في الذكرى الـ 43 لانتصار فيتنام.. لا يزال شبح هذه الهزيمة يطارد الإمبريالية الإمريكية
إيهاب القسطاوى* ( الأحد ) 30/4/2017 م …
في الذكرى الـ 43 لانتصار فيتنام.. لا يزال شبح هذه الهزيمة يطارد الإمبريالية الإمريكية …
على الرغم مرور السنين لايزال يوم الـ 30 من نيسان/أبريل عام “1975”يوما تاريخيا، محفورا بذاكرة ووجدان كل احرار العالم، ذكرى ذلك النصر العسكري والسياسي العظيم الذي حققه الشعب الفيتنامي بقيادة حزبه الشيوعي وزعيمه “هو شي منه”، كونه يؤرخ لملحمة وطنية سطرها ابناء الشعب الفيتنامى العظيم، فى الانتصار على الامبريالية الامريكية، التي اقترفت جرائم الإبادة الجماعية والمجازر بشرية جماعية على ارض فيتنام، واقترفت قواتها جميع أنواع جرائم الحرب ضد الشعب الفيتنامي، فقصفته بأكثر من ستة ملايين طن من القنابل، ونحو نصف مليون طن من القنابل الحارقة “النابالم” وأكثر من 11 مليون جالون من المادة الكيميائية السامة والمسرطنة المعروفة بـِ Agent Orange “العنصر البرتقالي” التي استخدمها الأميركيون بشكل واسع لإبادة القرى والمزارع والغابات التي كان يختفي بها الثوار الفيتناميون؛ علما أن مبيد الأعشاب المعروف بـ ,D2,4 “البر سوبر” يشكل مكونا أساسيا في مادة العنصر البرتقالي “نحو 50% منها”، ويعتبر هذا المبيد مسرطنا ويتسبب في أورام خبيثة بالدماغ، إضافة إلى تسببه في سرطان الغدة الدرقية وتشوهات خلقية، وما يزال أكثر من خمسة ملايين فيتنامي “من أصل 89 مليون هم سكان فيتنام” يعانون حتى يومنا هذا من السرطانات والولادات المشوهة “مواليد دون أيدي أو أصابع، أو تشوهات خلقية” بسبب الأسلحة الكيميائية التي استخدمها الاجرام الأميركي ضد الشعب الفيتنامي، وبخاصة مادتي Agent Orange، والديوكسين، علما أن المادة الأولى تحتاج إلى مئات السنين كي تتحلل. والغريب حقا، أن وزارة الزراعة الفلسطينية لا تزال تسمح باستخدام هذا المبيد القاتل في الزراعة، رغم حظر استعماله في معظم دول العا
لقد دفع الشعب الفيتنامي ثمنا فادحا من أجل تحرير وطنه من براثن الاستعمار الأميركي وذيوالة؛ إذ يقدر عدد الشهداء الفيتناميين الذين قتلتهم الأسلحة الكيميائية وآلة الحرب الأميركية بأكثر من ثلاثة ملايين، وما يعادل هذا الرقم أيضا من الجرحى، إضافة إلى العديد من القرى التي أبيدت عن بكرة أبيها، وأكثر من عشرة ملايين لاجئ. علاوة على ذلك، قتل القصف الأميركي نحو 40 ألف كمبودي وآلاف آخرين في لاوس، بذريعة أن هذين البلدين مؤيدان للثورة ويشكلان خطوط إمداد لها.
وفي المقابل، خسرت الولايات المتحدة نحو ستين ألف جندي. وفي المحصلة، وبالرغم من جرائم الحرب المرعبة التي اقترفتها أميركا، فقد هزمت الأخيرة هزيمة مذلة تركت في نفوس الأميركيين عقدة نفسية لا تزال إلى يومنا هذا تعرف بعقدة فيتنام، ورغم هزيمتها المدوية، لم تتقن الدرس، فأصرت على مواصلة حروبها العدوانية في مناطق أخرى من العالم، مثل العراق وسوريا وغيرهما، ولسخرية القدر، أن الولايات المتحدة لا تزال تعظ العالم بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتخول نفسها حق إسقاط أنظمة وتقديم زعمائها “للعدالة”، ومحاكمتهم على ما اقترفوه من “جرائم ضد الإنسانية”.
,في العام 1951 قرر الحزب الشيوعي الفيتنامي الثورة خلال انعقاد مؤتمره الثاني باعتبارها ضرورة وطنية، لأنها تقضي على المحتلين المعتدين وتسمح باحراز الاستقلال الوطني “الاقتصادي والسياسي”، والوحدة الوطنية كاملتين.
