الوعي وتجلياتة الفلسفية**

 

 

إعداد الاستاذ : وائل حمدي ابو صالحة* ( الأردن ) الأحد 21/5/2017 م …

الوعي وتجلياتة الفلسفية** …

* باحث في الفلسفة السياسية

** بحث في الوعي الاجتماعي – مقدم الى المؤتمر الفلسفي ( الجمعية الفلسفية الاردنية ) …

ماهو الوعي ؟

الوعي – شكل بشري خاص من عكس الواقع واستيعابة الروحي .

           ان الوعي والوجود مقولتان من اعم المقولات الفلسفية , تتوقف كيفية فهمهما على حل المسالة الفلسفية الاساسية.

فالفلسفة المثالية تعتبر الوعي شيئا مستقلا عن العالم الموضوعي , وخالقا لة , وفي هذا الاطار تحول المثالية الموضوعية ( افلاطون , هيغل )الوعي الى ماهية غيبية , فوق بشرية , معزولة سواء عن الانسان او عن الطبيعة , وترى فية علة للموجودات جميعا .

وتنظر المثالية الذاتية ( بيركلي , ماخ ) الى وعي الشخصية , المنتزعة من كافة الروابط الاجتماعيةعلى انة الواقع الوحيد , في حين انة ليست الاشياء كلها الا جملة تصورات الفرد, وعلى نقيض من المثالية تذهب المادية الى ان الوعي انعكاس للواقع , وتربطة باليات النشاط العصبي الرفيع .

ولكن اراء ماديي ما قبل ماركس كانت تعاني من المحدودية , فقد كانت تفهم الانسان كائنا طبيعيا , بيولوجيا , وتتجاهل طبيعتة الاجتماعية ونشاطة العملي , وتصور الوعي نظرا سلبيا الى العالم .

اما الفلسفة الماركسية فتحل المسالة على نحو مغاير تماما.

فالسمات المميزة للفهم الماركسي هي :

1-   الوعي اجتماعي بطبيعتة , فهو يظهر ويتطور كجانب من ممارسة الانسان الاجتماعي , ويندرج في هذة الممارسة كعنصر من التفاعل القائم بين الموضوع والانسان .

2-   يفكر الانسان بواسطة الدماغ , ويشكل نشاط المادة الرفيعة التنظيم – الدماغ شرط لظهور الوعي البشري وتطورة .

3-   للوعي موضوعة , فهو موجود نحو الوجود , ويكمن مغزاة في معرفة الشىء, في استيعابة واستجلاء ماهيتة.

4-   لا ينطوي الوعي على انعكاس العالم الموضوعي فقط , بل وعلى وعي الانسان لنشاطة النفسي . فالانسان يجعل من الوعي نفسة موضوعا للوعي والتقييم , وينظر في اشكالة , وعلياتة , ويتامل ذاتة كحامل لة .

5-   ومع ذالك لا يرد الوعي الى التفكير الى عمليات وعي الذات , وانما يشمل فضلا عن ذالك على نشاط الفكر على الخيال والحدس والانفعالات والارادة والضمير وغيرها , وبذالك يكون الوعي جملة من وظائف الانسان النفسية والى جانب الوعي تنطوي نفسية الانسان على ميدان اللاشعور .

6-   الوعي وثيق الاتصال باللغة , فهو يجد فيها تجسدة المادي , وحيث تتجسد ثمار نشاط الوعي في اللغة يغدو بالامكان نقلها الى الاجيال القادمة . وليست اللغة اللا واحدا من اشكال التجسد المادي للوعي . فهو يتجسد ايضا في موضوعات الثقافة , وفي منتوجات العمل والاعمال الفنية وغيرها .

7-   ينطوي الوعي – فضلا عن العكس النظري للواقع – على منطلقات الفرد القيموية وتوجهاتة الاجتماعية .

8-   ثمة فوارق بين الوعي العادي ( الذي يهتدي بة الناس في حياتهم اليومية ) وبين الوعي العلمي , بين الوعي الفردي والوعي الاجتماعي المعبر عن مصالح الطبقات والجماعات والمجتمع ككل . صحيح ان الوعي الاجتماعي لا يقوم الا في نشاط الانسان , ولكن لة استقلاليتة النسبية . فاشكال الوعي الاجتماعي من علم وفن واخلاق , وغيرها – لا ترد الى الوعي الفردي .

