ترامب , يهوذا واشنطن الجديد .. لم و لن يمنع قيامة سورية
المهندس ميشيل كلاغاصي ( سورية ) الخميس 6/4/2017 م …
ترامب , يهوذا واشنطن الجديد .. لم و لن يمنع قيامة سورية …
متغيرات وأحداث متسارعة , ويستمر الدوران في الحلقات المفرغة, ما بين ضبابية ترامب كزعيمٍ تنفيذي لجهود الإدارات السابقة , ووضوح الرئيس الأسد في تحرير كل شبر , وسط تداخل وشدة تعقيد المشهد وملفات الصراع الدولي القديمة-الجديدة, وخطورة الشراكة الميدانية للأصيل والوكيل الذي فقد قدراته الفردية على تنفيذ مهمته وخدماته لمشروع المشغل والأصيل.
تكشير أنياب ومعارك ضارية,وعواصف المواقف السياسية التحضيرية الإستباقية, والتحركات العسكرية الميدانية المتسارعة,فيما البحثُ جارٍ عن مناطق النفوذ التي تبدو كبطاقات العبور نحو التسوية الكبيرة أو الصفقة الكبيرة , فالأحلام والأوهام والأطماع تبدو مشرّعة على مصراعيها, وسط إحتمالية الصدام الكبير والأمل الضئيل في الحلول على المدى المنظور, فتعقّل العالم أصبح خياليا ً مع قادةٍ وأعداء أمريكيون وأوروبيون وإقليميون وعرب وإرهابيون يجمعهم نعطشهم للفوضى والدماء والخراب , في زمنٍ نغيب فيه القيم الأخلاقية والعدالة الدولية وإحترام الحقوق ويبتعد السلام..هي الحرب العالمية المصغرة في سورية وعلى سورية , من بوابة الحرب الإصطفائية على “داعش” وبعض تلاوين ونسخ “جبهة النصرة “..
فقد انتهت جولة جنيف الخامسة كسابقاتها , وتأرجحت خلاصاتها ما بين المراوحة في المكان والتقدم النسبي الضئيل, نتيجة غياب التوافق والحل الحقيقي بين واشنطن وموسكو .. ويأتي الدخول الأمريكي المكثف والمباشر في المناطق الشرقية لسوريا, وفي منطقة الطبقة وسد الفرات, ليدلل على نيتها قطع طريق تحرير الرقة أمام الجيش العربي السوري وحلفائه , ومنح الأكراد المتعاونين معها بارقة أمل بإقامة دولة كردية عبر تكريس نواتها من خلال مشروع تقسيم سورية وفدرلتها , وخلق “منطقة استقرارٍ” كردية.
من خلال بحث الرئيس ترامب عن نصر سريع في الحرب على الإرهاب , وعمّا يخفف عنه وطأة الغضب والكره وعدم الرضا الداخلي على شخصه و أدائه و سياساته, بعدما فقدت إدارته ثقتها بأداء شركائها كتركيا والسعودية وقادة التنظيمات والجماعات الإرهابية , وقررت أن تشرف بنفسها على رسم حدود مناطق نفوذ كلٍ منهم , بالتوازي إمتعاضها من سرعة تقدم الجيش العربي السوري في أرياف حلب و حماه وحمص , وإضافتها إلى “منطقة إستقرار” الدولة السورية.
فقد حددت منطقة النفوذ التركية في مدينة الباب وجرابلس , وللسعوديين والقطريين مناطق نفوذٍ على الحدود مع الأردن و مدينة إدلب , ونسقت مع الكيان الإسرائيلي مناطق نفوذه في الجنوب السوري حيث تتمركز الجماعات الإرهابية التي تعمل بإشرافه , وحاولت منع أو تقليص النفوذ السوري في المناطق التي لم تستطع دخولها, فأوغزت لقوات الإندوف بالعودة إلى نقاط تمركزها في موقعي عين التينة وباب الحداد في بلدة حضر بريف القنيطرة الشمالي, والتي غادرتها منذ حوالي العامين بشكل مفاجئ , أما قوات الحماية الكردية وما تسمى ” قسد” فلا تزال مناطق نفوذها غير نهائية في الطبقة وما حولها وصولا ً إلى الحدود الشرقية لمدينة منبج , ولا تزال أعين القوات الأمريكية على مدينة دير الزور , والتي سبق لها أن إعتدت على التواجد العسكري لوحدات الجيش العربي السوري فيها وخصوصا ً في جبل الثردة .
