نساء عربيات ومسلمات تأسست على ايديهن أشهر الجامعات والمدارس

 

ثروت البطاوي ( الخميس ) 13/4/2017 م …

نساء عربيات ومسلمات تأسست على ايديهن أشهر الجامعات والمدارس …

ثمة تناقضات عجيبة يجمعها تراثنا العربي، فبينما الجدل لم يحسم حول أحقية البنات والنساء في التعليم إلا في القرن الماضي، يكشف تاريخنا أن نساء العرب كان لهن الريادة والفضل في نشر التعليم وبناء المدارس والجامعات، منذ قرون بعيدة.

أول جامعة في العالم كانت مؤسستها امرأة مسلمة، وأعرق وأكبر جامعات العرب تدين بالفضل لأميرة عربية، فيما يظل للنساء دور عظيم في بناء المدارس ورعاية العلم والعلماء عبر التاريخ العربي الإسلامي.

من خاتونات الدولة الأيوبية إلى نساء المماليك، أسست النساء المدارس في مصر والشام واليمن والعراق.

وصل جهد المرأة المسلمة إلى إنشاء منظومة تعليمية فريدة في غرب إفريقيا في منتصف القرن التاسع عشر، ومن قبلها، كان لسلطانة دلهي بالهند أيادي بيضاء في تأسيس المدارس ورعاية العلماء.

لم يقف دور المرأة العربية على تأسيس المدارس والجامعات، بل كان منهن العالمات والفقيهات والمحدّثات، وتذخر كتب التراث بنساء عظيمات عالمات في الفقه والحديث، منهن السيدة نفيسة بنت الحسن وشهدة بنت الأبري الكاتب، وفاطمة بنت علاء الدين السمرقندي، وهجيمة بنت حيي الأوصابية وأسماء بنت أسد بن الفرات وخديجة بنت الإمام سحنون ومسعودة الوزكتية وغيرهن كثيرات.

في السطور التالية نستعرض رائدات يحفظ لهن التاريخ دورهن العظيم في نشر التعليم في شتى بقاع الدنيا.

فاطمة الفهرية: مؤسسة أول جامعة في العالم

يعلم الكثيرون أن جامعة القرويين التي أنشئت عام 859م في مدينة فاس المغربية، والتي تعد أقدم جامعة في العالم، وفقاً لما أوردته موسوعة جينيس للأرقام القياسية، وتخرّج منها الكثر من رموز الفلسفة والدين والأدب العربي، وشخصيات غربية بارزة، تأسست على يد امرأة عربية هي فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهرية القيروانية.

انتقلت أول مؤسسة جامعة بالعالم إلى فاس، من القيروان، في عهد الأمير يحيى بن محمد بن إدريس، وسكنت مع أسرتها في عدوة القرويين.

ورثت مالاً، فاشترت به أرض جامع القرويين الذي تحول إلى جامع وجامعة. باشرت البناء فيه برمضان عام 245هـ، وحفرت فيه بئراً لاتزال قائمة.

أصبح جامع القرويين أول معهد ديني وتطور ليصبح أكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى، ولا تزال الجامعة تعمل كمؤسسة أكاديمية حتى اليوم.

قال ابن خلدون عن فاطمة الفهرية التي توفت عام 878م: “فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها”.

ست الشام: راعية العلم وبانية المدارس

لها دور يحفظه التاريخ وكتب التراث في رعاية العلم والعلماء والأدب والأدباء وبناء المدارس والإنفاق عليها بسخاء. إنها الخاتون فاطمة (وفي بعض المصادر “زمرد”) بنت نجم الدين أيّوب، أخت صلاح الدين الأيوبي (1219م).

اهتمت ست الشام بالأعمال الخيرية، غير أنها ساهمت في رعاية العلم عبر إنشاء مدرستين: المدرسة الشامية البرانية (1186م)، التي عيّنت فيها خيرة علماء عصرها، واشترطت عليهم ألا يدرسوا بمدارس أخرى لضمان تفرغهم وتلبية حاجة الطلبة من الاهتمام الكافي. كما أوقفت على المدرسة أوقافاً ضخمة من أموالها.

والمدرسة الشامية الجوانية، التي حولت من خلالها بيتها إلى مدرسة، وتبرعت لها بأوقاف كثيرة حتى أصبحت المدرسة من أكبر المدارس وأعظمها في دمشق. وقد عيّنت الفقيه الشافعي تقي الدين ابن الصلاح (1245م) مديراً لها.

خاتونات الأيوبيين والتعليم

إلى جانب ست الشام خاتون، كان لنساء سلاطين وأمراء الدولة الأيوبية المسميات بـ”الخاتونات” دور في رعاية العلم وبناء المدارس وإطلاق ما يسمى بالوقف التعليمي.

من أبرز نماذج ذلك خاتون أم شمس الملوك التي أنشأت المدرسة الخاتونية، وأوقفت عليها وادي الشقراء بدمشق. والعديد من الخاتونات اللواتي رعين التعليم وبنين مدارس في حلب وحماة ودمشق والقاهرة.

سلطانة رضية: مدارس دلهي

قامت ببناء مئات المدارس والمكاتب وازدهرت العلوم تحت رعايتها. إنها سلطانة رضية بنت إلتتمش من سلالة المماليك الأتراك الذين حكموا عاصمة الهند دلهي بين عامي 1210-1526م، وهي المرأة الوحيدة التي توجت سلطانة دلهي، وأول حاكمة مسلمة في جنوب آسيا.

امتد حكمها بين عامي 1236م و1240م، وقامت بإصلاحات هامة في نظام الحكم، كما أنها اشتهرت بقربها من عامة الشعب.

