فلسطينيون في مؤتمر صهيوني عُقد مؤخرا / د.فايز رشيد
د.فايز رشيد ( الأردن ) 26/2/2015 م …
عُقد مؤخرا في تل أبيب وفي المكان المسمى بـ»متحف أرض إسرائيل» مؤتمر دوري لـ»معهد أبحاث الامن القومي»، بالتعاون مع إدارة المعهد المتخصص بعقد مؤتمرات هرتسيليا ومعهد سياسات الشعب اليهودي، تحت عنوان «تحديات تواجه إسرائيل في القرن الواحد والعشرين.. اسرائيل في منطقة مضطربة». المؤتمر انعقد يومي 16 -17 فبراير الحالي.. والمعهد يعقد مؤتمرات سنوية وندوات شهرية، وأبحاثه في غاية الاهمية، وهو بالفعل أحد المعاهد الدراسية الاستراتيجية في الكيان يحضره بشكل اساسي الضباط المتقاعدون.. وهو مهم لرسم الاستراتيجيات العليا للحركة الصهيونية.
ما هو مُستغرب، حضور بعض الفلسطينيين من منطقتي 48 والأراضي المحتلة عام 67 أعمال المؤتمر، ليس ذلك فحسب، بل جرى تسجيل قسم منهم كـمحاضرين مثل، قدورة فارس ممثلا عن حركة فتح (تحدث في الجلسة الصباحية الأولى في اليوم الأول) د. رامي نصرالله (تحدث في الجلسة الصباحية الثانية في اليوم الأول) د. جمال زحالقة (تحدث في الجلسة المسائية الثانية في اليوم الأول) بالإضافة إلى حضور آخرين معروفة أسماؤهم.
المؤتمر حضره الصهيونيان مارتين إنديك ودينيس روس، إضافة إلى قيادات إسرائيلية سياسية منها، نفتالي بينيت، زعيم حزب «البيت اليهودي» المتطرف، الذي لا يعترف بوجود شعب فلسطيني من الأساس، وزير خارجية الحكومة المؤقتة أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» صاحب المواقف المعروفة والمنادي بترانسفير الفلسطينيين من منطقة 48 وآخر اقتراحاته، أنه سيعمل في الدورة الجديدة للكنيست على سن قانون إعدام للفلسطينيين.. وقيادات عسكرية من عتاة الجنرالات الإسرائيليين ورؤساء الأجهزة الأمنية، إضافة إلى استراتيجيين مؤيدين للحركة الصهيونية وللكيان من مختلف أنحاء العالم.
الحضور الفلسطيني في المؤتمر إلى جانب كل معانيه الرمزية السلبية المسيئة للشعب الفلسطيني أولا، وللمشروع الوطني ثانيا، ولقضية مقاطعة إسرائيل ثالثا، وللشخصيات التي حضرت رابعا.. هي لحظة فاصلة بين تاريخين في حياة كل واحد منهم.. الخطوة مسيئة للأمة العربية أيضا.
الحضور يأتي إلى جانب حضور متطرفين صهاينة. انعقاد المؤتمر جاء في ظل تغول استيطاني صهيوني لالتهام الضفة الغربية، ولقد أقرّت إسرائيل خطة استيطانية جديدة تقضي ببناء 65 ألف بيت جديدة في أراضي عام 67 منها، 15 ألف بيت في القدس. وفي ظل اقتحام وزيرين ومئات المستوطنين لباحات الأقصى، وفي ظل قتل القوات الصهيونية للفلسطينيين في القدس، ومؤخرا في الدهيشة، وفي ظل احتجاز الكيان لأموال الضرائب الفلسطينية، وفي ظل اعتزام الأسرى الفلسطينيين إعلان ما يشبه انتفاضة في السجون ضد التعامل الفاشي للاحتلال معهم. وأيضا في ظل مخطط تهويد القدس ومخطط جديد لتهويد قرية «لفتا « الفلسطينية، وغير ذلك من الجرائم الصهيونية.
معروف أيضا أن حضورا فلسطينيا يجري لمؤتمرات هرتسيليا السنوية، وقد كتبنا على صفحات هذه الجريدة في حينها. نعم مؤسستان إسرائيليتان تحظيان باهتمام كبير، الأولى هي «المركز المتعدد التخصصات في هرتسيليا». أما الثانية فهي «معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي». المركز يعقد مؤتمرات سنوية منذ عام 2000، أما المعهد فقد أسس بعد سنتين من المركز، وهو أيضا يعقد مؤتمرات، لكن نشاطاته تقتصر على صياغة تقارير استراتيجية تشكل هي وتوصيات مؤتمرات هرتسيليا، أسساً مهمة لسياسات وقرارات الجهة الإسرائيلية الحاكمة (وهي إلى حد ما خفيّة) والمعبّر عنها بـ»المؤسسة الأمنية العسكرية» الفارضة للسياسات والقرارات على الحكومات الإسرائيلية.
الحركة الصهيونية وتمثيلها السياسي (إسرائيل) توليان عمل هاتين المؤسسيتن أهمية كبرى، مع أن معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي يوازي مؤتمرات هرتسيليا أهميةً، وهو يتبع الوكالة اليهودية مباشرة، إن لم يفقها. وللعلم رأس المعهد منذ إنشائه الصهيوني الأمريكي ذائع الصيت، مستشار الإدارات الأمريكية المتعاقبة لشؤون الشرق الأوسط، دينيس روس، ومن ثم ترك منصبه، وعاد ليشارك في هيئته الرئاسية. معهد التخطيط مع أهميته الفائقة لا يحظى بالتغطية الإعلامية كمؤتمرات هرتسيليا، ويكاد يكون شبه مجهول في العالم العربي.
للسبب السابق.. لا تجد مصادر كثيرة عن أعمال المؤتمر، سوى بعض المواقع باللغة العبرية واللغة الإنكليزية.. هناك تعتيم إعلامي مقصود عليه. صياغة التوصيات السياسية وخطة العمل المقترحة.. ستستفيد منها الحكومة الإسرائيلية المقبلة… ومن أجل هذا الهدف جرى عقد المؤتمر ليكون التساؤل: وماذا يعني ذلك للفلسطينيين الذين شاركوا في أعماله.. هل ذلك مهم لهم؟ على ما يبدو فإنهم يعتبرون ذلك مهما.
هذا في الوقت الذي أعلن فيه مؤخرا 700 مثقف وأكاديمي وفنان بريطانيين وأمريكيين ومن دول أخرى مقاطعتهم لإسرائيل، كذلك يبرز التساؤل الآخر، بماذا وكيف سينعكس الحضور الفلسطيني لمؤتمر صهيوني يُعقد في موقع تحت اسم متحف «أرض إسرائيل» ألا يعني ذلك اعترافا واضحا ممن حضروا بمشروعية وقانونية الأساطير والأضاليل الصهيونية وأبرزها: «فلسطين… الأرض التاريخية للشعب اليهودي»؟ بالله عليكم.. هل حضور هذا النفر لمؤتمر صهيوني منطقي؟ في للإجابة على التساؤل الأخير يحضرني المثل العربي الأصيل «إن لم تستح فافعل ما تشاء». وإلى لقاء.
التعليقات مغلقة.