– ديمقراطية لأنها تلغي مختلف أشكال الاضطهاد والاستغلال الاقطاعية وشبه الاقطاعية، وتحقق الاصلاح الزراعي، وتسمح بتطوير الصناعة والتجارة وتحمل الحقوق الديمقراطية والحريات إلى الشعب، شعبية، لأن الشعب يقوم بها بقيادة الطبقة العاملة.
“وثائق المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي الفيتنامي، فيفري 1951 نشر لجنة دراسة تاريخ الحزب عام 1965، ص 100 بالفرنسية”.
وبعد تحقيق النصر على الفرنسيين في”ديلن بيان فو” وتحرير الشمال الفيتنامي، انطلق بناء الاشتراكية في الشطر الشمالي من البلد بينما تواصل النضال بكافة الأشكال وفي مقدمتها الكفاح المسلح لتحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية في الجنوب.
وقد اجتازت ثورة الفيتنامين مراحل أربعة بعد تأسيس الحزب الشيوعي الفيتنامي:
1 – مرحلة النهوض الثوري والدعاية للحزب والثورة والتحريض ضد الاحتلال الأجنبي وعملائه (1930 – 1931)
2 – مرحلة التغلغل في صفوف الجماهير الشعبية وتحريكها أعوام 1936 – 1939.
3 – مرحلة الكفاح الوطني السياسي والعسكري المباشر ضد المحتل في سبيل تحرير الوطن وإحراز النصر في الشمال (1939 – 1945).
4 – وأخيرا مرحلة بناء السلطة الوطنية الشعبية الاشتراكية في الشمال ومواصلة الكفاح الوطني الحريري في الجنوب حتى تم تحقيق النصر في: 30 أبريل 1976 يوم اضطر الأمريكيون على امضاء الاتفاق على وقف إطلاق النار النهائي والخروج من الفيتنام طبق شروط هذه الأخيرة ” اقترح فيتنام 30 بندا للاتفاقية ولم يتنازل أثناء المفاوضات على بند واحد وقبلتها أمريكا كاملة”.
ولا يزال العالم “في الذكرى 43 لانتصار فيتنام”، يذكر مشاهد الهروب الكبير للأمريكيين ولعملائهم من فيتنام الجنوبية، حيث قامت طائرات الهليكوبتر الامريكية بنقل الاف الامريكيين بمن فيهم السفير واعضاء السفارة وعملاؤهم من فوق سطح السفارة، ومن سطح مبنى آخر على مسافة قصيرة من السفارة ما زال موجوداً. المروحية الأمريكية التي فوق مبنى السفارة الأمريكية في سايجون، ليفتح الفيتناميون صفحة جديدة في تاريخهم وتاريخ العالم كله. صفحة تحرير وطنهم والحاق الهزيمة والعار بالهمج الامريكان.
لازالت اردد كلمات اغنية جميلة احفظها عن ظهر قلب، اذ سجلت لحظة الانتصار التاريخية هذه، وكنا لا نكف عن ترديدها ونحن طلبة، فلقد كانت هذه لحظة انتصار ليس لفيتنام وحدها، لكن لكل الشعوب المكافحة في العالم كله.
أعنى قصيدة «سايجون» التي كتبها الشاعر الكبير احمد فؤاد نجم، وغناها الفنان الكبير الراحل الشيخ إمام، والتي يقول مطلعها:
أبجد هوز.. حطي كلمن
افتح صفحه.. امسك قلمن
اكتب زي الناس ما بتنطق
سقطت سايجون رفعوا العلمن
طلعت شمس اليوم دا أغاني
كل ما نسمع نعشق تاني
طلعت شمس اليوم دا حريقه
تشفي الجرح وتبري الألمن
سايجون عادت للثوار
فوق الدم وتحت النار
جدوا فوجدوا
زرعوا فحصدوا
وإحنا إدينا للسمسار
ثلاث وأربعون على انتصار حركة تحرر وطنية لشعب قرر النضال من اجل تحرير ارضه وإعادة توحيد وطنه بعد تمزيقه، لقد خاض “الفيتكونغ” الكفاح المسلح بكل وسائله، وابتكروا أساليب جديدة من المقاومة انسجاما مع طبيعة أرضهم المليئة بالمستنقعات وبالغابات، فلم تساوم “الجبهة الوطنية التي ائتلف وانضوى تحت لوائها 22 تنظيم وحزبا “، لم تساوم على حق ولو صغير في التحرر الكامل والانسحاب التام ونيل كافة الحقوق الوطنية الكاملة للشعب الفيتنامي، كانت هذه الحقوق ونهج الكفاح المسلح هما الأساس كشرطين ضروريين لانخراط أي حركة/حزب/تنظيم في الجبهة الوطنية “التي قادها فرع الحزب الشيوعي الفيتنامي في الجنوب”.
