في الدّولة..وفي أنّ ” الدّولة ” مؤسّسةٌ و نظامٌ ، و ليست مَرْتَعَاً.. ” خيريّاً “.. !!؟
د . بهجت سليمان ( سورية ) الأربعاء 3/5/2017 م …
في الدّولة..وفي أنّ ” الدّولة ” مؤسّسةٌ و نظامٌ ، و ليست مَرْتَعَاً.. ” خيريّاً “.. !!؟
تناولنا سابقاً، في إطار هذا الحدث التّاريخيّ المفارق، الحرب السّوريّة، تناولنا، باختصار شديد، تاريخيّة العوامل الموضوعيّة في مظاهر التّلقائيّة السوسيولوجيّةوالسايكولوجيّة، وفي القابليّات والاستعدادات التي شكّلت المخيال السّياسيّ – الاجتماعيّ الذي بنى عليه ” الآخر ” الممكنات الحاضنة للحرب ، من جهة أُولى ؛ كما تناولنا أيضا ، البنيويّة ” السّياسيّة “، في بعدها الثّقافيّ ، للمجتمع السّوريّ ، التي امتدّت كاستمرارٍ للثقافة العربيّة – الإسلاميّة ، فعبّرت عن تأصّلها في الذّرائعيّة – الوسائليّة التي أزكتْ تطور هذا ” الصّراع ” و جعلت منه واقعةً ، حدثاً ، يُنظر إليه من قبل ” الكثيرين ” من جهة ” الحقّ ” المزعوم المبنيّ على ” قسمةٍ ” سابقةٍ و ” أصليّة ” و ” مسوّغة ” أو ” ضروريّة ” أيضاً ، على خلفيّة الهذيان الثّقافيّ و التّاريخانيّ للتكوين الاجتماعيّ و ” السّياسيّ ” للسّوريين ، و هذا من جهة ثانية.
و لكنّ الصّورة السّياسيّة الشّاملة و الواقعيّة ، في حدود هذا البحث المختزل لا تكتمل من دون الوقوف على خلاصةٍ فوقيّة سياسيّة للعوامل المكوّنة و المساهِمةِ ، في مؤسّسة الدّولة.
لقد وعتِ الدّولة السّوريّة ” الحديثة ” ضروراتٍ كثيرةً تحتّمها أسباب التّجاوز و القطع مع ” الماضي ” المشكَّلِ من انسيابيّةٍ جُرفيّة و جارفة و مشكّلةٍ لعنفِ المكوِّن التّاريخانيّ ، للموقف الاجتماعي – الإنعزاليّ في تكوينٍ مقنّعٍ بواسطة ” التّعايش ” المتوتّر على ” التّخوم ” التّكوينيّة للتّمايزات العميقة و الباطنة و المستبطنة “.
و لكنّها ( الدّولة ) على رغم وعيها بذلك لم ” تتمكّن ” – و قد قلنا هذا سابقاً ، و لكنْ بإيجازٍ شديدٍ و ربّما مُخلٍّ أيضاً – من امتلاك ” القناعة ” الوافرة بضرورات ذلك القطع ” التّاريخيّ ” مع ” دورة إنتاج ” ” الماضي ” المركّب و البغيض ؛ فلجأت ، أيضاً ، إلى ” الذّرائعيّة ” و ” التّاريخانيّة ” – وكانت الدّولة قد شاركت ” المجتمع ” بأدواتٍ ” ثقافيّة ” محدودةٍ و عاجزةٍ و ربّما مرفوضة أيضاً في عائلة أدوات ” المعرفة ” بما في تلك العائلة .. بما فيها من اقتصاد المعرفة، نفسه.
و يُعزى هذا ” التّواضع ” الصّادر عن ” الدّولة ” في الإعلان عن نفسها ، و الممارسة المباشرة ، في كلّ مراكز القوى و
التّأثير، إلى أسبابٍ مختلفة .. و لكنّها ” مفهومة “؛ على أنّها ليستْ كذلك في ” التّقدير ” أو ” التّبرير ” أو ” التّسويغ “. و قد يبدو بعضها صعباً أو مستحيلاً ، لولا أن ” الضّرورات ” التّاريخيّة و ” السّياسيّة ” لا يمكنُ أن تظهرَ في عداد قائمة ” المستحيلات “.. !