أما الأوروبيون , فلا يحظون بأي قيمة في التواجد على الأرض إلاّ من خلال التحالف الدولي الذي يقدم خدماته للسيد الأمريكي , بإستثناء بريطانيا التي تحتفظ بقوة حضورها و مشاركة الولايات المتحدة في التحرك على الأرض , والتي نفذت إنزالا ً جويا ً ساهم في ضرب الخطوط الخلفية لتنظيم “داعش”,ومهّد لسيطرتها وواشنطن على مطار الطبقة العسكري بالإعتماد على التحرك البري لقوات سورية الديمقراطية في إحتلال مدينة الطبقة.
وهذا ما يفسر الإمتعاض الأوروبي عموما ً والفرنسي خصوصا ً , والذي ترجمه وزير خارجيتها بالحديث عن عدم التركيز على مستقبل الرئيس الأسد , وتشجيعه المفاوضات وإعادة الاعمار, على الرغم من عدم ثقته بالتصريحات الأمريكية الجديدة , وطالبها بالمزيد من التوضيحات , في وقتٍ ولم يتأخر فيه نظيره الألماني للإلتحاق بنفس الموقف , و استطاع الإتحاد الأوروبي أن يصل إلى إجماع حول دعم ما تسمى المعارضة السورية وخصوصا ً “الهيئة العليا”, من بوابة تنفيذ بنود القرار 2254, ومراقبة و ضمان الإنتقال السياسي , ليصار إلى إعتماد الحكومة التي ستتعامل معها في إعادة الإعمار عشية لقاء بروكسل.
فما تقوم به واشنطن يعكس نيتها على فرض خارطة سايكس – بيكو الجديدة على مرحلتين , تتمثل الأولى في تحديد خارطة نفوذ كل الأطرف, بالتوازي مع إعترافها “بمناطق نفوذ” الدولة السورية , فيما تتمثل الخريطة الثانية في التفاوض على رسم حدود نفوذ القوى الكبرى في المنطقة والعالم من خلال التفاوض الكبير أو الصفقة الكبيرة القادمة.
إن ما دعي بالتحول الأمريكي أوالإستدارة الأمريكية , وما صدر عن الوزير تيلرسون , والبيت الأبيض , والسفيرة نيكي هيلي, حول مستقبل الرئيس الأسد , وأولوية “الواقعية الامريكية” لم تعد تتمثل بالجلوس والتركيز على إزاحته وضرورة التركيز على هزيمة داعش , وعلى الرغم من محاولة السفيرة هيلي التراجع عن مواقف بلادها تجاه الرئيس الأسد, لتبريد الرؤوس التي كادت أن تنفجر في فرنسا و أوروبا عموما ً, و داخل الفريق الخليجي – العربي – الإسرائيلي , وما تحدثت به عن العدالة ومحاسبة الرئيس الأسد لا يعدو أكثر من عبارات سخيفة , لتهدئة روع الدول الأوروبية وإتحادها الذي أوصلته واشنطن حد الإنهيار والتفكك مع خروج وإنسحاب بريطانيا منه.
لم تكتف واشنطن بتوزيع وفرض مناطق النفوذ في سورية , بل عملت بجد على شيطنة و تقليص الدور الروسي على الأرض السورية , عبر رسالة إرهابٍ دموية طالت مدينة سان بطرسبورغ , وعبر مسرحية جديدة تقام على شاشات مجلس الأمن لعرض ما دعته أدلة على تورط موسكو في الهجوم الكيماوي على مواقع للمدنيين في مدينة خان شيخون في ريف إدلب , وسط نفي روسي , وتأكيد الوزير لافروف على سخافة هذه الرواية الملفقة , الأمر الذي دفع البيت الأبيض لتحويل الإتهام نحو الدولة السورية.
