تضامنا مع الوزير الطويسي ولكن ؟
د. محمد تركي بني سلامة ( الأردن ) الأربعاء 5/4/2017 م …
تضامنا مع الوزير الطويسي ولكن ؟ …
علمت انه تفاجأ رؤساء الجامعات الأردنية الرسمية بخطاب وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عادل الطويسي، والذي يطلب فيه من رؤساء الجامعات تنفيذ قرار مجلس الوزراء المتضمن اقتطاع 10% من رواتب موظفي القطاع العام التي تزيد عن 2000 دينار، وسبب تفاجئ رؤساء الجامعات أن الوزير سبق وابلغهم قي لقاءه معهم في جامعة الحسين في معان بان الجامعات مستثناه من القرار الحكومي وذلك في ضوء تأكل رواتب أعضاء هيئة التدريس الذين لم يتم أي تحسين على رواتبهم منذ ما يقارب عشر سنوات ارتفعت فيها الأسعار وزادت الضرائب بشكل جنوني. والحال كذلك، فانه لايمكن للحكومة أو أي حكومة إعلان الحرب على الجامعات واتخاذ قرارات ارتجالية تؤثر سلبا على الجامعات التي هي بترول الدولة الأردنية الذي لا ينضب، وهي محرك التنمية في البلاد ، وعلى صعيد الفكر و الثقافة ، فهي سنان الرمح أو رأس الحربة في مكافحة العنف والتطرف والإرهاب، فالفكر لا يقهر إلا بالفكر، كما أن الجامعات الأردنية تحتاج إلى مزيد من الدعم والرعاية حتى تتمكن من مواكبة التطورات والمنافسة سواء على مستوى الجامعات العربية أو العالمية، وكيف لها أن تحقق ذلك دون أن تتوفر للعاملين فيها البيئة المناسبة والحوافز اللازمة.
كما أن الزيادات في الرواتب التي حصلت في الجامعات الأردنية من خلال نظام الموازي في السنوات القليلة الماضية لم تسهم في تحسين أحوالهم ، فالعلاوات من الموازي لا تعتبر جزء من الراتب الإجمالي لأنها لا تدخل في الضمان الاجتماعي وبطبيعة الحال لا تدخل في مكافأة نهاية الخدمة، وهي علاوات غير مستقرة وخاضعة للزيادة والنقصان كل عام حسب إيرادات الجامعة من الموازي، وبالمجمل هذه العلاوات فاقدة معناها الحقيقي ولا تسد رمق العاملين في الجامعات.
نعلم جميعا أن هذه الحكومة ( حكومة الملقي ) تحولت إلى مقصلة برفعها الدعم عن كثير من السلع والخدمات، وسحقها جيوب المواطنين ولا سيما المعوزين والفقراء بالضرائب والرسوم والغرامات وغيرها من قرارات زادت من حدة الاحتقان والتوتر في المجتمع، وعززت المطالب الشعبية بضرورة رحيلها وتشكيل حكومة إنقاذ وطني قادرة على التصدي لتحديات المرحلة، ومع ذلك فإننا نعلن تأييدنا لقرار الحكومة لا بل ونطالب برفع نسبة الحسم من العاملين في الجامعات إلى 20% و نعلن تأييدنا وتضامنا مع الحكومة اذا كان القرار منسجما مع النصوص الدستورية والقانونية ، وذلك وفق المقترحات التالية :
أولا : أن تبدأ الحكومة فورا بتنفيذ توصيات الإستراتيجية الوطنية للموارد البشرية المتضمنة الإلغاء التدريجي لبرنامج الموازي وتغطية فارق الإيرادات بزيادة الدعم الحكومي للجامعات وإدماج علاوة الموازي بالراتب الخاضع للضمان الاجتماعي ومكافأة نهاية الخدمة، وذلك من اجل تحسين أوضاع العاملين في الجامعات، ووقف النزيف الحاصل في الهيئات التدريسية، وهذه هي الترجمة الحقيقية للرؤية الملكية الثاقبة لتنمية الموارد البشرية وبناء الإنسان الأردني المسلح بالعلم والمعرفة، فلا نهضة و لا تنمية من دون نهضة في التعليم والجامعات.