عندما تدرك الدّولة أن أمامها فرضاً واجباً ، أو ضرورة ، فهي لا تعرف ذلك إلّا من خلال ” قاعدة ” و فَرْضٍ و برهان.
و القاعدة تتضمن مفهوم الضّرورة على الأساس في كلّ حاجةٍ أو نشاطٍ أو عمل.
و عندما تصل الدّولة إلى إدراك ضرورةٍ معيّنة، محدّة، مشخّصة، فإنّ عليها أن تتعامل مع هذا الواجب “العمليّ” على انّه واجبٌ مطلق، في معرض تأكيدها على ذاتها كضامنٍ للتّاريخ المستقبل في إطار الدّفاع الواجب عن “المجتمع” الرّاهن و قيمِهِ الأفضل، و كحامية لذلك.
إنّ إطلاقيّة الدّولة، كمؤسّسة عامّة، في التّوجّه إلى الضّرورة، هي حاجة عامّة و ليست فقط ضرورة من أجل الدّولة كطبقة سياسيّة أو كأقليّة سياسيّة.
و “التّخاذل” أو “التّردّد” أو “التّخرّص” الأخلاقيّ الذي يستبيح الضّرورة ، هو كذلك استباحةً للممكنات الاحتمالية، و هو نفسه.. التّخاذل الذي يُجعل جسد الدّولة كلّه معرّضاً للانهيار، بما في ذلك عناصرها و مقوّماتها و أهمّها المجتمع أو الشّعب.
لا توجد مقاييسُ عموميّة للانهيار و التّبدّد. ربّما توجدُ مؤشّرات واضحة و ملموسة. و لكنّ كلّ خطوة للدولة لا تنفذّ فيها ما أدركته على أنّه ضرورة ، تشكّل بالنّسبة إليها صدعاً كاملاً لن تدركه “الدّولة” في الواقع إلّا بعد الانهيار.
إنّ ما تنظرُ إليه الدّولة كضرورة ، هو ما يضعها تلقائيّاً أمام الفَرْض المطلق للقاعدة . إنّ القاعدة الضروريّة في الدّولة هي كأيّ قاعدة تعبّر عن قانونٍ فيزيائيّ خالص ، لا تمكن معاصرة نجاحه في قيمته الضّروريّة- العمليّة، الضّمنيّة، إلّا كنتيجة للبرهان على “فرْضِهِ” أو في الإفادة الصّحيحة و الطّبيعيّة من البرهان على “الفرْضِ” نفسه الذي استدعاه في الأصل.
حتّى فهم الضّرورة و إدراك مطالبها هو أمر غير ممكن ، ما لم يُطبّق قانون الضّرورة بكلّ مضمونه و حذافيره. و عندها فإنّ فهم قيمة الضّرورة يَنتُجُ كبديهيّة في معرض إنفاذ “القاعدة”.
إنّ الضّرورة في الدّولة، هي ضرورة الدّولة ذاتها، و بالتّالي هي مطلقٌ من أجل استمرارها في المشروع الذي تبنّتهُ. هذا طبعاً في حال كانت الدّولة تحمل مشروعاً واضحاً و مفهوماً بالنّسبة إليها و حسب؛ أعني ليس واجباً أو شرطاً أو ضروريّاً أن يكون هدف الدّولة واضحاً لجميع المواطنين. و عندما “تحتاج”الدّولة فعلاً، أي إذا كانت على مفترق حاجة مثلى، فإنّ عليها أن تعرف أوّلاً كيف صارت و تبنّت هذه الحاجة، و لماذا؟ الحاجةُ لا تكون إلّا ملحفةً في ميعادها الصّحيح و المناسب على نحو مطلق!