يبدو أن واشنطن ماضية في تحضير كافة أوراقها التفاوضية والعسكرية باّنٍ واحد , وتسعى لعقد تفاوض ٍ كبير و صفقة غير مسبوقة تحقق لها مصالحها في سوريا , و بما يضمن لها تقسيمها, وقطع طريق طهران – دمشق , لضمان أمن الكيان الإسرائيلي, وتطويق محور المقاومة ,عبر سعيها تشكيل ما يسمى ب” الناتو العربي” , وتهيئة العالم العربي لقبوله علانيةً استبدال العدو الإسرائيلي , ب” العدو” الإيراني , وإتمام التطبيع الكامل, لإنهاء القضية الفلسطينية التي يرى فيها الرئيس بوتين مفتاح حل كل قضايا و أزمات الشرق الأوسط, فالعرب راضون , وسورية مكبلة بالحرب الكونية, فيما تخضع مصر للمزيد من الضغوط والجولات الإرهابية , في وقتٍ تُصدر حركة حماس وثيقتها الجديدة و التي تميز فيها ما بين اليهود و الصهيونية, وتعلن موافقتها على حل الدولتين وحدود 1967, بما يشكل إعترافا ً وقبولاً بدولة إسرائيل بحسب الشروط الإسرائيلية , هي حماس ذاتها التي ميزت بين رقاب السوريين ووحشية ذبحهم , ولم تستطع التميز بين عروبة سورية و صهيونية قطر !.
إن حديث واشنطن عن مناطق استقرار , سمح لها بالإعتراف بمناطق سيطرة الدولة السورية وبقاء الرئيس, لكونها الجهة الوحيدة التي تملك شرعية التفاوض أو إبرام الصفقات والتسويات , فالأسد رئيسٌ شرعي , والدولة السورية معترف بها أممياً , وما تفترضه واشنطن مكسبا ً أو تنازلا ً سوريا ً, تحتاج معه لطرفٍ سوري حقيقي لقبوله , وعليه تتكشف ضبابية مواقف الرئيس ترامب وخططه كخلاصة لمن سبقوه , ولا بد أنه سيعمد إلى تكرار السيناريو السابق وإرسال كولن باول جديد مباشرة ً أو بالوساطة , ليحصل على أهدافه حيال علاقات سورية بإيران وحزب الله وموقع سوريا و دورها في الصراع العربي – الإسرائيلي , بالتوازي مع تهديدها بفتح أبواب الجحيم على الدولة السورية.
لهذا استجلبت واشنطن ترامب التاجر ورجل الصفقات الكبرى إلى سدة حكمها , ولكن ما فاتها هو التعمق في تاريخ سورية و شعبها عبر التاريخ الأطول والأعرق بين شعوب الأرض , فما أكثر الأعداء والأزمات والحروب والمخططات التاّمرية التي حيكت عليها, ويبقى دليل وجودها حتى اليوم أسطع دليل على قوتها ورباطة جأشها وأسطورية أجيالها المتعاقبة , كما أن سورية الحالية استطاعت الوقوف في وجه أكثر من 83 دولة , بفضل حكمة وشجاعة الرئيس الأسد , والجيش والشعب السوري ووقوف حلفاء سورية إلى جانبها و إلى جانب الحق الذي تمثله , فقد امتزجت دماء الشرفاء بإيمانهم بالنصر الذي ما فتئ سماحة السيد حسن نصر الله التبشير به , وتأكيد حصوله وأن محور المقاومة إنتصر وسينتصر , في وقتٍ يعد فيه الرئيس بشار الأسد شعبه وأعداءه والعالم “بتحرير كل شبر” و بالنصر السوري الكبير القادم ,.يحق لواشنطن أن تحلم , لكنها لن تؤثر على السوريين , لا بل ستزيدهم صلابة وقوة و تمسكاً بقائدهم وجيشهم و دولتهم , ولن يعدم السوريون وسيلةً في إعادة الجنود الأمريكيين في صناديق خشبية أو بلاستيكية , نعوشا ً باردة وجثثا ً متفحمة , خاصة ً أنهم يتوقون إلى قتالها و دحرها عن أرضهم الطاهرة المقدسة , ولن يستطيع يهوذا واشنطن الجديد أن يمنع قيامة سورية , فكلما زاد قوته و غطرسته وعدوانه , إزدادت الهمة و قويت العزيمة , وارتفعت قيمة النصر.
التعليقات مغلقة.