فاوضت الجبهة أعداءها الأمريكيين في باريس بعد أن أيقن المعتدون استحالة بقائهم في فيتنام، وبخاصة بعد مئات آلاف الجثث لجنودها الذين أعيدوا في توابيت لأهاليهم، وما أثاره هذا الموت من مظاهرات شعبية واحتجاجات في كل المدن الأمريكية، طالبت بالانسحاب من فيتنام.
فاوضت الجبهة أعداءها سنوات طويلة.قاد وفد الجبهة المفاوض الشهير”لي دوك تو” , وقاد الوفد الأمريكي هنري كسينجر و كانت الجلسات أحيانا لاتستغرق بضعة دقائق : يطرح رئيس الوفد الفيتنامي مطالبه دون لف أو دوران، يتسال : كيسنجر : “إن كان هناك استعداد لدى أمريكا للانسحاب من فيتنام دون قيد أوشرط”، عندما يجيبه رئيس الوفد الأمريكي بـ “لا”، على الفور ينسحب الوفد الفيتنامي، وتدور الوساطات لعقد جلسة أخرى، وهكذا، لقد كانت الحرب الكفاحية الفيتنامية تجري على الأرض في ظل المفاوضات مع الأمريكان، ولم تتوقف ثانية واحدة… وجرت بعد ذلك في جلسات طويلة بعد أن أقر الرئيس نيكسون حينها”وقد أثيرت حوله آنذاك فضيحة ووتر جيت” بضرورة الانسحاب من فيتنام.
وورثت قوات التحرير التي استولت على فيتنام الجنوبية في 1975 مجتمعًا دمرته 30 سنة من الحرب، وإلى جانب الخسائر البشرية والمادية الجسيمة، تعرض المجتمع الفيتنامي لزلزال في الجنوب، نصف السكان لهجر منازلهم كلاجئين، حيث اكتظت بهم المدن دون أن توفر لهم فرص عمل أو الحد الأدنى من الحياة الكريمة، إن الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين تعرضوا لويلات بطالة لا ترحم أو اضطروا للعمل في خدمة الجيش الأمريكي – بلغ عدد العاهرات وحدهن نصف مليون وفقًا لتقديرات رسمية. وبالطبع تعرض اقتصاد الجنوب لتشويه ضخم، سواء من جراء الدمار الناتج عن الحرب أو نتيجة للكميات الهائلة من “المساعدات” الأمريكية التي ابتلعتها الطبقة الحاكمة. كانت صادرات فيتنام التقليدية تتمثل في الأرز والمطاط. ومنذ 1965، صار الجنوب مستوردًا صافيًا للأرز في حين انخفضت صادرات المطاط إلى الثلث بين 1962 و1973. وفي 69 – 1970 غطت حصيلة الصادرات 3 % فقط من الإنفاق على الواردات. وبلغ الانهيار الصناعي حد أنه في 1970 كانت أربع شركات فرنسية فقط – مصنعان للخمور واثنان للسجائر – تنتج 43 % من إجمالي الإنتاج الصناعي لفيتنام الجنوبية!
أما في الشمال، فرغم أن الدمار كان أقل إلا أنه أدى أيضًا إلى حالة من الشلل. قُتل عدد أقل كثيرًا من الجنوب بفضل الإخلاء المنظم للمدن وشبكة المخابئ الهائلة. إلا أن الدمار الاقتصادي كان شاملاً. تعرضت أغلب قرى الشمال لقصف جوي مكثف جعلها تعتمد على الأرز الصيني لإطعام سكانها، كما شهدت أهم الصناعات تراجعًا حادًا في الإنتاج خلال سنوات الحرب، لقد كان تاريخ فيتنام اللاحق على الاستقلال بمثابة صدمة لأولئك الذين اعتبروا انتصار جبهة التحرير في جنوب فيتنام عام 1975 وتوحيد فيتنام تحت قيادة الحزب الشيوعي إيذانًا بقيام “مجتمع اشتراكي
لقد لقد ازاحت تجربة فيتنام الستار عن الإفلاس الأخلاقي والسياسي للإمبريالية، كما ازاحت أيضًا أن الإمبريالية يمكن هزيمتها، لكنها بينت كذلك أن حلم التحرر بالنسبة لملايين الكادحين لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار الرأسمالية، وفيتنام دليل ساطع على صحة الفكرة الماركسية القائلة بأن البديلين المطروحين أمام البشرية هما: الاشتراكية أو البربرية.
*كاتب وباحث سياسي من مصر
التعليقات مغلقة.