ثانيا : إن تبقى المبالغ المخصومة من الجامعات في الجامعات نفسها ولا تذهب إلى وزارة المالية، إذ أن هذه الأموال هي من حق الجامعات وهي الأولى بالتصرف فيها، حيث أننا نخشى أن تذهب هذه الأموال مثل غيرها إلى جيوب الفاسدين، وهنا نذكر الحكومة بمئات الملايين من الدنانير التي كانت تجنيها الحكومات المتعاقبة من رسوم الجامعات ولم يصل منها إلى الجامعات إلا النزر اليسير فالدولة مدينة للجامعات بمئات الملايين.
ثالثا : أن يتم فورا تحويل كل ملفات الفساد إلى القضاء الأردني العادل والنزيه ليطبق القانون عليها بعدالة وصرامة، وتعلن الحكومة حربا لا هوادة فيها على الفساد والفاسدين وعلى رأسهم وليد الكردي فيتم إيداعه السجن في أول زيارة له للبلاد، والكل يعلم انه لم ينقطع عن البلاد منذ قرار المحكمة بإدانته وتغريمه ملايين الدنانير، وبهذا تستعيد الحكومة ثقة المواطن، وتنجح في إطفاء نيران الغضب المتأججة في صدور الأردنيين، وتضيف انجازا جديدا إلى سجل انجازاتها ” بالمناسبة انجازات هذه الحكومة كثيرة ونحن لا نريد ذكرها في هذه المقالة خوفا من العين والحسد” .
رابعا: أن تبدأ الحكومة بسرعة وبدون تردد في إدماج كافة الهيئات المستقلة في الوزارات والمؤسسات الحكومية ووفق سلم الرواتب للوزارات والمؤسسات الحكومية، فالهيئات المستقلة تشكل اكبر نزيف للموازنة، ويشوب إنشاءها الكثير من الشبهات الدستورية، ولم تحقق الأهداف والغايات التي أنشاءت من اجلها، وإنما جاء إنشاءها لخدمة فئة معينة من أبناء الذوات المنعمين والمترفين اللذين أغدقت عليهم الأموال بسخاء، فهم الأطفال المدللين وكل الأبواب أمامهم مفتوحة، أما بقية الأردنيين والعاملين في القطاع العام فهم أبناء الزوجة الثانية وليذهبوا إلى الجحيم.
خامسا : أن تبادر الحكومة إلى اطلاع الشعب الأردني على حجم أموال المساعدات التي حصل عليها الأردن خلال العشر سنوات الماضية وكيف تم التصرف بها بكل صراحة، وذلك تجسيدا لمبادئ الشفافية والحكم الرشيد، فالأردنيون ينظرون بعين الشك والريبة إلى كل الحكومات التي حجبت عنهم الكثير من المعلومات المتعقلة بحجم المساعدات وأوجه إنفاقها، لا بل مارست الحكومات كل أنواع الخداع والتضليل والاستغفال للأردنيين في هذا الموضوع، وطوال عمر المجالس النيابية لم نجد نائبا واحدا يجرؤ على السؤال عن هذا الموضوع.
سادسا : أن يتم الشروع بإنشاء نقابة لأساتذة الجامعات ترعى شؤونهم وتدافع عن حقوقهم ومكتسباتهم أسوة بالمهن الأخرى، وانسجاما مع الخطاب الرسمي بإقامة دولة القانون والمؤسسات، وتجسيدا لمقتضيات الدولة المدنية وسيادة القانون على النحو الذي طرحه جلالة الملك عبد الله الثاني في الورقة النقاشية السادسة، فالمجتمع الحديث هو مجتمع المؤسسات والنقابات ولا مبرر لحرمان أساتذة الجامعات من هذا الحق الذي كفله الدستور لهم.