و هذا يعني بالتّأكيد أنّها قادرة على تبنّيها كضرورة و ليس خياراً. أي على الاستجابة، أيضاً، لمفاعيل و أدوات الحاجة، إذا تعاملت معها كحاجة حقيقية و واضحة.
و الخطأ يجب ألّا يكون في الممارسة بل في التّشخيص! أو أنّه غالباً ما يكون كذلك. و هذا يعني بالاستنباط أنّ الحاجة لا تبدو كذلك إلّا عندما تكون فعلاً على درجة نهائيّة من الإلحاح.
و كلّما كانت الحاجة حقيقيّة، كان من المفترض أو الواجب أن تسعى إلى “تطمينها” جميع الوسائل الممكنة التي هي بحوزة الدّولة. هنا سنستعير مرّة أخرى قول (هيغل)- و هنا يكون تطبيقه الأقصى- “إنّ أحكام الدّولة هي أحكام يومِ القيامة”.. !!؟
لا توجد ظروف مشابهة، في الحالات العاديّة، لهول الحرب. و في الأهوال يكون الجميع متساويين في الخضوع للقدر. و عند ذلك فقط تستطيع الدّولة أن تشارك “القدَرَ” بالكثير من الحضور.
إن حضور الدولة في الحروب الداخلية بخاصّة ، يجب أن يكون متساوياً تماماً في الأدوات، تجنّباً للانهيار الشّامل الذي ينبغي أن تعمل الدّولة على تتريس مضمونها بالحمايات الصّلبة و الحادّة من أجله ( التّجنّب طبعاً، و ليس الانهيار.. ! ).
ذلك أنّ الدّولة، و في جميع حالاتها، كما القلاع، لا تسقط أو تنهار إلّا من داخلها، و ذلك مهما كان حجم الخطر الماثل عليها خارجيّاً، الّلهم إلّا في حالات نادرة من الغزو الشّامل و الجائحة المطلقة. و هذه ظروف نادرة لا يجري عليها القياس.
و حيث يجب الّا يأخذنا الحديث إلى التّمنّي على ما مضى- كما يثرثر مثقفون و علماء و فلاسفة مزيّفون- فإنّه من الأشياء ” الّلطيفة ” ( لطفاً إلهيّاً ) أنّنا في سورية لم نبرحْ، بعدُ، عصر “تأسيس” الدّولة الوطنيّة الحديثة و المعاصرة، بما في ذلك مواجهتنا لهذه الحرب مواجهةً واثقة و تأسيسيّة و جادّة.
و ما لم تقم الدّولة به في الماضي، فهو الآن- ربّما!- قد حان أوانه و من دون تسويفٍ و تردّد و تأخير.. !
نحن نميل إلى قناعة سياسيّة خاصّة تدخل في عداد غير المفكّر به أو غير المَقولِ أو غير الممارس في التّطبيق.
تُنتج ظروف الحرب المديدة الضّارّة و القاسية.. ، إلخ؛ واقعاً اجتماعيّاً و اقتصاديّاً شديد التّفكّك و الحرج و الانحلال.
و من “الّلطف” أيضاً أنّ هذه الظّروف تجرّ معها أسئلةً لا تُحصى، بعضها عابر و تافه و جاهلٌ بالوقائع و
الحقائق، و لكنّ بعضها مصيريٌّ فعلاً.
لن نكرّر ما يسأله البعضُ و ما نسأله نحن أيضاً أو نتساءل حيالَهُ، من افكار سريعة أو عجلى في ميزان الوقائع السّوريّة المروعّة في هذه الحرب الّلئيمة و المسمومة و الحاقدة على السّوريين، و لكنّنا سنتبنّى، الآن، هنا، رأياً لنا قد يشكّل إجابةً على الكثير من أفضل الأسئلة و التّساؤلات الوطنيّة، حول الحاضر و المستقبل السّوريَين. و يُهيّأ لنا أيضاً أنّه لا يأتي مستقبلٌ وطنيّ لشعب أو أمّة، إلّا على أساس حاضرٍ واضح المعالم في توجّهه إلى غاية هي ليست من قبيل التّنجيم. و يدخل في عداد هذا الأمر الأهدافُ و الوسائل و الأدوات و العاملين على هذا و ذلك و ذاك.
