الفاشيون والأسرى… عَلمُنا… وعميرة هس
د. فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 27/4/2017 م …
الفاشيون والأسرى… عَلمُنا… وعميرة هس …
هذا اليوم هو الحادي عشر لإضراب أسرانا البواسل في سجون ومعتقلات الكيان الصهيوني. يتفنن الفاشيون في التنكيل بالقائدين أحمد سعدات ومروان البرغوثي، وكل قادة الإضراب، يفرّقونهم وينقلونهم إلى سجون أخرى، يعزلونهم في زنازين انفرادية، يعذبونهم بكل الوسائل والسبل، والخوف كل الخوف من لجوء الكيان الصهيوني إلى إطعام المرضى منهم، بطريقة «التغذية القسرية»، بعد قانونها بقراءته الأولى من قبل الكنيست الصهيوني في كانون الثاني/يناير 2017، رغم فاشية استعمال هذه الطريقة مع كل مضرب عن الطعام، ورغم حظرها عالمياً وإنسانياً، عُرفاً وقانوناً.
ولم يكتف الكيان بذلك، بل قام بانتزاع بعض الإنجازات التي حققها الأسرى في نضالاتهم السابقة، كإخراج أجهزة الراديو والتلفزيون من أقسام السجن، ومنعهم من التقاء محاميهم. وقررت أيضاً، عدم إطلاع المحامين وعائلات الأسرى على أوضاعهم الصحية.
وبنظرة فاحصة إلى تصريحات القادة الصهاينة حول الأسرى المضربين، يتضح عمق الوحشية، التي يتصف بها هؤلاء، على كل ما هو إنساني! خذوا مثلاً، ما قاله عضو الكنيست أورن حازان : «لا يهم لو مات الأسرى الفلسطينيون جميعاً، فالسجون مزدحمة وهناك متسع لهم في التربة».!
أما وزير الأمن جلعاد اردان، فقال: «لن أدعهم يؤذون أمن الدولة ولن نخضع لتهديداتهم»، ووعد بالعمل على إطعام المرضى منهم قسرياً، مبرراً ذلك، بالقول لأخبار القناة الثانية :»هذه أيضاً مسألة إنسانية. تماماً كما أتوقع من حارس سجن يرى سجيناً يحاول إيذاء نفسه، بأن يمنع عنه خطر الموت». ليبرمان يدعو إلى إهمال السجناء تماماً، وعدم التفاوض معهم، وهذا هو موقف نتنياهو.
لا بد وأن سمعتم أيضاً عن حفلة شواء اللحوم أمام سجن «عوفر»، الذي نظمته حركة المتدينين الجدد «كيكار هشبات». ونقل عن المستوطنين في المكان، تهكمهم على الأسرى، قائلين: إن عليهم أن يعانوا من هكذا روائح خلال إضرابهم عن الطعام. بالله عليكم، أتجدون سواء في التاريخين القديم أو الجديد، فاشيين مثل هؤلاء؟
الإجراءات التنكيلية الصهيونية، هي بمثابة إعلان حرب على الاسرى، ورفض مسبق لكافة مطالبهم الانسانية والحياتية المشروعة، وأن حكومة الاحتلال لن تستجيب لمطالبهم، حتى لو أدى ذلك الى تدهور وضعهم الصحي ودخولهم مرحلة الخطر الشديد ووفاة العديدين منهم. لقد واكبتْ الإضراب طيلة أيامه، فعاليات جماهيرية واسعة، ونصبت خيام في المدن الفلسطينية كافة، حيثما يتواجد شعبنا العظيم في الوطن المحتل بكل أجزائه وفي الشتات. وللعلم، فإن جماهيرنا العربية وقواها التقدمية قامت وتقوم بنشاطات واسعة، كما مؤيدو قضيتنا على الصعيد الدولي.
بدعم من الولايات المتحدة، وهي تطالب بالأمر ذاته، فإن رئيس الوزراء الصهيوني وبكل العنجهية والصلافة والوقاحة، ينصّب نفسه حاكماً أبدياً للفلسطينيين، فيطالب السلطة الفلسطينية بإثبات التزامها بالسلام، عن طريق وقف المخصصات التي تدفعها للأسرى وعائلاتهم. هذا يتزامن مع اقتراب سن قانونين في الكنيست (بالقراءتين الثانية والثالثة) وفي الكونغرس لوقف ما تقوم به السلطة الفلسطينية من خطوات في هذا الخصوص! أضاف الحاقد في مقابلة له مع قناة «فوكس نيوز»: «يجب على السلطة الفلسطينية ألا تتلاعب بالأرقام، وما يفعلونه، هو ما سيقولونه: حسناً، لن ندفع مباشرة، وإنما سندفع لشخص آخر، وهو سيدفع للإرهابيين بطريقة التفافية. نتنياهو، الذي سيصدر قريباً كتابي الثاني عن زيفه وخداعه، بعنوان «ما بعد تزوير التاريخ، رداً على نتنياهو»، هو أكبر ديماغوجي على صعيد العالم. إنه ينصّب من نفسه، رجل السلام الأول في الكون! وهو منه براء! هل ترون أوقح منه؟».