سابعا : إن تتخذ الحكومة قرارا يوقف الهدر في الأموال العامة والإنفاق الترفي غير المبرر في كافة مؤسسات الدولة التي يجب عليها السمع والطاعة والتنفيذ لخفض الإنفاق وترشيد الاستهلاك بشكل جدي عبر قرارات واضحة وقابلة للتطبيق بشكل عملي وليس عبر الكلام النظري واستمرار استغفال الأردنيين.
إننا نعلم أن رئيس الوزراء حاصل على شهادة الدكتوراه وهو مبعوث سابق لجامعة اليرموك ولكنه بعد التحاقه بالجامعة لفترة قصيرة جدا ترك الجامعة وذهب إلى عمان وتنقل من وظيفة إلى أخرى حتى أصبح سفيرا ثم زيرا حتى وصل إلى رئاسة الوزراء، ولكنه لم يمارس التعليم الجامعي وبالتالي لا علاقة له بالأستاذ الجامعي واحتياجاته ومسؤولياته، و لا يستطيع أن يجتهد في أمور التعليم العالي، وهنا نؤكد على أن التضييق على أساتذة الجامعات وعدم تلبية مطالبهم الأساسية سوف يدفعهم إلى خيارات غير معقولة، وكلنا يعلم أن الأستاذ الجامعي لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد سنوات طويلة من الدراسة والبحث والمعاناة والكد ، فهل يكافأ على جهده أم يعاقب وندفعه إلى البحث عن وظيفة أخرى من اجل توفير متطلبات الحياة الكريمة له ولأسرته، فنجد أستاذ جامعي لا قدر الله يعمل سائق أجرة أو في مطعم أو أو ؟.
أما وزير التعليم العالي والذي مارس مهنة التعليم الجامعي فنذكره انه عندما كان رئيسا للجامعة الأردنية أعلن في أكثر من مقابلة عن ضرورة تحسين أوضاع الهيئات التدريسية لمنع هجرتها، فهل تراجع الوزير عن هذا الرأي؟ إننا نأمل أن لا يكون الموقع الوزاري قد غير قناعته أو أعماه عن الحقيقة فنحن نرى فيه رجل رشيد يقود مسيرة التعليم العالي في بلادنا إلى شاطئ الأمان ونثمن له توجهاته الإصلاحية من خلال قوانين التعليم العالي والجامعات الأردنية الجديدة.
إننا إذ نقدم المقترحات السابقة لتطبيق القرار الحكومي نقدم وجهة نظر وندعو للنقاش والحوار بعيدا عن فرض الرأي بالقوة وندعو إلى تحقيق الإصلاح والتنمية والاستقرار وضمان الحقوق والحريات والوصول إلى الوفاق الذي يخرجنا من حالة التجاذب والاستقطاب، ويرضي ضمائرنا ويخدم وطننا وشعبنا، وبعدها فليغضب من شاء. نحن أبناء الدولة معها وليس ضدها ، نريد حقوقنا مهما كلفنا الثمن ، نقف بثبات وشموخ وكبرياء في وجه الظلم والباطل والفساد، ولا مكان بيننا لمتردد أو متذبذب أو جبان .
وأخيرا، أقول لزملائي العاملين في الجامعات لا تدفنوا رؤوسكم بالرمال ، فإرادتكم نافذة لا محال اذا كانت مجتمعة ومتحدة ، قولوا شيئا أيها الصامتون صمت القبور، أن الفرمان الذي أصدرته الحكومة لا يستدعي أن تقولوا لا فحسب ، بل يستدعي الرفض والتصدي و …. حتى آخر رمق ، واعلموا انه أن استمر صمتكم وحنيتم ظهوركم امتطاكم كل …… ؟
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك
خبير دولي في الديمقراطية
التعليقات مغلقة.