حكاية عزيزة ( قصة قصيرة واقعية )
ناجي الزعبي ( الأردن ) الخميس 27/4/2017 م …
حكاية عزيزة ( قصة قصيرة واقعية ) …
كان المساء ربيعيا جميلاً تشوبه مسحة من نسمات باردة حين استقلت صديقتي سيارتي – عزيزة – الى جانبي بعد عدة مواعيدفاشلة فلم نكن نتمكن من الالتقاء بيسر
كانت عزيزة السيارة الاولى التي اقتنيها ، كنت اشعر بالفخر والاعتداد فصديقتي تقبع الى جانبي بسيارتي للمرة الاولى .
تمشينا قليلا في شوارع اربد الجانبية الجميلة ، ولاستمع لصوت صديقتي العذب اغلقت نوافذ سيارتي وادرت مروحة الهواء لالطف الجو بداخلها
قالت صديقتي بعد قليل : يا ريت لو تطفئ المكيف ..
تبسمت بثقة زائدة – فعزيزة ‘ سيارتي ‘ يمكن ان تتوقف فجأة وكل قوة الارض لن تثنيها عن قرار التوقف ، وصديقتي تتحدث عن مكيف وتقول لي أوقف المكيف … اي مكيف .
لم تكن عزيزة صاحبة القدر الرفيع تحلم حتى بمروحة هواء حتى نقول أَطْفِئ المكيف ..
تذكرت الملازم احمد ومداعبته المنتظرة في -غمزة خبيثة -من غاليتي عزيزة قائلاً :
وهو متيقن من ان عزيزة قد لا تتمكن من مغادرة باب الكتيبة ، شو هامك انت سيارتك عندك وعالشميساني مش حمرا حمد زي حالاتنا الغلابى ، كان يقول لي المصيبة انك فخور بها وعندما كنت انفي ذلك كان يصر على انني وفي قرارة نفسي فخور باقتناء هذه الكارثة .
وبرغم ذلك كنت فخوراً فأنا اقتني سيارة وداريت فكرة انها عزيزة التي لا يؤمن جانبها .
تبسمت بداخلي وقلت : حاضر
وأوقفت المروحة.
وعدت بذكرياتي حين ابتعتها من الرمثا فقد ذهبت لاحضارها من منزل بائعها الذي يطل على الشارع الرئيسي الممتد من الجامع الجنوبي لشمال البلدة ، وقد أدخلني باحة البيت وأعطاني المفتاح وقال لي مبروكة عليك انشالله تكون هدوفة خير
كنّا قد انتهينا من المساومات وقد تنازل لي عن عشرين دينارا من القيمة المتفق عليها فأصبح السعر مائة وثمانون ديناراًكانت حصيلة ثروتي وتحويشة العمر واكبر مبلغ كنت قد حصلت عليه بحياتي من راتبي الذي كان يذهب بأغلبه للوالد .
كان نوعها فيات النوع الذي يصنع ببلغراد ويطلقون عليها اسم – فيتشة – تصغير لاسم فيات لصغر حجمها وتواضع مواصفاتها .
استقليت عزيزة وادرت محركها ووضعت محول السرعات على وضعية الرجوع – الريفيرس- وضغطت على دواسة البنزين فانطلقت عزيزة لا تلوي على شئ الى عرض الشارع العام
حاولت استعمال الكوابح دون جدوى اذ لم تكن تعمل ارتفع صراخ البائع قائلا :
يا زلمه وين رايح ، على مهلك البريك مش شغال …!!
قلت طيب شو بقدر اعمل عزيزة طارت ..
لم يكن صراخه وحوارنا مجديا فقد اصبحت وعزيزة في منتصف الشارع الذي تصادف لحسن حظي انه كان فارغاً والا فقد كنت تسببت بكارثة.
كانت عزيزة موضع تندر زملائي في كتيبتي – بحمرا حمد – صحراء مدينة الزرقاء فقد كانوا يتناولون سيرتها للتندر وتمضية ردحا من الزمن خصوصا بعد العشاء في خيمة نادي الضباط
كان من المتعذر على احد منا مغادرة الكتيبة لتعذر وسائط النقل لذا فقد كان يحلوا للزملاء ان يقولولي لي :
انت شو هامك سيارتك عندك وساعة ما بدك بتدق السلف وعالدوار الثالث
لكن الواقع كان ان معظم مرتبات كتيبتي كانت تهرع لاقناع عزيزة بالتحرك وإدارة محركها عندما كنت انوي مغادرة الكتيبة ، وكان عدد من الزملاء يتطوع لدفعها مسافات طويلة الى ان يبدأ المحرك بالدوران
كان محرك عزيزة بالخلف والمبرد – الرديتر – يقع خلف المحرك بالداخل وكنت احمل إبريق وضؤ وبربيش ادخله بفوهة الإبريق لأتمكن من اضافة الماء للمبرد لتعذر ذلك بالطريقة العادية وكانت ذراعي دائما مصابة بحروق بسبب محاولاتي اضافة الماء والمحرك بغاية السخونة ، كان المبرد بحاجة دائما للماء
وكان الجميع يعلم هذه الحالة المستعصية فكانوا ينصحونني بان أدعها تتوضأ قبل الاستعمال واخرين ينصحونني بان أصلي ركعتين بعد الوضؤ وبعضهم كان يقول لماذا لا تضع بها سطل ماء لجمع مياه الأمطار فقد كانت تدلف من السقف .