الآدر الكريمة جهة صلاح: مدارس اليمن

والدة الملك علي داود، خامس ملوك الدولة الرسولية في اليمن. تولت الحكم في غياب ابنها حين كان معتقلاً في مصر 14 شهراً، فكادت أن تثور الاضطرابات في اليمن، إلا أنها ضبطت البلاد حتى عودته.

لها أتأثير إيجابي على التعليم في اليمن، إذ بنت المدرسة الإصلاحية في مدينة زبيد، ومدرسة في قرية المسلب من وادي زبيد ومدرسة في قرية السلامة في تعز ومنحت لكل ذلك أوقافاً كافية، وتوفيت في تعز باليمن سنة 1361م.

تَتر الحجازية

أنشئت المدرسة الحجازية عام 1360م، وكان فيها مكتبة ومسجد وسبيل للأيتام يصرف لهم الطعام والنقود، وملابس في الصيف والشتاء. إنها خوند تتر الحجازية ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وزوجة الأمير بكتمر الحجازي، التي منحت مدرستها بالقاهرة أوقافاً ضخمة.

خوند بركة: مدرسة أم السلطان

أنشأت بركة أمّ السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين عام 1370م مدرسة عرفت باسمها (مدرسة أم السلطان)، وكان على بابها حوض ماء للسبيل. وهي من المدارس المهمة، وفيها دفن ابنها الملك الأشرف، كما ذكرها المقّري في كتابه.

نائلة خاتون: المدرسة المرادية ببغداد

نائلة خاتون هي زوجة مراد أفندي مكتوبجي، أحد رجال الدولة العثمانية بالعراق. لما توفي زوجها، أوقفت سنة 1874م بيته في بغداد، وجعلته مدرسة تعرف باسم مدرسة نائلة هاتون أو المدرسة المرادية.

عينت فيها مدرساً وإماماً ومؤذناً وخدماً، واشترطت أن يوجد فيها نحو عشرين طالباً ليلاً ونهاراً وخصصت لهم ما يكفيهم.

نانا أسماء: تعليم النساء في غرب إفريقيا

عالمة وفقهية وشاعرة ومربية، كان لها أثر بالغ في نشر التعليم بين النساء بوسائل متعددة في نيجيريا وغرب إفريقيا.

ولدت نانا أسماء حفيدة عثمان بن فودي، المجدد الديني الشهير. ولدت عام 1792م وبدأت بإنشاء حلقات لتعليم النساء القراءة والكتابة وتدريبهم على أعمال متفرقة تساعدهن على إعالة أنفسهن.

كما ألفت قصائد لتساعد في تعليم قواعد الفقه والتجويد، ويقال بأن من علمتهن هنّ بدورهن، أصبحن سفراء لمهمتها، وبدأن حلقات تعليم جديدة.

وسميت مدارس ومنظمان نسائية إسلامية كثيرة باسمها تكريماً لها.

فاطمة بنت الخديوي إسماعيل: أرض جامعة القاهرة

إذا كانت امرأة عربية هي مؤسسة أول جامعة في العالم، فإن واحدة من أعرق الجامعات العربية وهي جامعة القاهرة، تدين بكثير من الفضل في تأسيس مقرها لأميرة اشتهرت بكرمها: الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل.

وهبت الجامعة التي كانت تسمى بالجامعة المصرية عام 1909، قطعة أرض قرب قصرها بضواحي القاهرة، لإقامة مقر جمع العديد من كلياتها، كما أوقفت على الجامعة 674 فداناً بدلتا مصر، وأعطت مجوهراتها التي قدرت وقتها بـ18 ألف جنيه مصري لإقامة مبنى الجامعة، كما تبرعت بالعديد من الكتب والمخطوطات النادرة التي أهديت لها من ملوك وأمراء العالم.

ولم تكتفى الأميرة بذلك، بل أصرت على أن تكون نفقات وضع حجر أساس لجامعة عام 1914 من مالها الخاص.

الملكة عفت: رائدة تعليم البنات

نعم هناك رائدات كثر لتعليم البنات في العالم الإسلامي، لكن يبقى للملكة عفت آل ثنيان، زوجة العاهل السعودي الراحل الملك فيصل، والوحيدة التي حملت لقب الملكة في السعودية، تقدير خاص في خوضها معركة تعليم البنات في مجتمع كان يحرم فقهائه حتى وقت قريب تعليم النساء.

كان لملكة السعودية التي ولدت في تركيا عام 1915، وتزوجت الملك فيصل عام 1932 حينما كان نائباً على الحجاز، الريادة في تعليم البنات في السعودية، حين تمكنت من افتتاح قسم لتعليم البنات داخل مدرسة الطائف النموذجية، في عقد الأربعينات من القرن الماضي. لكن إعراض الأهالي عن إرسال بناتهن للمدرسة دفعها إلى إقامة مدرسة للبنات في قصرها.

ومع كل ما واجتها من صعوبات ومعارضة من علماء الدين المحافظين، استطاعت وبدعم من الملك فيصل أن تطلق عام 1955 مشروعها الرائد في تأسيس مدارس دار الحنان التي تعد أول مدرسة لتعليم البنات في السعودية.

المصادر: السلطان إلتتمِش، وابنته راضية والتباس الجنوسة في القرن الثالث عشر في شمال الهند، لإليسا غاباي (من منشورات بريل، 2011)؛ أخت الخليفة: نانا أسماء، لجان بويد (لندن، 1989)؛ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، للمقريزي؛ الأعلام، لخير الدين الزركلي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.