اقتراع مصر الأخير لصالح المشروع الغربي .. لماذا ، وتداعياته اللاحقة

 

الأحد 16/4/2017 م …

اقتراع مصر الأخير لصالح المشروع الغربي .. لماذا ، وتداعياته اللاحقة …

محمد شريف الجيوسي …

إقترع مندوب الحكومة المصرية في مجلس الأمن يوم الأربعاء الموافق 12 نيسان على مشروع القرار الأمريكي البريطاني الفرنسي ؛ الذي يحمّل الدولة الوطنية السورية مسؤولية التفجير الكياوي الذي وقع في بلدة خان شيحون الواقعة تحت سيطرة العصابات الإرهابية ..

وبدت الخطوة المصرية لوهلة مفاجئة بعد التقارب المصري مع كلٍ من روسيا وسورية وإيران ، وتباعد مع السعودية وخصومة مع كلٍ من قطر وتركيا ، وما قيل عن تنسيق سوري مصري ضد الإرهاب الذي يضرب في البلدين بدعم عثماني وأمريكي بريطاني فرنسي وإسرائيلي ورجعي عربي.

لقد تدهورت العلاقات المصرية السعودية في النصف الثاني من عام 2016 ، لعدة أسباب أو إجراءآت منها أن قرار حكومة السيسي بالتنازل عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية لقي معارضة شعبية واسعة في الشارع المصري ، وما تلا ذلك من قرار محكمة مصرية معنية ببطلان التنازل .

ومن الأسباب توقف شركة أرامكو عن تزويد مصر بالبترول ، الأمر الذي استدعى البحث عن بدائل وكانت إيران هي البديل ، وهو ما تعتبره السعودية بمثابة تحدٍ قاس ، ومنها أيضاً طلب موفد سعودي إلى أثيوبيا زيارة سد النهضة الذي يُعتبر بمثابة حرب مائية وبيئية وزراعية واقتصادية على كلٍ من مصر والسودان معاً .

وتعتبر السعودية التي ـ ( منحت ) مصر عقب إنتهاء نظام الحكم الإخوني في مصر ، نحو 15 مليار دولار ( إلى جانب الإمارات التي قدمت لها منحة كبيرة ) ـ أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد خذلها ، وتريد منه ( موقفاً أفضل تجاه حربها على اليمن ) وموقفاً ( مختلفاً أكثر في سورية ) بحسب المفكر المصري د. مصطفى الفقي .

لكن مصر كانت تحاول التمايز في سياساتها، حيث المصالح مختلفة في جوانب عديدة منها على الأقل ، فلا مصلحة لها في التورط في المستنقع اليمني ، ويربطها تنسيق أمني ولو جزئي مع سورية بمواجهة إرهاب تتزايد وتيرته في الشارع المصري ، كما تتزايد في المقابل أعداد المصريين المتعاطفين مع سورية وإعادة العلاقات الديبلوماسية معها ، في وقت تدعم فيه السعودية وتركيا جماعات إرهابية في غير دولة عربية ، بينما مصر تعاني منه ، وفي وقت تشن تركيا وقطر،حرباً سياسية وتحريضية على مصر إنتصاراً للإخوان، وهما بذلك تتساوقان مع الرياض رغم إختلاف النظرة والتعامل بينهما في الشأن الإخوني ، لكنهما متفقتان على دعم جماعات إرهابية في سورية واليمن ، ما ينعكس بالضروة اختلافاً مصريا مع كل منهما ، في حين تتوافقان مع السعودية في هذا الجانب .  

لكن القاءات الأخيرة التي عقدت على هامش قمة البحر الميت أواخر شهر آذار 2017 ، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك السعودي سلمان ، قد أعادت دفء العلاقات بين الدولتين ، وما استتبع من قرار محكمة مصرية ( خلافا لقرار محكمة أخرى ) بصحة القرار المصري بالتنازال عن الجزيرتين المصريتين للسعودية ، وقرار استئاف السعودية توريد النفط لمصر .. وأيضاً قرار السعودية بتصحيح أوضاع مخالفى نظامى الإقامة والعمل السعوديين ، والمتمثل في الحج والعمرة المعروف باسم “البصمة” للمصريين العاملين بالسعودية.

ويبدو أن الرياض نجحت في ( تليين ) التشنجات التركية تجاه مصر ، حيث تباطأت حملات أنقرة الإعلامية ضد القاهرة وخففت من احتضانها لقيادات إخونية مصرية ، ويحدث هذا في ضوء حاجة الرياض وانقرة معاً لإنضمام مصر \إلى تحالفهما المعلن ضد إيران وما يسمى تدخلها في شؤون المنطقة والتشيع بحسبهم .

