إضرابكم أحرجنا!
زهير أندراوس ( فلسطين ) الإثنين 8/5/2017 م …
إضرابكم أحرجنا! …
صباح الحريّة لأسرى الحريّة، الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، دفاعًا عمّا تبقّى من كرامةٍ لهذه الأمّة.
*لماذا أضربتم؟ أحرجتم الأنظمة العربيّة قبل إسرائيل؟ أربكتم الـ”قيادة الفلسطينيّة” التي تعتبر التنسيق الأمنيّ مع الاحتلال، مع الجلّاد، مُقدّسًا!
*أرعبتم رعب الإسرائيليين، حاصرتم حصارها، حتى إعلامها الـ”مُتنوّر” و”الديمقراطيّ” تطوّع كعادته بكامل عتاده لتسويق روايةٍ أخرى، من سلسلة القصص التي تخترعها وتبتكرها عقليته المريضة بمتلازمة دونية العرب. يكذبون ويُصدّقون أنفسهم، يُواصلون تأليب الرأي العّام الإسرائيليّ ضدّكم، أنتم “المُخربين”، ويزعمون، زورًا وبُهتانًا أنّ هدف الإضراب هو تقوية مكانة المُناضل مروان البرغوثي في التنافس أمام القائد الـ”مفدى” والـ”مُبجّل”، محمود عبّاس، على رئاسة سلطةٍ وهميةٍ، لا تتعدّى كونها سلطةً محليةً في قريةٍ نائيةٍ؟
*بربّكم، بدينكم، لماذا أفزعتم الأمّة العربيّة، التي تغطّ في سباتٍ عميقٍ؟ ألا تعلمون أننّا أدمنّا على النوم، وأننّا نُقدّس التلّقي ونمقت المُبادرة. ألا تتذكّروا مقولة القائد، المُعلّم والمُلهم، الشهيد جمال عبد الناصر، الذي أرسى مقولته المأثورة: لن يرى العرب النور بدون القضاء على أنظمة الخليج الرجعيّة.
*كيف تجّرأتم على إرهاب الأمّة الإسلاميّة بغير وجه حقٍّ؟ هل نسيتم أنّ السواد الأعظم من الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، منشغلٌ في تدمير البلدان العربيّة، مثل سوريّة؟ ربمّا، نحن الأمّة الوحيدة في العالم، التي يطعن الشقيق شقيقه في الخلف ومن الأمام خدمةً للأسياد في واشنطن وتل أبيب، أنظروا كيف عمّت الديمقراطيّة واستتب الأمن والآمان في ليبيا بعد أنْ اتخذّ العرب القرار بأمرٍ من الصهاينة والإمبرياليين، وقام حلف شمال الأطلسيّ (الناتو) بتدمير ليبيا وتمزيقها وتفتيتها، بحيث لا نعرف مَنْ يُحارب مَنْ!
*أَلَمْ تسمعوا يا رفاق بأنّ الدول “العربيّة السُنيّة” بصدد التحالف مع الشقيقة إسرائيل ضدّ إيران، ضدّ التمدّد الشيعيّ، كما يزعمون. نعم إيران التي تحرمكم من الحريّة في إطار مساعيها الحثيثة للسيطرة على الشرق الأوسط؟ وربمّا يتبادر لأذهانكم السؤال: أَلَمْ تكن إيران شيعيّةً عندما كان يحكمها عميل الأمريكيين والإسرائيليين، الشاه؟ لماذا تغيّرت الأسطوانة المشروخة الآن؟ كيف باتت إيران، التي كانت حليفةً في عهد الشاه للرجعية العربيّة إلى دولة عدّو لذود؟ لا تقولوا ليّ إنّ الصراع ليس دينيًا ولا طائفيًا ولا مذهبيًا، إنمّا سياسيًا بامتياز، ذلك أننّا نرقص وفق موسيقى النشاز التي تُلحّن وتُعزف في البيت الأبيض؟ لا تقولوا ذلك، فالتهمة جاهزة: أنتم، كغيركم، تؤمنون بنظرية المؤامرة.
*أتريدون التخريب على لقاء الـ”رئيس” عبّاس مع الشمبانزي دونالد ترامب، الذي يتمتّع بعقلية “راعي البقر”، طبعًا مع الاحترام للبقر وللرعاة على حدٍّ سواء، اللقاء الذي سيتّم في الثالث من الشهر القادم في واشنطن “مربط خيلنا”، حيث سنحصل على الدويلة المنزوعة من السلاح، وهو الهدف الذي من أجله ناضلتم وسُجنتم، وتحمّلتم وما زلتم تتحمّلون أقسى أنواع العذاب والتنكيل من سلطات “الديمقراطيّة الوحيدة في واحة الصحراء العربيّة”، إسرائيل؟
*لماذا تُحرجون الـ”رئيس” عبّاس وشلة الأربعين حرامي، الذين يُحيطون به؟ لماذا؟ ألا تخشون من نزع بطاقات الـVIP منهم؟ ألا تتوجّسون من أنْ يتوقّفوا عن هدر المال العّام؟ ماذا تُريدون أكثر من الـ”قيادة الحكيمة”، لقد تمكّنت بعد جهودٍ كبيرةٍ وتضحياتٍ جسامٍ من تحويل الشعب العربيّ الفلسطينيّ من شعب الجبّارين إلى شعب المُتسولين؟ وهذا الإنجاز، يا رفاق، دخل التاريخ من أوسع أبوابه.
*هذا الصباح، الـ22 من نيسان (أبريل) 2017، وهو اليوم السادس لإضراب العزّة والكرامة، وصلتني الصورة المُرفقة من تونس الحبيبة. نتحدّى الـ”قيادة” في رام الله بتعليق يافطةٍ مشابهةٍ على جدران المُقاطعة! إنّكم داخل الأقبية في سجون الاحتلال، وربمّا لم تسمعوا بأنّ الـ”رئيس” عبّاس، رفض التقاط صورةٍ مع أبناء وبنات الشهداء خشية أنْ تغضب الحبيبة الغالية، إسرائيل، نعم، إلى هذا الدرك انحدرنا، وبتنا أوطأ من البحر الميّت!
*الصورة التي وصلتني من تونس الحبيبة، تُساوي ألف كلمة، وهذه الصورة بالنسبة لشرفاء الأمّة، وأنتم طبعًا في المُقدّمة، أطهر وأشرف من العروش المهزوزة والأنظمة المأزومة والمحميات المهزومة والمتواطئة والمتآمرة، إنّها تُجسّد حال الأمّة العربيّة الأصيلة.
*لا، لست آسفًا على توجيه الانتقاد، لأنّ الحريّة هي أنْ تقول للآخرين ما لا يُريدون سماعه.
*وبالرغم من كلّ ذلك، نقول ونفصل: الحريّة لأسرى الحريّة في فلسطين وفي الوطن العربيّ، كنتُم وما زلتم البوصلة، وهذه البوصلة تُشير دائمًا إلى فلسطين المسلوبة، والتي حتمًا ستعود لأصحابها الحقيقيين.
*ختامًا: نعتذر لكم، نأسف لكم ومنكم، لأننّا لم نرتقِ إلى مُستوى الحدث، فعوضًا عن دعمكم، بتنا نستمّد الشجاعة والصبر والبسالة منكم… أنتم، الذين تقبضون على الجمر، فإمّا أنْ تحرقوه، وإمّا أنْ تحرقوه برغم الألم والمُعاناة.
التعليقات مغلقة.