الحرب الباردة بطريقة النكتة السياسية
الأحد 23/4/2017 م …
الحرب الباردة بطريقة النكتة السياسية …
محمد شريف الجيوسي …
اختلف الصينيون والسوفييت نهايات العقد السادس وبداية السابع من القرن ألـ 20 ، حول ملكية أرض حدودية ، إدعى كل منهما أنها جزءاً من ترابه الوطني ،حتى كادت تقع بينهم مواجهة مسلحة في ظروفِ أوضاعٍ دقيقة ، تغذيها خلافات عقائدية بين النظامين الشيوعيين.. فالسوفييت كانوا يتهمون الصينيين بالجمود العقائدي والصينيون اتهموا السوفييت بالتحريفية .
وكانت أطراف الإمبريالية سعيدة بهذه الخلافات ، لما يشغل السوفييت والصينيين بها عن التفرغ للإمبريالية التي وصفها الرئيس الصيني الراحل ماوتسي تونغ بـ ( نمر من ورق ).
وتجنبا لحدوث مواجهة قاسية،توصل القادة الصينيين والسوفييت بأن يوكل البلدان اختلافهما الحدودي إلى لجنة حكماء لنزع فتيل الحرب، وبما يحول دون تحول النمر الورقي إلى نمر حقيقي ..
اتفقت اللجنة بأن يتولى الحكم في الإختلاف المستحكم بينهما ، أول جماعة أو فرد يمر بالقرب أو من المنطقة ، من غير الروس أو الصينيين ، وتولى تنفيذ الإتفاق فريق أمني ، وبعد أيام مر شخص بملامح أوروبية وثياب رثة ووجهٍ أرهقه التعب والرعب فيما يبدو ، فاستوقفه الفريق الأمني،وأجرى تحقيقاً سريعا معه ، ليتبين أن الشخص فار من تشيكوسلوفاكيا ، لمشاركته في الإنقلاب ضد المنظومة الإشتراكية والسوفييت ؛ الذي أحبط للتو، فاعترض السوفييت على قبول التشيكوسلوفاكي حَكَماً ، لكن الإتفاق المسبق على قبول اي مار من المنطقة ، والملل الذي توصل إليه الطرفان من استطالة الخلاف في منطقة نائية ، لا يشكل كسبها أو خسارتها قضية كبرى تستحق الإحتراب لأجله ، جعل السوفييت يقبلون بالتشيكوسوفاكي على مضض.
شرح الطرفان للرجل ، موضوع الخلاف ورجوه النظر بموضوعه .. قبل الرجل الحكم وهو على قدر عال من الإضطراب ، وأخذ بالتجول في المنطقة محاولاً إيجاد دليل يستطيع الحكم من خلاله بأحقية أحدهما بالمنطقة ، ولفت انتباه الطرفان أن التشيكوسوفاكي كان يتوقف بين حين وآخر ، ثم ينطوي على الأرض كمظلة ، فلا يعرفا ما هو فاعل . لكنه كان في كل مرة يبدو متقززاً من شيء ما.
أخيرا وصل الرجل الذي بدا فرحا ، إلى براز متعدد جاف يبدو أنه يعود لعدة الأشخاص ، وأخذ من كل براز عينة صغيرة متذوقا!؟ ، لكن بقدر أقل من الإشمئزاز .
بعد الإنتهاء أعلن الرجل الـ تشيكوسلوفاكي النتيجة بملامح لا تبدو سعيدة ولكن واثقة ، هذه أرض روسية ، وهمّ بالذهاب ، خشية أن يعتقله السوفييتي ، لكن الصيني اتهم الرجل بمحاولة تبييض صفحته تجاه السوفييت بهدف العفو عنه كخائن للإشتراكية ، لكن الرجل اقترب من أذن الصيني وهمس طويلا بشيء ما في أذنه ، فضحك الأخير كما لم يضحك ربما من قبل ، معلنا قبوله بنتيجة الحكم .
أعلن السوفيتي أنه سيمنح الرجل ؛ الجنسية السوفيتية وراتبا مدى الحياة ، وقد أنسته الفرحة الإستفسارعن كيفية وجود التشيكوسلوفاكي المنشق في هذه المنطقة النائية التي لا مصلحة ولا عمل له فيها .
قال الصيني .. متشفياً ، أتعلم ماذا قال لي صاحبك ، قال لي بعد أن تذوّق بقايا البراز.. ( كل خرا .. لا تتفلسف .. هذا خرا السوفييت منعرفو مليح ، طول عمرنا .. بناكل منو ) .
أسقط في يد السوفييتي .. فقد سبق العفو عن التشيكوسوفاكي ، لكن الأخير إختار البقاء في الجانب الصيني من المنطقة المتنازع عليها .. وصرف له السوفييت شيئا لمرة واحدة .
** هذه نكتة سياسية قديمة ، إنتشرت في سبعينات القرن الـ 20 ، تسخر من الخلاف الصيني السوفييتي ، وتغمز من طريقة تعامل الإتحاد السوفييتي تجاه بلدان المنظومة الإشتراكية التي كانت تضم تشيكوسلوفاكيا قبل تفككها إلى دولتين .. وهي نكتة ليست محايدة ، وتخدم الثورة المضادة، وتؤرخ لطريقة من الحرب الباردة الإمبريالية ضد المنظومة الإشتراكية ودور النكتة في الحرب .
*عن مجلة روز اليوسف بتاريخ 19 نوفمبر 2016
التعليقات مغلقة.