عندما تمرّ الشّعوبُ في الحروبِ الدّاخليّة بخاصّة يتحتّمُ على الجميع، سواءٌ اعترفوا أم لم يعترفوا، اتّخاذ المواقف الاجتماعيّة و السّياسيّة الفاصلة. و يتساوى الأمرُ بالنّسبةِ إلى الأفراد و الجماعات و الثّقافات.
و في غضون ذلك تظهر المواقف الأخلاقيّة أيضاً و تتعرّى قواعد السّلوك بمن يمثّلها من الأفراد على الأخصّ. و في حالات معروفة يجري اصطفافٌ جماعيّ لأفرادٍ واسعين في مجموعات كان مضمونها “الثّقافيّ”، بما فيه السّلوك و التّعبير عن الانحياز الأخلاقيّ الفرديّ، مواقف فرديّة أو ضمنيّة أو محدودة أو خجولة.
و يعبّر هذا الاصطفاف بطبيعة الحال عن تاريخيّة الفرد و انتمائه الفعليّ لمفردات الوطن، في شكلٍ أصبح من التّواضعات الانحطاطيّة و التّواطؤات الوضعيّة في “براغماتيّاتٍ” جرداءَ و سطحيّةٍ، و في “أخلاقيّاتٍ” عنيفة من استثمار الظّرف العام و تحوله إلى احتكاراتٍ سلوكيّة و إجراميّة ، تنضحُ عن أفظع أشكال الكسب و التّكسّب و السّرقة و الاغتصاب و الجريمة بكامل طيوفها التي أباحتها آلام الحرب.
و من الطّبيعيّ أنّ قرار الدّولة في هذا الظّرف؛ إذْ يتركّزُ على الدّفاعِ و القتال و الصّراع و ما يتطلبه كلّ هذا من تصاريفَ جديدةٍ لأدوات القوّة في الدّولة، و ما يعنيه ذلك من كلفةٍ سياديّة اقتصاديّة و سياسيّة و إداريّة.. ، إلخ؛ إنّما يتراجع من أوساطه الاجتماعيّة و الإداريّة التقليديّة، فإذا به يصبح الأمر مدعاة لتجارب جميع الهامشيين، بخاصّة، هذا و لو كانوا من الرّعاع أو من “السّادة” أيضاً.. !
و ينضمّ إليهم بطبيعة الحال ، الغالبيّة من المؤتمنين على القرار الحكوميّ و السّياسات اليوميّة. نحن، إذاً، أمام طائفة واسعة من الشّعب و الجماهير التي تشكّل عامل ضغط هائلٍ و قاسٍ على سياسة الدّولة في منظومة “القرار”السّياسيّ السّياديّ المتوجّه إلى الدّفاع.
إنّ أهمّ ما يُميّزُ هذا “المجتمع” داخل المجتمع من سلوك و “قيم” و “أخلاق”.. هو “الجشع” الوحشيّ للاستغلال و الاستثمار و الإتجار بالدّماء و الوطن، كما في “الجريمة” المباشرة التي تبدأ بالاعتداء على الكرامة و تنتهي بالابتزاز و الاغتصاب و القتل! هنا ربّما ينضمّ إلى هذه “العصابة” الواسعة، موظّفون حاكمون بألقابٍ سياديّة أيضاً.. !!؟
و مهما كان هؤلاء فإنّهم “يُطرَحُونَ”، فعلاً، على الدّولة كصعوبةٍ ظرفيّة قاهرة، غير أنّها ليست من الأحجيّات!
