الموازنة: نلتقي في 2016 م / جمانة غنيمات

 

 

 جمانة غنيمات ( الأردن ) الخميس ) 26/2/2015 م …

 

التصويت على قانون الموازنة العامة انتهى كما هو متوقع؛ إذ أقر مجلس النواب الموازنة، تماما كما وردت من الحكومة، اللهم باستثناء تخفيض الانفاق بقيمة تصل إلى 200 مليون دينار، منها مخصص الدعم النقدي للمحروقات والبالغ 180 مليون دينار، لتصبح قيمة الانفاق العام 7.9 مليار دينار.

وكما هو متوقع أيضاً، ومحزن ومحبط في الآن نفسه، فإن أيام مناقشة الموازنة كانت فرصة سانحة لكثير من النواب لكيل التهم والشتائم للحكومة فحسب، في عرض مسرحي لا ينتهي، وينتقده حتى جزء من النواب أنفسهم.

بصراحة، على الجميع طرح السؤال المهم بشأن جدوى ونفع مناقشة الموازنة، ولأيام متتالية تمضيها الحكومة، رئيساً ووزراء، جالسة تنصت لمزايدات بعض النواب ممن يرفعون الصوت تحت القبة، ويتقدمون بالمطالب في الغرف المغلقة، في وقت يدرك الطرفان أن التغيير على الموازنة غير وارد. لكن لا ضير، طالما الفرصة متاحة لتأنيب الحكومة، أقله أمام القواعد الانتخابية!

بالنتيجة، لم يكن مفاجئاً أداء النواب، في غالبيتهم العظمى، خلال مناقشة الموازنة الحالية، بل جاء مطابقاً لما جرت عليه العادة؛ بتناول معظم الخطابات قضايا ليست ذات علاقة أبداً، وبما يؤدي فقط، ومن جديد، إلى إضاعة الفرصة الضرورية والحقيقية، لإدخال إصلاحات على الموازنة.

وساعد في تصعيب مهمة إدخال تعديلات على بنود الموازنة، الارتفاع الذي لحق بأسعار النفط خلال الشهر الماضي، إلى مستويات اقتربت من 60 دولارا للبرميل، وهي القيمة التي طالب النواب باعتمادها لبناء الموازنة.

النواب لم يتطرقوا لسلبيات الموازنة، والتشوهات الموجودة فيها؛ كما لم يتنبهوا، في المقابل، لقصة إيجابية رئيسة تتمثل في تحديد سقف الإنفاق العام للحكومة المركزية عند قيمة إنفاق العام الماضي 2014.

خطابات النواب عموماً طويلة وغير مفيدة، عدا عن أنها لم تخلُ من تصفية حسابات شخصية مع الرئيس، وطرح قضايا ليست ممكنة البحث في ذاك المقام؛ وبما يؤكد عدم جدوى الاستمرار في مناقشة الموازنة العامة بهذا الشكل الذي فقد قيمته وتأثيره.

إنصافا للنواب والحكومة، فلربما تكون محدودية التأثير مرتبطة بحالة الجمود التي بلغتها الموازنة العامة؛ إذ يبقى هامش التعديل والتغيير محدودا، نظرا لارتفاع النفقات الجارية التي تقدر بحوالي 6.9 مليار دينار، أو ما نسبته قرابة 85 % من إجمالي قيمة الموازنة العامة البالغة قرابة 8 مليارات دينار.

والجمود يظهر أساساً من حقيقة أن غالبية بنود الإنفاق تقع ضمن فئة النفقات الثابتة في الموازنة. فمثلاً، تقترب فاتورة الرواتب من قيمة 3.7 مليار دينار، فيما تزيد قيمة فاتورة خدمة الدين على مبلغ مليار دينار.

مع ذلك، فإن الفشل الأكبر للنواب تمثل في إهمال الحديث عن الهدر في الموازنة العامة، ومواجهة وزير المالية الحالي د. أمية طوقان، بضرورة معالجة هذه المشكلة التي اعترف بها هو شخصيا في العام 2011، مقدراً حجم هذا الهدر بنسبة 15-20 % من الموازنة.

ومؤقتا، كان للنواب أيضاً مطالبة الحكومة بتطبيق فكرة الموازنة الموجهة بالنتائج، مع تعظيم دورهم الرقابي على عمل الحكومة. أما الحل الدائم لمشكلة المالية العامة، كما تجسدها الموازنة العامة وموازنة المؤسسات المستقلة، فهو حل طويل المدى، ولا يمكن تحقيقه، بحال من الأحوال، إلا عبر اللجوء إلى “الجراحة”، كما يقول البعض؛ والتي تقوم على تقليص حجم القطاع العام، من خلال التخلص من حمولته الزائدة، وضمنها البطالة المقنعة خصوصا.

يبقى الزمن، والتخطيط السليم لنهج الاقتصاد، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، هي الحلول للتخفيف من مشكلات الموازنة العامة.

أيا يكن، فقد فوّت مجلس النواب، ومن جديد، فرصة أخرى لتفعيل دوره الرقابي على الحكومة، خصوصا في موضوع توجيه الإنفاق وربطه بالنتائج.

نلتقي في موازنة العام 2016، لنرى كم تغيرت الحال لدى الحكومات على صعيد إعداد الموازنة، كما لدى النواب بشأن الرقابة عليهما؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.