سلاح الجوع

 

فهد الخيطان ( الأردن ) الثلاثاء 25/4/2017 م …

سلاح الجوع

أفضل مايمكن أن يحصل لقضية الشعب الفلسطيني الضائعة وسط ملفات وصراعات عربية وعالمية هو أن نعود بها إلى سرديتها الأولى، بلا تهويش عسكري فارغ من قبل الفصائل ولا دبلوماسية تضيع معها الرواية التاريخية للصراع وما تبقى من أراض محتلة.

وسرديتها الأصيلة هى باختصار، قصة شعب أعزل يقبع تحت آخر وأبغض احتلال عرفته البشرية في العصر الحديث، يقاوم بأدوات سلمية من على أرضه.

إضراب الأسرى في سجون الاحتلال الذي طوى أسبوعه الأول نموذج أصيل لهذا النوع من المقاومة، التي تعيد الصراع إلى مربعه الأول؛ أسرى يمثلون ضمير شعبهم في سجون جيش احتلال لاسند دوليا ولا أخلاقيا لسجونه ومحاكمه.

لقد انشغل العالم ونحن معه طوال هذه السنوات، بأفكار الحل وتغاضينا عن الصراع وحقيقته، حتى غدت معاناة شعب تحت الاحتلال مجرد تفصيل ضمن الصورة الأكبر.

الأسرى في سجون الاحتلال هم أبرز عناوين المواجهة الشعبية مع الدولة المحتلة، فمن خلفهم عشرات الآلاف من العائلات والنساء والأطفال يعانون من غياب أبنائهم ومعيليهم، ومثلهم الآلاف من ذوي الشهداء والمفقودين. هؤلاء هم من يشعرون يوميا بضيم الاحتلال وقهره.

نسلط الضوء عليهم أكثر من سواهم،لأن سواهم وللأسف تم تحييدهم عبر سياسات التكيف الاقتصادي والاجتماعي تحت الاحتلال وفي كنف السلطة الفلسطينية.

إسرائيل تعلم خطورة ملف الأسرى وما يعنيه لقضية الشعب الفلسطيني، ولهذا ترفض تقديم تنازلات لهم في قضايا معيشية، وهم في السجون، ورفضت من قبل مطالب الإفراج عنهم وتسوية الملف برمته، إلا تحت الضغط، وفي إطار صفقات تبادل قبلت بها مرغمة.

والأسرى في موقفهم الموحد بمواجهة الاحتلال، هم آخر ما تبقى من عناوين لوحدة الصف الفلسطيني، في ظل الانقسام السياسي المؤسف، وصراع الفصائل على كعكة منظمة التحرير الفلسطينية، وتقاسم الجغرافيا الفلسطينية قبل أن تتحرر من نير الاحتلال.

سلاح الجوع كما أطلقت عليه وسائل الإعلام، يتحول اليوم إلى قوة وعي فلسطينية تعيد شحن الأمل بمواصلة المواجهة مع الاحتلال، وإعادة الاعتبار لجوانبه الأخلاقية.

لم يرفع الأسرى المضربون شعارات سياسية كبرى؛ فالأحرار خارج قضبان السجون، لم يفلحوا في تحقيقها. لكنهم في المقابل حملوا على أكتافهم مطلبهم الشرعي والوحيد؛ حقهم في حياة كريمة، وبمعاملة لاتهين كراماتهم.

هذا أهم ما في الإضراب؛ الفلسطيني وهو أسير يتمسك بحقه في الحياة بكرامة، لم يكسره الاحتلال ولا أحكام محاكمه المؤبدة مضروبة عشر مرات. يعلم مئات الأسرى أنهم لن يخرجوا من السجون إلا إلى القبور، لكنهم بالرغم من ذلك يتمسكون بالدفاع عن حقهم بالحياة، وهم على استعداد للشهادة حتى داخل المعتقلات الصهيونية من أجل كرامتهم وكرامة شعبهم.

كاد الكثيرون أن ينسوا، لابل إن عالما واسعا من حولنا نسي معنى أن يكون شعب تحت الاحتلال، فقد خيّل لهم بأن ما يحصل فلسطين مجرد خلاف أو أراض متنازع عليها ليس إلا. إضراب الأسرى يعيد تذكير الجميع بأن هناك ملايين البشر يعانون تحت الاحتلال، وأن معاناتهم أكبر من مجرد أفكار لحل الدولتين؛ إنها معركة حياة أو موت.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.