فما العمل؟
سنكرّرُ أنّ الضّرورة و الواجب في القاعدة و القانون، لا يحلّون جميعاً إلّا في أوانٍ ظرفيّ نهائيّ في تعبيره عن “الحاجة”. و الحاجة هنا تأخذ شكل مواجهة التّهديد الشّامل للمجتمع و الدّولة من الدّاخل الذي ينضافُ إلى استثنائيّة ظرف المواجهة السّياديّ مع أعداء المجتمع و الدّولة في الخارج . فما العمل؟؟
من المعروف أنّ المراحل الصّعبة و العصيبة – كما نعانيها في سورية اليوم – تعملُ، إضافة إلى تخريبها العلنيّ و دمارها الاجتماعيّ المشهود، و المادّيّ و النّفسيّ، تعملُ على تفكيكٍ ظرفيّ حادّ للبنية الاجتماعية و الاقتصاديّة و السّياسيّة للمجتمع، يطمح، بفعلِ أدواتٍ “آمنةٍ” من الدّاخل.. ، إلى أن يكونتفكيكاً سياسيّاً و استراتيجيّاً لمؤسّسات الدّولة، هذه التي لا توجد من دونها الدّولة، و ذلك اقتضاء للمصلحة الرّيعيّة ( و لا يهمّ هنا إن كان هدف تفكيك الدّولة و “إسقاطها” هدفاً واعياً و مقصوداً عند هؤلاء، أم كان غير واعٍ بحيث أنّه سيصبّ تلقائيّاً في الإنهاك الاجتماعيّ و في إنهاك الدّولة السّياسيّ، كتحصيل حاصل للممارسات.. و الارتكابات ) التي تمثّلها تلك الطّموحات في “وعودها” متزايدة “الإغراء”، مع تزايد أو تعمّق انحسار الدّولةِ عن فرض سيطرتها على الأطراف “السّياديّة” كما عن الأطراف السّياسيّة، ناهيك عن الأطراف الجغرافيّة على طول البلاد.
و ممّا يعنيه هذا الواقع، شيئان جديران، هنا، بالطرح الواضح و المباشر و الصّريح:
– الأوّل : إنّ واقعاً كهذا هو صريح التّهديد للمجتمع و الدّولة معاً ، و يزداد تهديده طرداً مع زمانيّة الحرب السّوريّة المرشّحة دوماً للامتداد و الاستمرار.
و في مثل هذا الظّرف يغدو التّهديد عدواناً مباشراً ينضاف إلى العدوان الخارجيّ في احتراب “الدّاخليّ” نفسه الذي هو، إضافة إلى خسرانه الوجودي، سيتعرّض لخسرانٍ بنيويّ و تكوينيّ جديد ينضاف أيضاً إلى الكبح التّاريخانيّ الذي كان سبباً مباشراً من أسباب الحرب نفسها منذ الأصل.
نحنُ إذاً ، كمجتمع و كدولة ، معرّضين، مرّتين ، للتفكّك و التّبدّد في مصدر التّخريب و الدّمار و الانهيار و ضياع الدّولة بنخرها الذي صار صريحاً، و كذلك بسقوطها الاعتباريّ الذي يُشكّل حالة من حالات السّقوط الماديّ الأخير.!!؟
– و الثّاني: يتعلّق بتصريحٍ تقنيّ لمواجهة المتزايد من أوضاع تهديد الدولة في سيادتها التي صارت، فعلاً، على المحكّ؛ كما لمواجهة الاعتداء الجائر و الشّامل على المجتمع الذي يٌساهم بالحرب بمجرّد تفهّمه و احترامه لظرف معاناة الدّولة و التي هو جزء منها على كلّ حال.
يبدو لنا أنّ الظّرف الشّامل للجريمةِ التي تُرتكب في سورية اليومَ، داخليّاً و خارجيّاً، من أعداء الدّاخل و من أعداء الخارج، و لأنّ الوطن بمحمولاته و مضامينه و عناوينه و رموزه ، هو المصاب أولاً و أخيراً؛ إنّما يُحتّمُ إجراءاتٍ ضروريّة، على قاعدة ما رأيناه من أنّ الضّرورة لا تنشا إلّا مع نشوء إمكانيّات تلبية حاجاتها حال توفّرُ “القوّة” الّلازمة لذلك. و طبيعيّ أنّ الدّولة هي أبلغ صور “القوّة” عند مقارنتها بالأطراف الأخرى التي تنافسها على هذه “القوّة”.
