برشلونة مرة أخرى

 

 

د. زيد حمزة* ( الأردن ) الثلاثاء 2/5/2017 م …

برشلونة مرة أخرى …

** وزير صحة أردني سابق ، وكاتب تقدمي …

لأنها ليست المرة الاولى ولا الثانية ولا الثالثة وربما لن تكون الاخيرة التي اكتب فيها عن برشلونة المدينة العريقة الانيقة كما وصفتها ذات يوم من عام 1973 وانا أزورها طلباً للعلم في مؤتمر طبي ودورة تدريبية على جراحة الانف لا لتجميله وانما لتمكينه من اداء وظيفته بشكل أفضل وهو الهدف الأهم صحياً، ومن الجدير بالذكر ان الانف في وجه الانسان ليس مجرد منظر جميل أو قبيح، بل هو عضو كالعين والاذن ذو وظائف عديدة وحيوية مثل حاسة الشم الضرورية للاستمتاع بالروائح العطرية والتلذذ بنكهة الطعام ولتجنب المواد المنفرة الكريهة والحذر من خطر الغازات السامة، كما أنه ليس مجرد فتحتين لدخول الهواء وإلا لكان الفم كافيا لانه أوسع بكثير، بل مهمته، أي الانف، كالمكيّف تنقية وترطيب الهواء بأفرازات الغدد والخلايا المخاطية قبل ان ينزل الشهيق الى الحنجرة والشعب الهوائية التنفسية واذا كان بارداً تدفئه بزيادة الدم المتدفق الى نسيج بطانته، وبذلك يضيق تجويف الانف أو يتسع تلقائيا حسب حاجة الرئة الى الهواء بدرجة حرارة مقبولة نقياً (مفلتراً) من الغبار والعوالق الأخرى وإلا سبّب لها الأذى ووفر الظروف الملائمة لاصابتها بالالتهابات البكتيرية والفايروسية.

صحيح أنني في وقت لاحق ولفرط حبي لرياضة كرة القدم نَمَتْ عندي لهفة لمشاهدة الفريق البرشلوني ولاعبيه ذوي المهارات الرائعة لكن أمراً آخر جاداً وهاماً جعلني اكتب عنها في 16 حزيران 2015 بعنوان (( برشلونة ليست كرة قدم فقط )) لأشيد ببسالة آدا كولاو Ada Colau التي كانت قد فازت لتوها برئاسة بلدية برشلونة فدخلت التاريخ ليس لانها اول امرأة تصبح عمدة لها فحسب بل لأنها البرشلونية التي عرفها مواطنوها تناضل من اجلهم منذ عشرين عاما سواءً بالعصيان المدني السلمي ضد العولمة وضد القوانين غير العادلة أو كناشطة فاعلة في حركة ال INDIGNADOS أي (( الغاضبون ))، ثم وهي تشارك في تأسيس ((مجموعة المناهضين للاخلاء)) اي اخلاء السكان من شققهم التي اشتروها بالتقسيط ثم تأخروا قليلاً في التسديد! وقد اعتُقلت عدة مرات بسبب مواقفها الاحتجاجية أثناء احتلال الميادين في اسبانيا أسوة بمدن عديدة أخرى حول العالم كمظاهرات (( احتلوا وول ستريت)) في نيويورك المستوحاة مما جرى في ميدان التحرير في القاهرة في ثورة 25 يناير 2011 ، وقد اعادت وسائل الاعلام يوم فوز آدا كولاو نشر صورتها وهي ملقاة على الارض تجرها الشرطة في احدى تلك المظاهرات لتعلق عليها بعد ان اصبحت عمدة برشلونة الجديدة: من الان فصاعداً سوف تكون الشرطة بإمرتها في خدمة حقوق الانسان لا في خدمة البنوك!

واليوم تعود برشلونة الى الواجهة في الموقف التاريخي الشجاع الذي اتخذه مجلسها البلدي في التاسع عشر من الشهر الماضي بتصويته بنعم على قرار إنهاء اي تعاون او تواطؤ مع الاحتلال الاسرائيلي أو المتاجرة مع مستوطناته غير الشرعية وعلى استنكار خرق اسرائيل للقانون الدولي بمواصلة نهب واستغلال وتدمير الاراضي الفلسطينية وسرقة مصادرها وثرواتها الطبيعية بما في ذلك مياهها.. وبهذا تكون برشلونة عاصمة كاتالونيا قد انضمت لاكثر من 70 سلطة محلية اسبانية كانت قد تبنّت اجراءات مشابهة كوقف التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي والتنديد بسياسة الاربار تهايد فيه وتأييد ومساندة حركة المقاطعة BDS في كفاحها السلمي الشرعي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين وفي مواجهة هجوم اسرائيل عليها والتضييق على نشاطاتها خصوصاً لدى الحكومات الاوروبية لدرجة الطلب اليها استصدار قوانين تحرّم نشاطها باعتباره معادياً للسامية (كذا !)..

وبعد.. فهذه هي برشلونه التي يحبها شبابنا كثيراً ويخرجون الى الشوارع في منتصف الليل عندما ينتصر فريقها الكروي ليحتفلوا معه ومع كل أنصاره ومحبيه في جميع انحاء العالم، ولا ضير في ذلك قط لكنه يصبح أجمل وأنبل إذا ما أضافوا له تحية جماهيرية كبيرة تُشيد بمواقف برشلونه ((السياسية)) لا المؤيدة للفلسطينيين فحسب بل لكل الشعوب المناضلة

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.