نسأل، ما دخل الولايات المتحدة بقضية فلسطينية داخلية؟ وهي قضية أسرى، وباعتراف معظم دول العالم، إنهم أسرى حريّة؟ نقول ذلك للمراهنين على أن الرئيس ترامب سيحقق سلاماً بين الفلسطينيين وعدوهم، وعدو الأمة العربية بأكملها، كما عدو الإنسانية. وصل الأمر ببعض السياسيين وكتّاب المقالات العرب، إلى «تدليع» ترامب من خلال مناداته «أبو إيفانكا»! تماما كما توهموا بـ «إسلامية أوباما» فسمّوه «أبو حسين»! لتأكيد الثقة بوقوفه مع القضية الفلسطينية في نهاية عهده، قالوا عنه إنه الأكثر إخلاصاً لإسرائيل، كما عن كل رئيس أمريكي! ترامب سيخضع للقاعدة نفسها.
من ناحية أخرى، فإنه ما دام العلم الفلسطيني يوحّدنا، فما الحاجة لرفع أعلام الفصائل في كل النشاطات الجماهيرية في الأرض المحتلة وخارجها؟ وكأننا في مظاهرة دولية! في أية نشاطات جماهيرية فلسطينية تضامنية مع الأسرى، ترى الأعلام الصفراء والخضراء والحمراء وغيرها! إنني أحترم وأقدّر فصائلنا الفلسطينية كافة وأعلامها!، لكن أقسم أن رفع العلم الفلسطيني أفضل في مرحلة التحرر الوطني، وعندما نحرر أرضنا، فلترتفع الأعلام الخاصة بكل تنظيم كما يشاء. صحيح أن الأعلام الفلسطينية ترفع في النشاطات، لكن عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
كفلسطيني على علاقة مباشرة بالنضال الوطني الفلسطيني منذ تأسيسه في مرحلتنا المعاصرة وحتى الآن، فإنني متأكد من اتفاق تم التوصل إليه بين الفصائل الفلسطينية كافة، بأن لا يُرفع سوى العلم الفلسطيني، لكن في اليوم التالي مباشرة، جرى خرق الاتفاق! يتساءل مواطننا، هل للبعض مشروعٌ خاص به؟ لماذا نقدّم خدمةً مجانية لمخابرات العدو الصهيوني، من خلال كشف المنتمين لكل فصيل؟ أذكر، أنني كتبت على صفحات هذه الجريدة، أن لا يتم الإعلان عن التنظيم الذي أرسل استشهاديين ليقوموا بعمليات المقاومة، وذلك لدواع أمنية! ندرك أن عدونا يعرف من خلال عملائه، الكثير، وهو لن يقصر في هدم بيت الشهيد ولا في تعذيب أهله وأقاربه، لكن، سيأتي يوم التحرير، وهو قادمٌ لا محالة، رغم أنف العدو، شاء أم أبى، وسيعطي لكل شهيدٍ حقّه.
على صعيدً آخر، تقول عميرة هس (تدّعي اليسارية، في مقالتها (هآرتس) والمترجمة إلى العربية («القدس العربي» 24 نيسان/أبريل الحالي): بالحرف الواحد: «إن الصهاينة العقائديين والفلسطينيين العقائديين المناهضين للصهيونية يلتقون في نقطة واحدة وهي، أنهم يعتقدون أن إسرائيل هي نتاج تلقائي للصهيونية، تجسيداً للايديولوجيا». نود سؤال السيدة هس: هل يجوز مقارنة غزاة مع مدافعين عن حقوقهم التاريخية؟ هل يمكن وضعهم في سلّة واحدة؟ لطالما آمنتُ حقيقةً، بأن لا يسار في الحركة الصهيونية، فهم صهاينة أولاً وأخيراً، توحدهم المبادئ الصهيونية، وغالبية المواقف من الحقوق الفلسطينية، كالموقف من القدس مثلا.
لن أقوم بكتابة بحث في مقالة عن هس، فلديّ الكثير من حشوها وتأويلها الآيديولوجي، وفقاً لأهوائها، على قاعدة «السم في الدسم»، التي تتبعها في معظم مقالاتها. صحيح أنها تكتب عن بعض الهموم الفلسطينية، وأنها عاشت فترة، وربما ما زالت تعيش في الأراضي المحتلة، لكنها لو كانت يسارية حقيقية، لتركت إسرائيل مثل فيليتسيا لانجر وإيلان بابيه ويعقوب كوجمان وعائلته (والأولى كان لي شرف الالتقاء بها كصحافي عام 1988 في موسكو في مؤتمر للمرأة، عقدت معها مقابلة لصالح مجلة الهدف الفلسطينية) وغيرهم المئات، اقتنعت لانجر بأن العيش في تجمع للقتلة مستحيل، فهم أيضاً حاربوها ورموا القمامة والحجارة عليها وعلى عائلتها وبيتها كما تذكر في كتابها «بأم عيني». نعم، لا يستوي اليسار ولا التقدمية مع الصهيونية !عميرة هس تشرح قضيتنا من منظورها ومنظور «هآرتس»! . لا أنكر أن هس مثقفة، متمسكة بمبادئ أخلاقية تتعامل بموجبها مع القضايا الفلسطينية، ربما لدواعٍ خُلقية، لكنها لن تتجاوز بالحتم الحركة الصهيونية كمنطلق آيديولوجي إيماني، لكنها تفصّل الصهيونية التي تريد، وعلى مزاجها، وهذا مما يخالف حقائق العصر وقوانينه الاقتصادية والتحالف العضوي الآثم بين الصهيونية والاستعمار.
التعليقات مغلقة.