هنالك لغة تسود في ظروف الحروب، بخاصّة، هي لغة القوّة و العنف المتبادل، الشّرعيّ و غير الشّرعيّ، فيما بين أطراف الصّراع المتعدّدة و المختلفة. و عندما نضمّ ما قلناه أعلاه من الاعتداء الواقع على “المجتمع” و على “الدّولة” بالعنف حصراً، إلى هذه القاعدة التي يمكن اختصارها بقولنا إباحيّة العنف و استباحته للواقع؛ أقول عندما نقارن (نجمع) هذا إلى ذاك، فإنّ النّاتج يغدو واضحاً كنتيجةٍ أكثرُ من أخلاقيّة و أقلّ من عُنفيّة، و أعني بذلك “القوّة”.
القوة لغة الدّولة الأخلاقيّة. أعني أنّ القوة هي الّلغة الأخلاقيّة الوحيدة للدّولة. فما هي الدّولة، إذاً، إنْ لم تكن مؤسّسة سياسيّة – أخلاقيّة و بخاصّة عندما نعرف و نعترف بأن الممارسة السّياديّة للدّولة الوطنيّة في سورية، هي نموذج أخلاقيّ تاريخيّ و عالميّ، و في كلّ العصور”، يُجسّده رجلٌ أخلاقيّ هوأسد بلاد الشام : بشّار الأسد.. ؟
عندما في النّهاية يجتمع لنا أن نضمّ الأخلاق من جهة، إلى الضّرورة و الحاجة وَفقَ ما بحثناه أعلاه، من جهة أخرى، يكون واضحاً، و ضروريّاً أيضاً، أنّ الظّرف السّياسيّ و العالميّ الذي تتصدّى فيه الدّولة في سورية لهذا العدوان التّاريخيّ عليها، اليوم، هو الظّرف، ليس المناسب فقط، و إنّما أيضاً الأفضل و الذي قد يكون الوحيد، لتصدّي الدّولة لأعدائها في الدّاخل من غير حاملي السّلاح في وجهها بصراحةٍ و وضوح. من الأكيد أن جميع الشّرفاء في سورية و كذلك غير الشّرفاء، يُدركون إلى ماذا ترمي هذه النّتيجة.
و لكن كيف سيغفر لنا التّاريخ و القدَر.. غداً إنْ نحن لم نباشر منذ اليومِ ، بواجباتنا تجاه جميع أشكال و أصناف و طبقات أعدائنا الذين يزدادون يوماً بعد يومٍ، هنا و هناك، في الدّاخل و الخارج، و هم أيضاً دائماً في ازدياد.. ؟!
هذا ليسَ سؤالاً، و إنّما هو قاعدة الحاجة في الضّرورة التّاريخيّة التي تطرح نفسها علينا اليومَ كتحدٍّ وجوديٍّ، نحن.. بما نحن الدّولة و المجتمع و الأخلاق و التّاريخ.. ، في آنٍ معاً.
مرّة أخرى فإنّ “الدّولة” ليست مرتعاً خيريّاً لِمَنْ هَبّ و دَبّ ، و إنّما هي مؤسّسة ضروريّة، سياسيّة و أخلاقيّة، عنوانها “القوّة” و “الحزم” و “الشّرف” أيضاً.. !
أخلاقُ الدّولة هي هدفها السّياسيّ و التّاريخيّ الذي تسعى إليه بإرادة و مشروع نحو هدفٍ ممكنٍ و عظيم يصنعه “الجميع”.. من أجل “الجميع”، و هذا لا يمكن تحقيقه إلّا بما هي أخلاق الدّولة.. ، أيضاً، هي نفسها أخلاق الأفراد الحاكمين في الحرب و السّلم.. ، و في الإدارة و السّياسة و الاقتصاد.. ، و فيالمجتمع الذي هو “العلاقات” و المأوى و الطعام و الشّراب.. و سائر أسباب الحياة.
التعليقات مغلقة.