في زي مقاتل، بطل من أبطال الجيش الثالث ممسكا بسلاحه وعيناه تتسعان من السعادة من خلف القناع ومن خلفه يظهر السرداب الطويل مفروشا بحصى صغير ورائحة نفاذة منفرة يتحملها هو دون أي نفور.
هو شارك في الحصار والمداهمات وقام زملاؤه في المؤخرة بالقبض على العناصر التي قاومتهم عند هذا الكهف، وفهمت سر سعادته عندما رآنا كان فخورا بأنه يقف على مدخل الكهف الذي داهمه وحرره مع زملائه من التكفيريين.
سألته عن موقف لا ينساه خلال مشاركته الحصار والمداهمات في عملية تطهير جبل الحلال فلم يتوقف لحظة ليتذكر وفاجأني بسؤال: “موقف بطولي أم إنساني؟”. كان واضحا ان ذاكرتة مليئة والصور طازجة في مخيلته، رجوته في الاثنين وقد شعرت أني أود أن أطلب منه كل ما في ذاكرته، بسرعة وبثقة اختار أن يبدأ قائلا: “موقف إنساني..
عندما أفقد زميلي ويقع أمامي شهيد”
لمعت عيناة بدموع عابرة وتنهد بعمق وتابع: “كان معايا بنقتحم الكهف وحدث تعامل بالذخيرة علينا وجاءتة رصاصة غدر، وقع، لكن زاد من عزيمتي وأخدت حقه لم نتركه”.
ورغم أنه اقتحم وواجه لكنه لا يذكر بطولته بل يذكر موقف بطولة لزميل آخر: “دخل وحدة الكهف وسط ثمانية من التكفيريين وقال لنا:
لازم اقضي عليهم، ولم يهمه الرصاص اللي انضرب عليه ودخلنا كلنا وراه وتعاملنا وبالفعل سيطرنا على الكهف ودخلت مجموعة المؤخرة وألقت القبض على من بقي على قيد الحياة “.
أخذ نفسا عميقا وألقى قى بنظرة من أعلى الكهف إلى مرمى البصر حيث احتشد زملاؤه والوفد الإعلامي أسفل الكهف ثم أردف قائلا: “قوة الشخص وعزيمة كل فرد فينا تجعله يدخل وسط النار ولا يهمه الموت”.
جبل الحلال لماذا؟ يمتد الجبل لحوالي 60 كم من الشرق إلى الغرب، ويرتفع نحو 1700 متر فوق مستوى سطح البحر، ويقع ضمن المنطقة «ج»، وفقا لبنود اتفاقية كامب ديفيد يُمنع فيها تواجد أي قوات للجيش المصري، ما جعلة مأوى سهل لتدبير وانطلاق أعمال الإرهاب ضد الدولة سواء للمجرمين أو الإرهاب الدولي.
وشأنه مثل باقي جبال سيناء فإن جبل الحلال تتكون أجزاء منه من صخور نارية وجيرية ورخام، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ففي وديان تلك الجبال تنمو أشجار الزيتون وأعشاب أخرى مفيدة.
ويمتلئ الجبل الذي يشكل امتدادا لكهوف ومدقات أخرى فوق قمم جبل الحسنة وجبل القسيمة وصدر الحيطان والجفجافة وجبل الجدي، بمغارات وكهوف وشقوق يصل عمقها أحيانا إلى 300 متر. يقع جبل الحلال تحت سيطرة قبيلتين بوسط سيناء هما قبيلتي الترابين والتياهة تقريبًا النصف بالنصف، تتولى عشيرتان منهما حماية الجبل ومساعدة اجهزة الحكومة عند استخدامه لأغراض تأمين الدولة ومع ذلك فأن الجبل ظل يأوي العناصر الإجرامية المطرودة من قبائل شمال سبناء والتي لا تستطيع الاختباء وسط قبائل جنوب سيناء فوجدت مأوى في هذه الجبال التي قصدتها العناصر الإرهابية لوقوعها فترات طويلة خارج سيطرة الأجهزة الأمنية .