9-   لا تقتصر وظيفة الوعي على مساعدة المرءفي التوجة الصحيح في الواقع المحيط , بل وتقوم في العمل , عبر تمثل هذا الواقع على المساعدة في تحوير العالم الواقعي , من هنا جائت مقولة ( كارل ماركس على الفلاسفة تغيير العالم لا وصفة ) .

10 – ولكي نوضح ايضا اليات تكون الوعي – يجب ان نميز بين وعي الذات ووعي الجماعة , بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي .

وعي الذات – وعي المرء لذاتة كشخصية , وعية لقدرتة على اتخاذ قراراتة المستقلة , وعية في الدخول في علاقات مع الناس ومع الطبيعة , وعلى تحمل المسؤولية عما يتخذة من قرارات .

ان وعي الذات طور من اطوار تكون الوعي لدى الانسان فالوعي , شان وعي الانسان – ينظر في مجرى نشاط الناس العملي الهادف .

لم يتمكن الانسان البدائي خلال فترة طويلة من الزمن , من تمييز نفسة لا عن الطبيعة ولا عن الجماعة .

فقد كان تدني مستوى ادوات العمل يتطلب افعالا واعمالا مشتركة في كافة ميادين النشاط . ولذا كان الانسان مندمجا في الجماعة اندماجا كليا .

ولكن التطور العلمي والسيطرة التدريجية على قوى الطبيعة , غير طابع الاعمال الجماعية .

اذن الانسان يعي (الانا) ويدرك استقلاليتة الجسدية والروحية نتيجة تطور ادوات الانتاج ووسائل الانتاج .

فوعي الجماعة يتحدد بالوجود الاجتماعي , فالوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي جانبان مترابطان من حياة المجتمع .

ان الوجود الاجتماعي هو حياة الناس الاقتصادية , والمادية

اما الوعي الاجتماعي فهو حياة المجتمع الروحية , والايديولوجية , اراء الناس وتصوراتهم , والنظريات السياسية والحقوقية والاخلاقية .

ان مسالة العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي – هي مسالة من منهما الاولي الرئيسي في الحياة الاجتماعية , فيحدد تطورها , ويكون الاخر مشتقا منة وتابعا له.

اذن الفلسفة قبل ماركس والفلاسفة قبل ماركس – يرون ان الحياة الروحية هي التي تحدد تطور المجتمع .

فجائت الماركسية لتبين ان الوجود الاجتماعي لا يؤثر مباشرة في الوعي الاجتماعي الا في المجتمع البدائي .

فحين تظهر الطبقات والدولة تاتي منظومة معقدة من العلاقات السياسية والحقوقية فتتوسط بينهما .

وفي اطار التبعية العامة للوجود الاجتماعي تتمتع مختلف اشكال الوعي الاجتماعي باستقلالية نسبية .

ففي مراحل معينة يمكن للوعي الاجتماعي ان يتخلف عن مستوى حياة الناس المادية , حتى ويمكن ان يتقدم علية – الامر الذي ينعكس مثلا في التنبؤ العلمي .

كما وتتجلى الاستقلالية النسبية للوعي الاجتماعي في التوارث بين الماضي والحاضر .

فتطور الوعي الاجتماعي لا يتاثر فقط بالتغيرات في الوجود الاجتماعي وان كانت لها الصدارة.

وانما يتوقف ايضا على انجازات الماضي الروحية , وعلى هذا النحو تظهر الاستمرارية والتوارث بين اراء وتصورات ونظريات الاجيال المختلفة .

وهنا تظهر اشكال الوعي الاجتماعي , وتشمل هذة الاشكال على الايديولوجيا السياسية والوعي الحقوقي , والاخلاقي , والدين والعلم , والفن , والفلسفة .

والسؤال هنا – كيف تتشكل هذة الاشكال من الوعي السياسي والحقوقي ؟

للاجابة عن هذا السؤال علينا ان نعي ان في كل مرحلة تاريخية هناك نمط انتاج وعلاقات انتاج اجتماعية تحكم المجتمع او المجتمعات البشرية .

اي ان هناك نمط انتاج كبنية تحتية – ينعكس عن هذا النمط من الانتاج علاقا ت انتاج ومنظومة وعي تعبر عن نفسها كافكار فوقية وايديولوجية – تحكم المجتمع وتشكل وعية , ومن هذة الافكار الفكر الديني والايديولوجيا الدينية كمنهج في التفكير .

