وقفات على المفارق مع البطون الخاوية والحريّة

 

 

سعيد نفاع ( فلسطين ) السبت 13/5/2017 م …

وقفات على المفارق مع البطون الخاوية والحريّة

الوقفة الأولى… مع القِيَم

أسمى القيم البشريّة والتي لا أظنّني أن خلافا قد يقع حولها، هي الحياة وتتلوها سلّما الحريّة، لا بل هنالك أناس يعتبرون حرّيتهم أعلى سلّما من حياتهم فعلا لا قولا، وهؤلاء هم أسرى الحريّة. أناس قدّموا على مذابح الوطن بأرضه وأهله أغلى القيم التي منحتهم إياها الدنيا، ولعلّ أصعب اللحظات عليهم هي تلك التي يراودهم أحيانا فيها عن أنفسهم الشكّ وكأنّ القربان ذهب هباء أو يكاد، ضيّعه نسيان أو غياب وفاء، فيختلط عليهم ويختلط عندهم صلف السجّان بجحود الخلّان.

الوقفة الثانية… مع الولد وولد الولد

ألم يُقل عندنا أن “ما أغلى من الولد إلا ولد الولد”، أتستطيع عزيزي القارىء أن تتصوّر ما معنى أن تقضي في الأسر السنوات تلو السنوات دون أن يُسمح لك بملامسة الولد، وجلّ ما تُعطى أن تراه من خلف الزجاج فيشبّ أمامك سنة بعد سنة من وراء الزجاج الفاصل يقبلّك وتقبّله عبره علّ برودة الزجاج شتاء توصل دفء أنفاسه إليك شتاء وحرارته توصل برودته صيفا، وإذا رأف السجّان به وبك يعطيك بعض دقائق كلّ بعض أشهر لتضمّه محاولا أن تملأ رئتيك برائحته تحتفظ بها للياليك القادمة.

حتّى هذا “القبل الزجاجيّة” ممنوعة عليك لولد ولدك، ولا تعرف عن أحفادك إلا ما يُحكي لك، ومن بعض صور يدخلوها لك لتزيّن بها سقف “البرش” الذي تنام عليه، لا تغمض عينيك قبل أن تلثمها علّها تطفىء فيك لهيبا يشتدّ سعاره، وتغفو على انعكاسها في بؤبؤ عينيك.

أبعد ذلك، أغريب إن أخويت أمعاءك ؟!

الوقفة الثالثة… مع حبّك زوجتك

بعد أن لم تعد تعرف قول “أحبّك” لزوجتك، لأنك لم ترد لها في سنواتك الطوال خلف القضبان أن يسمعها رجل المخابرات المتصنّت على محادثتك معها عبر الزّجاج، قبل أن تصلها، وصرت تطلقها من عينيك وتطلق هي مثلها لتلتقيا على صفحات الزجاج علهّما يعبران صلابته. وبعد أن لم تعد تريد أن تبثّها شوقك خوفا من أن يتشفّى السجّان الواقف خلفك متمّما دور المتصنّت، وبعد… وبعد…

أغريب أن تستصرخ أمعاءك ؟!

الوقفة الرابعة… مع بيت الأجر

يطول غياب أمّك عنك وهي التي لم تتركك زيارة أتيحت في قرّ الشتاء وحرّ الصيف، فتفهم أن الغياب ليس لوعكة من تلك الكثيرة التي كانت تلّم بها، فلا تلبث أن تهزمها لتجيئك في المقبلات من الزيارات متخطيّة كل الحواجز. فتفهم قبل أن تعرف أن الوعكة هذه المرّة ليست كسابقاتها، ويصير انتظارك الزيارة المقبلة أطول ولا تأتي، وحين تعود يسبقك الخبر للقسم من الفوج الذي سبقك في الزيارة، فيتهيّأ القسم لفتح “بيت الأجر”، وهكذا مع عودتك يُفتح أحد القواويش بيت عزاء يؤمه الزملاء معانقين معزّين، وتكون أمك قد رحلت دون أن تهنأ ولو مرّة أن تضمك إلى صدرها.

تنقضي أيام العزاء وتقام الختمة، وتروح تنتظر العشر دقائق الممنوحة لك “حسنة” من السجّان التي تجمعك بأبيك إن كان حيّا وإخوتك وأخواتك، لتعانقهم معزيّا ولأول مرّة بعد سنوات وربّما آخر مرّة لأبيك.

أبعد ذلك، أغريب أن تلجأ لأمعائك الخالية؟!

الوقفة الخامسة… مع الموت الآخر.

جمعتك وإياه الصبوحات الطوال لهوا طفلا في أزقّة المخيّم، والعصريّات شابا مقبلا على الحياة يلاحق عن بعد الصبايا خروجا من مدارس الأونروا، والمساءات والليلات الطوال رجلا يحمل البندقيّة مدافعا عن أطفال المخيّم، وجمعتك وإياه الزنازين ومن ثمّ القواويش بًرشا فوق برش أو برشا قبالة برش، وطالت السّنون حتّى ضاع منك ومنه عدّها.

جمعك وإياه سهر الليالي المتبادل حين يلّم بأحدكما المرض ولا ينفعه الدواء الرخيص المقدّم، لا شفاء به من علّة ولا هو بقادر على سقم، إلى أن يفكّ وثاق مرضكم بقيّة طاقة جمعتماها في أجسادكم رياضة. وحين تضعف بقيّة الطاقة تلك، يفارقك تاركا لك وحشة ظلام القاووش التي ما تفتأ أن تزداد ظلاما حين تلفّها وحشة الموت الآتي من مشافي الأسر .

أفبعد ذلك، أغريب أن تلجأ إلى أمعائك الخاوية ؟!

الوقفة الأخيرة… مع أولاد الكلاب

يا أولاد (…) من العرب… يا كلّ أولئك القابعين على الأرائك الوثيرة… يا كلّ أولئك القابعين خلف الميكروفونات في الاستوديوهات المكيّفة… إذا كانت رؤية الحفيد وشمّه سياسة، وعناق الأب الثاكل أو الأم الثاكلة أو الأخ أو الأخت الثاكلين سياسة، وفراق الزملاء التي تلتهمهم أسرّة المشافي سياسة، فلتحيا السياسة، وإضراب الأسرى نعم سياسيّ… وأنتم وأرائككم الوثيرة واستوديوهاتكم المكيّفة لا بل حناجركم العفنة إلى ستّين مليون جهنّم، وخذوا معكم زملاءكم من اليهود أمثالكم !

اليوم ال-23 لإضراب الأسرى حريّة وكرامة

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.