ويعتبر البعض في مصر ( بأن الحمقى هم من يراهنون على وجود أزمة بين السعودية ومصر وأن عودة العلاقات بينهما أصابت هؤلاء بخيبة أمل وإحباط ، وأن العلاقة المصرية السعودية لم يكن لها خيار آخر سوى العودة مرة أخرى، وأن من سيراهن على حدوث توتر أو قطيعة بينهما واهم ، كما أن مصر والسعودية على حد تعبير هؤلاء ركزيتا الأمة العربية وبدون تنسيق دائم بينهما ستشهد المنطقة العربية إنقلابات داخلية وخارجية) .

ويبرر أولئك ( من الجانب المصري ) ضرورة إستعادة العلاقات مع السعودية باحتاجات مصر للمساعدات المباشرة ( قروض ومنح واستثمارات ) وغير مباشرة من سياحة وعمالة مصرية في السعودية والخليج، الأمر الذي يوفر لمصر مليارات الدولارات من العملات الصعبة ويخفف من نسب البطالة المتفاقمة لديها .

لكن السؤال ، هل حلّت المساعدات السعودية والأمريكية وغيرهما أزمات مصر الإقتصادية المتفاقمة منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد أواخر سبعينات القرن ألـ 20 المنصرم ، بل على النقيض من ذلك ، تفاقمت الأزمات الإقتصادية والإجتماعية في مصر ، فالحل ليس بالتفريط في المصالح الإستراتيجية للدول، لصالح فتات حلول، وإنما ينبغي أن تنبع من مصالح عميقة وقرارات مستقلة تتوفر عليها دول تمتلك جيوشا وطنية ومجتمعات متقدمة وامكانات إقتصادية (متعددة) مستثمرة وقابلة للإستثمار الجيد وتتوفر على تشريعات متطورة نسبيا ويمكن تطويرها .. ومصر واحدة من هذه الدول رغم ما اعتور أنظمتها السياسية من نواقص منذ رحيل القائد العروبي الأصيل جمال عبد الناصر، وما قبل ثورة 23 يوليو .  

إن اقتراع مصر لصالح مشروع القرار الغربي فضلا عن كونه شكل عودة عن تطورات محتملة كانت واعدة باتجاه المحور المناهض للإرهاب ، وتحوله باتجاه المحور الآخر المساند له ، يحتمل انقلاب حكومة مصر على ذاتها 180 درجة باتجاه إنزلاقها في المستنقع اليمني والسوري ، وربما في إتاحات سياسية للإخوان في مصر ، ما سيتيح لتمدد أكثر للإرهاب في ربوع مصر ، وتغلغل الفكر التكفيري الوهابي ضد أقباطها والمسيحيين بعامة .

إن استغراق مصر في التحول لا يعني مصر وحدها ولا السعودية وحدها وإنما الإقليم ككل ، الأمر الذي يعني أيضاً إفتراق مصر عن كلٍ من تونس والجزائر في التنسيق على صعيد ليبيا ، وهذا يعني أن استقرار ليبيا سيطول زمنيا ، كما سيطون استقرار الأوضاع في كل من اليمن والعراق وسورية ، كما يعني بقاء مصر رهينة في الأحضان الأمريكية والغربية في كل مناحي الحياة ، وأن معاهدة كامب ديفيد ستبقى بوصلة مصر ، ومؤشر علاقاتها وساساساتها تجاه القضية الفلسطينية .

وعلى صعيد مصر الداخلي ، لن تتبدل الأحوال الاقتصادية والمعيشية للشعب المصري ، فالحاجة للمساعدات والخارج سيبقى هاجس الحكم في مصر ، وما يترتب على ذلك من إعتماد على العمالة الخارجية دون الاستثمار في الداخل والاعتماد على الذات ، وبالتالي سيبقى القرار السياسي والإقتصادي معلقاً بها وغير مستقل ولا مستقر ، وسيبقى الفساد قائماً دون أن ( يمسسه سوء ) حيث يتمتع الفاسدون السياسيون وفيالاقتصاد بحماية الخارج دون الداخل ، وستبقى الأوضاع السياسية غير مستقرة بحال وعرضة للتقلبات المتسارعة ، ومنها أيضاً إنقلاب حلفاء اليوم في ضوء تقلبات مصالحهم .

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.