وبمرور السنوات تحول جبل الحلال إلى نموذج مقارب لجبال أفغانستان. المشكلات المعيشية في منطقة وسط سيناء المعروفة بفقرها الشديد أسهمت أيضا في تحويل هذه المنطقة إلى نقطة جاذبة للأنشطة المخالفة للدولة، حيث تعد منطقة جبل الحلال منطقة سيول فتتجمع الأمطار الموسمية في خانق ضيق بين جبل ضلفع من الشرق وجبل الحلال من الغرب ثم يهبط الخانق لمستوى 200 متر. ويعيش أهالي تلك المنطقة في عشش أو كهوف حفروها بالجبال لحمايتهم من العواصف والرياح مع افتقار للخدمات المعيشية من صحة وتعليم مقارنة بشمال وجنوب سيناء، وهو ما جعل وجود نقاط للجيش أو وحدات عسكرية قريبة فرصة للبدوي للحصول على الأمان أولا ثم الخدمات وإمدادات الطعام كذلك، حيث يرتبط الجيش بعلاقات قوية مع سكان سيناء على مر العصور.
لم يعرف جبل الحلال، كما هو اليوم ولم يشر إليه بشكل خاص أو مميز عن باقي الجبال في عمليات حربية خلال الحروب المتعاقبة لكن شهرته بدأت في أكتوبر 2004، بعد تفجيرات طابا والتي استهدفت فندق هيلتون طابا، حيث وقعت اشتباكات بين الشرطة وجماعات متطرفة، وحاصرت الشرطة الجبل عدة أشهر بمساعدة عسكرية في عملية استهدفت تطهيرا ومسحا شاملا للعناصر الإرهابية.
وتكررت نفس الأحداث عام 2005 بعد تفجيرات شرم الشيخ التي استهدفت منتجعا سياحيا؛ واتهمت نفس العناصر والجماعات في تلك العملية، ومرة أخرى لجأوا إلى جبل الحلال للفرار من الشرطة.
ظل وضع الكر والفر بين الأجهزة الأمنية وإرهابيي جبل الحلال إلى أن وقع الهجوم على الجنود المصريين في رفح في رمضان 2012، والذي راح ضحيته 16 ضابطا ومجندا مصريا، وعرف باسم مذبحة رفح الأولى وتضاربت الأقوال عن هوية منفذي تلك العملية، خاصة أنها وقعت بعد صعود الإخوان للحكم بشهرين لكن استهداف العسكريين بالشكل الذي تم وتزايد ووجود آثار عناصر حماس في العمليات الإرهابية استفز رد فعل قوي من الجانب المصري تمثل في عملية عسكرية هي الأكبر منذ تحرير سيناء، وهي العملية “نسر” التي أصبحت لاحقا العملية “سيناء” ثم تطورت إلى العملية “حق الشهيد”. جنود الظل تحدث المقاتلون، أبطال تطهير جبل الحلال دون إطناب ولا مبالغة عما قاموا به وما يطمحون لتحقيقه لنا ولبلادنا، لكن هناك جنودا ظلوا يخوضون معركة من نوع آخر، حيث البحث عن الحقيقة ومصلحة القوات التي تضحي بأرواحها، ورغم أنهم يجيدون الحديث فإنهم لا يتحدثون أبدًا عن أنفسهم، بل عن المقاتلين على الجبهة من منطقة عسكرية لجيش ميداني، كتيبة عمل لا تكل ولا تتعب من ملاحقة الأنشطة الكثيفة لأبطال قواتنا المسلحة. ورغم ما سمعناه قبل التوجه إلى جبل الحلال عن صعوبة المهمة، فقد كان الأصعب علينا أن نحاول تنظيم أنفسنا في محاولة الإمساك بالمعلومات وانتهاز فرصة وجودنا في مثل هذا الحدث الذي يمثل كنزا للإعلام، كنت أخشى ومعي البعض أن يمر اليوم وتنقضي الزيارة ولا نخرج بحصيلة تساوي العناء لكن ما حدث فاق توقعاتنا، والسبب التنظيم الدقيق والراقي للزيارة.
إدارة الشئون المعنوية حرصت على توجيه الدعوة لخبراء استراتيجيين وعسكريين سابقين لمصاحبة الوفد الإعلامي الكبير، مما منح الإعلام فرصة الاستماع والمناقشة والتحليل منا حرصت على التمهيد بمحاضرة عن العمليات قبل الزيارة ولقاء قائد الجيش الثالث أو جيش الأبطال ثم تنظيم لوجيستيات الانتقال من نقطة لأخرى بشكل راق يليق بقواتنا المسلحة فاستحقت كتيبة اللواء محسن عبد النبي التحية ورفع القبعة لما يقومون به من توفير خدمة الوصول إلى الحقيقة للإعلام وتوصيل الحقيقة للشعب الذي يتعلق بجيشه إلى ما لا نهاية.
التعليقات مغلقة.