مصر الكنانة في مهب التعطيش والتجويع والترويع
فهد الريماوي* ( الأردن ) الثلاثاء 25/4/2017 م …
مصر الكنانة في مهب التعطيش والتجويع والترويع …
*رئيس تحرير “المجد” الاردنية …
لا تكفي الحواس الخمس المعروفة لرصد فصول المؤامرة المتعددة الاطراف والابعاد على مصر الكنانة، اذ يتعين استنبات حواس اضافية للاطاحة بحلقات ومخططات وخرائط هذه المؤامرة التي تحاك، اولاً واساساً، في الدهاليز الاسرائيلية، ثم يصار الى توزيعها على جملة مراكز وعواصم وفصائل عربية واقليمية ودولية، لزوم التنفيذ واجراء المقتضى الارهابي والتخريبي.
بعد تدمير العراق وتفجير سوريا.. ضلعي المثلث الذهبي في التاريخ العربي، جاء الدور على الضلع الثالث والركن المكين والعمود الفقري للامة العربية، ونعني به مصر التي عرفت كيف تخرج من اتون ”الربيع العربي” ظافرة لا خاسرة، ولكن جمع الاعداء يريد لها عكس ذلك، ويعمل ليل نهار على تعطيشها وتجويعها وتركيعها وتفكيك عراها الجغرافية والديموغرافية، وتحويلها الى دولة فاشلة، وربما زائلة.
لا امان تاريخياً، ولا اطمئنان استراتيجياً لدى اسرائيل، ما دامت مصر على قيد التماسك والوحدة الوطنية والاحتفاظ بجيش المليون مقاتل، ولا امل لاسرائيل في التمدد والهيمنة على المشرق العربي، ما دامت مصر مكتنزة بالجاذبية القيادية التي اهلتها على امتداد التاريخ لتوحيد وتحشيد الطاقات العربية.. اما معاهدات السلام واتفاقات كامب ديفد، فليست في الحساب الصهيوني البعيد المدى، سوى خرافة طالعة من كتاب ”كليلة ودمنة”، وهدنة مؤقتة الى حين تبدل الاحوال، وخدعة مظهرية تستهدف ذر الرماد في العيون.
بكامل حواسنا وما ملكت اذهاننا، نشعر ان هناك عقلاً مركزياً شديد الدهاء يعمل بدأب وانتظام ضد مصر، ويضع لها حجر عثرة في كل خطوة.. يحبك المؤامرات والسيناريوهات، ويوزع الادوار والمهمات، ويحدد اطراف والجهات المولجة بالعمل التنفيذي من داخل البيت المصري وخارجه، وعلى مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والامنية والاعلامية، وبمختلف الوسائل والاساليب التي قد يبدو بعضها ودياً وتعاونياً ظاهره الرحمة، ولكن باطنه السم الزعاف، وفقاً لمكيدة دس السم في العسل.
انظروا الى هذا التحالف الشرير والخطير بين الارهاب الداعشي والتخريب الاخواني الموجه بالدرجة الاولى للشعب المصري قبل نظام السيسي، والهادف بطبائع الامور الى ضرب ركائز الوحدة الوطنية، وتقويض اسس السلم الاهلي، وتدمير جسور العيش المشترك بين المسلم والقبطي، وهو ما يعني شرخ المجتمع المصري- عمودياً- على اساس ديني وطائفي.
انظروا الى المسعى السعودي الخبيث لتقسيم البيت المصري- افقياً- بين الحاكم والمحكوم، او النظام والشعب، وذلك من خلال اصرار حكام الرياض، في هذا الوقت المصري الحرج، على انتزاع جزيرتي تيران وصنافير من احضان سيناء، والحاقهما بالمملكة الوهابية التي ادمنت عادة الاستيلاء على اراضي الدول المجاورة.. فالخطورة هنا لا تكمن فقط في اغتصاب جزء من التراب المصري، بل في اضرام نيران الفتنة ايضاً بين الاغلبية الشعبية المصرية الرافضة للتنازل عن الجزيرتين، وبين نظام الحكم الذي قد يضطر، تحت وطأة العوز المالي، الى هذا التنازل.
انظروا كذلك الى هذا التنمر السوداني-الاثيوبي المفاجئ على مصر، وهذا التواطؤ الثنائي بينهما لشنق نهر النيل وازهاق روحه بانشوطة ”سد النهضة” الممول من خزائن قطر والسعودية، والمرشح في حال اتمامه وانجاز ملحقاته، لتصحير مصر وتعطيش مئة مليون عربي يقبعون في ارجائها.
يتملكنا العجب، وتستبد بنا مشاعر الدهشة والحيرة من هذا السلوك القطري الثابت في معاداة مصر، والتربص بها والتجني عليها، منذ قرابة عشرين عاماً حتى الآن، باستثناء فترة حكم الرئيس الاخواني مرسي العياط.. فليست مصر مجاورة لدويلة قطر، وليست نديدة او منافسة لها في اي مجال وميدان، اذ شتان بين الحارة القطرية المصطنعة منذ بضعة عقود، وبين القارة المصرية الراسخة في اعماق التاريخ.
اقتصادياً، تعاني مصر اشد العناء وتكابد اقسى البلاء، ولا شك ان التحالف الارهابي-التخريبي الذي زعزع امن العباد واستقرار البلاد، قد ضرب بعنف عصب الاقتصاد الوطني، ولعب دوراً فادحاً في شل حركته وتجفيف منابعه ومدخولاته، وتحديداً من القطاع السياحي الذي يعتبر من اكبر المصادر والروافد المالية والاقتصادية المصرية.. ناهيك عن وباء الفساد المالي والاداري الذي اجتاح مصر منذ اوائل عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، واسفر عن تخليق زمر من الحيتان المستغلة والمتآمرة التي دفعها النهم والجشع والانانية المفرطة لنقل ولاءاتها الى حيث مصالحها، ضاربة عرض الحائط بسائر المشاعر والاعتبارات الوطنية.
بقي ان نشير الى ان مشكلة مصر تكمن في عظمتها، فهي كيان عظيم وعريق ومحوري لا يجد عظمته وعبقريته الا تحت إمرة الزعماء العظماء، فهي تنهض وتستنهض امتها وتتخطى حدودها وتفرض ارادتها حين يقودها العظماء، امثال صلاح الدين ومحمد علي وعبدالناصر، وهي تضعف وتتخلف وتنكمش داخل قوقعتها حين يتسلط عليها صغار الحكام من امثال الخديوي توفيق وانور السادات وحسني مبارك.. ولسنا على بيّنة بعد ان كان الرئيس عبدالفتاح السيسي من المستوى الاول او الثاني، ذلك لانه بدأ واعداً وواعياً وشجاعاً حين اطاح الطغمة الاخوانية من الحكم، ولكنه سرعان ما داخل ”المنطقة الرمادية”، وتكشف عن قائد اداري محدود المواهب، وليس زعيماً شعبياً يتمتع بكاريزما سياسية، ويقوى على رد كيد الكائدين لمصر والمتآمرين عليها والطامعين في نيلها وترابها !!
التعليقات مغلقة.