في فجر التاريخ الانساني كانت انماط الانتاج وعلاقات الانتاج بدائية وبسيطة , وكانت كل الاسالة الوجودية اجاباتها دينية – غيبية وعلى هذا الاساس تشكل الوعي الانساني وعيا دينيا , وهذة الفترة التاريخية امتدت حتى بدايات الثورة الصناعية في اوروبا , وما رافق هذة الثورة الصناعية من تغيير في انماط الانتاج وعلاقات الانتاج وما نتج عن ذالك من اجابات لاسالة علمية وفلسفيية شكلت الوعي الاوروبي فيما بعد , وهو وعي البرجوازية الاوروبية .

واخذ هذا الشكل من نمط الانتاج الراسمالي وما نتج عنة من علاقات انتاج وبنى فوقية من التطور والتعقيد مما طرح على الواقع الاجتماعي البرجوازي الاوروبي الاسئلة التالية :-

1-   الموروث التراثي وكيف التعامل معة ؟

2-   الصراعات الطبقية وكيفية حلها ؟

3-   شكل الدولة وكيفية تكونها وغاياتها ؟

                                                                                      

وكما اسلفنا نتيجة القفزات العلمية وما رافقها من اسالة فلسفية وحالة تنوير امتدت لعقود من الزمان – جائت الفلسفة الماركسية كحاجة تاريخية للاجابة عن الاسالة الاجتماعية والفكرية والايديولوجية .

وهي كفلسفة ولدت من رحم البرجوازية الاوروبية – بهذة الفلسفة نجيب عن الاسالة واردة الذكر .

وتبعا لقانون تفاوت التطور بين كل مجتمع واخر , وبين كل امة واخرى…

ارى من واجبي كمفكر ماركسي عربي ان اقرا التاريخ العربي – قراءة نقدية واقرا الحاضر لاستشرف مستقبل مجتمعنا العربي – واقف على معيقات هذا المستقبل.

واطرح عليكم وعلى نفسي نفس اسالة معيقات المجتمع الاوروبي في مرحلة تاريخية سابقة – هل نفس معيقات المجتمع الاوروبي سابقا هي نفسها معيقات المجتمع العربي الان ؟

الاجابة بكل وضوح نعم .

يقول مهدي عامل في كتابه ازمة حضارة ام ازمة برجوازية عربية ( ان نمط الانتاج في الدول العربية البرجوازية الحديثة هو نمط انتاج كولونيالي تابع , وغير قادر على قطع الحبل السري مع الراسمالية العالمية – اي مع نمط الانتاج الراسمالي العالمي ) .

وهذا صحيح , ولكن في ظل تكون البرجوازية العربية في دولة او في دول .

من هي الطبقة التي من مصلحتها قطع الحبل السري مع الراسمالية العالمية ؟

هل من مصلحة البجوازية العربية قطع هذا الحبل ؟

الجواب – لا

طبقة البروليتاريا هي المعنية بالتغيير , وهي صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والتقدم.

ولكن طبقة البروليتاريا هذة مازومة بوعي ماضوي .

اذن ما العمل؟

العمل هو البداية من الدولة ليس كاطار حقوقي فحسب بل واكاطار وعي فلسفي بمعنى هل كان من الممكن ان تطرح البرجوازية على نفسها اسئلة النهضة او الثورة خارج اطار الدولة ؟

الجواب – لا

لان نمط الانتاج في كل مرحلة تاريخية يحدد شكل الانتاج وعلاقات الانتاج – اي ان البنى الفوقية ( الحقوقية , والتعليمية , والثقافية , والروحية ) انعكاس لنمط الانتاج.

عندما يكون نمط الانتاج بدائي ومتخلف – اي ان البنى التحتية ما قبل صناعية تكون البنى الفوقية ايضا بنى هشة وضعيفة وان تشكلت في دولة .

لنوضح هذة المسالة اكثر – البنى الاجتماعية ما قبل تشكل الدولة اما بنى قبلية او عشائرية او طائفية – لو ان كل بنية من هذة البنى طرحت عاى نفسها سؤال التطور او التغيير – كيف ستكون الاجابات ؟

بالضرورة كل الاجابات ستكون رجعية لان الواقع متخلف .

اذن سؤال النهضة خارج اطار الدولة ليس لة مكان من الاعراب الفلسفي – الدولة كاطار وعي اجتماعي غاية الاسالة الاجتماعية وحاضنتها .

يقول : لوي التوسير في كتابة ( الدولة وادواتها الايديولوجية ) صفحة 75

       ان ادوات الدولة الايديولوجية تحدد ماهيتها …

1-   الادوات اتعليمية

2-   الادوات الاجتماعي

3-   الادوات الدينية

4-   الادوات السياسية

5-   الادوات الاسرية

6-   الادوات الاعلامية والثقافية

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.