كانت عدة السيارة : إبريق وضؤ بربيش طوله متر سطل ماء وسيخ كلتش بسبب انقطاع السيخ المتكرر وجالون معدني فيه بنزين احتياط لعدم وجود عداد سرعة وبنزين
اذا كانت تفرغ من البنزين دون ان اعرف ، واعلم انها حميانة حين يتصاعد الدخان من المحرك
وكنت استمع دائما لنصائح الزملاء بضرورة ان احتفظ بحبوب الرفيانين تفادياًلارتفاع درجة حرارة عزيزة .
كان البعض يصفها بخالد بن الوليد لانه لا يوجد بها شبر لم تنله يد ميكانيكي او عابث ما ..
وهكذا مضت أمور عزيزة على مدار سنتين اقتنائي لها .
تذكرت حين اصريت على شقيقتي ان تستقل عزيزة معي بدلا من مصاحبة الأهل للذهاب الى مطار عمان لاستقبال قريب لنا ، وقد توقفت عزيزة بجرش ، في الوقت الذي ذهب الأهل لعمان وعادوا لاربد وعزيزة ترفض التحرك .
كان جدي يملك سيارة مرسيدس حديثة جدا لكنه كان يفضّل عزيزة فقد كانت الدفاية مصرة على إرسال لهيبها بالصيف من الأسفل وكان جدي يعاني من برودة في قدميه ويقول لي لا اشعر بالدفء في قدمي يا جدي الا بعزيزة الله يرضى عليك ، ولم أفشي له سر عزيزة .
كما تذكرت عندما كنت أزور الصديق احمد جردات الذي كان يقطن بمدينة عمان بنهاية شارع بسمان فقد كنت اصر عند زيارتي ان اسلك طلوع بسمان ، وكانت عزيزة تتوقف بنهاية الطلوع لعجزها عن الاستمرار ، وكانت تنزلق للأسفل فيصطف اصحاب المحلات التجارية على يسار الشارع ويمينه يرقبون عزيزة وهي تنزلق لعدم صلاحية بريكاتها.
اذكر ان احد اصحاب المحلات دعا جاره للفرجة قائلا له : تعال تفرج في سيارة بتسحل لتحت .
فأجابه جاره : هاي كل يوم بتيجي وبتسحل وصاحبها مش راضي يصدق انها مش سيارة.
كنت احل مشكلة طلوع بسمان بإدارة عزيزة للخلف واطلع ريفيرس رجوع يعني ثم استمر لوجهتي وانا اشعر بالرضا عن عزيزة وعن إصراري.
في احد الأيام اصر الملازم الاول نوفان كرادشة – العميد فيما بعد – ان يستعير عزيزة لمقابلة خطيبته
قلت له ما بنصحك لانها رح تبهدلك وتخرب مين بده يدز ويصلح بالزرقاء
اجاب : ما عليك بدبر حالي
رجع نوفان اخر الليل بسيارة احد كتائب الدروع بدون عزيزة دخل علي بخيمتي وأخذ يكيل لي الشتائم لان عزيزة بهدلته هو وخطيبته وتركها بالشارع وروح عالكتيبة شحوطة .
كانت رفقة عزيزة رحلة عذاب مضنية ، وكنت مصراً على اقتنائها ، اذ لم أكن أملك خيارا ً آخراً ،
ثم ان يقال ان عنده سيارة خربانة أفضل من لا شئ …
يعني صيت غنى ولا صيت فقر
أيقظني صوت صديقتي حين قالت : ارتفعت درجة حرارة الجو يا ريت تشغل المكيف ،
وبالمرة شغل المسجل سمعنا أغنية حلوة
طبعا عزيزة لم تكن مزودة لا براديو ولا مسجل .
نظرت اليها وتبسمت …
ثم ارتفع صوت ضحكتي لدرجة اثارت دهشتها ….
لقد توقف محرك عزيزة عن الدوران
التعليقات مغلقة.