أحمد دحبور: الاسم الحركي «يسار الشعبي»
عادل الأسطة ( فلسطين ) الأحد 21/5/2017 م …
أحمد دحبور: الاسم الحركي «يسار الشعبي» …
في إحدى الزيارات التي قمت بها للشاعر الراحل أحمد دحبور أتينا على سبب تسمية ابنه “يسار”. أيعود السبب إلى أنك كنت يسارياً؟
لحسن حظي أنني أمتلك الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر (دار العودة 1983) وعلى غلافها غطاء ورقي عليه اسم الشاعر وصورته وكف يد.
اسم الشاعر مكتوب باللون الأحمر وكف اليد أيضاً باللون ذاته، ولا أظن أن الأمر كان عبثاً أو غير مفكر فيه.
وأما غلاف الكتاب/ جلدته فباللون الأحمر من أمام ومن وراء.
لأحمد دحبور مجموعة شعرية عنوانها “شهادة بالأصابع الخمس” (1982) وهي مدرجة في الأعمال الكاملة. كما لو أن كف اليد باللون الأحمر هي إشارة سيميائية للعنوان تشهد لأحمد دحبور بأنه ينتمي للفقراء وأنه يكتب فلسطين بالدم. “بالدم نكتب فلسطين” كان شعار دفعه شعراء الثورة الفلسطينية وعلى رأسهم الشاعر معين بسيسو.
ما سبب تسمية يسار يا أبا يسار؟ أسأله فيقرأ على مسامعي بيتين من قصيدة الزير سالم التي مطلعها:
أهاج قذاء عيني الادكار؟/ هدوءاً، فالدموع لها انهمار
والبيتان هما:
دعوتك يا كليبُ فلم تجبني/ وكيف يجيبني البلد القفار
سقاك الغيث أنك كنت غيثا/ ويسرا حين يلتمس اليسار
ويضيف يسار: ولا تنسَ أن الاسم الحركي لأبي في حركة فتح كان “يسار الشعبي”.
لا يدرج أحمد دحبور ضمن أدباء النكبة، ويدرج مع شعراء الثورة، وأول ديوان شعري أصدره في العام 1964، وهو ابن الثامنة عشرة، يخلو من موضوعات شعر النكبة ومن معجمها الشعري أيضاً، ويقر أحمد دحبور في مقدمة أعماله الكاملة أنه ينظر الآن إلى ديوانه الأول برفق وإشفاق “وربما بشيء من الزهو الطفلي، على مستوى ابن الحارة الذي “أنجز شيئاً ما”، وقد ذهب الشاعر في ديوانه” إلى تقليد الشاعر خليل حاوي إلى درجة لا تخفى على أي مطلع؟” وأنه كان يرى في “الغموض لوجه الغموض” مسحة من عبقرية “ولهذا لجأ إلى الصور الأكثر التواءً والتباساً”.
ليست أشعار الشاعر الأولى إذن أشعاراً تعبر عن النكبة التي عاش هو بسببها بعيداً عن حيفا، في مخيمات اللجوء الفلسطيني، وبالتالي فإننا لا نرى في أشعاره المبكرة ما يمثل شعر النكبة ويعبر عنها.
في المقدمة نفسها يأتي الشاعر على أشعاره الأولى في عمّان بعد هزيمة حزيران 1967. في عمّان كان التحق بالثورة وعمل مراسلاً إعلامياً لها، وفي أمانة العاصمة سيلقي أشعاره في 1969، وقد “تدفق الناس يومها بالآلاف، ليتفرجوا ويسمعوا “شعراء الثورة”، وبما أنني كنت أحد المتلبسين بهذه الصفة فإن عليّ أن أتحمّل تبعتها.
إن هؤلاء الفقراء البسطاء يحتشدون وقد أعطونا أصواتهم سلفاً، فلا يمكن ألاّ تكون أصواتنا لهم..” وأظن أن العبارة هي: فلا يمكن أن تكون أصواتنا إلاّ لهم.
هكذا دُرسَ الشاعر على أنه من شعراء الثورة، لا من شعراء النكبة، ومعجمه الشعري يقول هذا، وإن تداخلت دوال شعر النكبة مع دوال شعر الثورة: عودة، مخيم، فقراء، فلسطين، حيفا، وستضاف إليها دوال جديدة لم تكن شائعة قبل العام 1967 هي: ثورة، فدائي، فتح، رصاص، بندقية.
في دواوينه التي أصدرها ما بين 1971 و1982، مثل “حكاية الولد الفلسطيني” و”طائر الوحدات” تتكرر دوال محددة تكراراً لافتاً. المخيم والفقراء والثورة والدم. ما عليك إلاّ أن تتصفّح قصائد المجموعتين المذكورتين حتى تقرأ الدال الواحد في القصيدة الواحدة مرات ومرات. وهذه الدوال سوف يقل حضورها في مجموعات شعرية لاحقة مثل “هنا.. هناك” (1997) و”كشيء لا لزوم له” (2004).
ليست الدوال فقط هي التي تبرز وتخفت ما بين مجموعات وأخرى. هناك أيضاً الموضوعات، وفي المجموعتين الأخيرتين يخوض الشاعر في موضوعات لم يكن خاض فيها من قبل. ولا يقتصر الأمر على الموضوعات. إنه ينسحب أيضاً على بناء القصيدة وإيقاعها.
هل ما سبق كان له علاقة بما كان عليه الشاعر في كل مرحلة؟ نشأ أحمد دحبور في المخيم نشأة فقيرة، مثل أبناء المخيم كلهم، بل إن فقره كان مضاعفاً، كما يكتب في مقدمة أعماله الكاملة: “كنا، في ثكنة خالد بن الوليد ـ مخيم اللاجئين الفلسطينيين في حمص ـ نعاني فقراً إضافياً، ربما يتميز عن فقر جيراننا في المخيم، فالأخ الكبير، جمل المحامل أو عمود البيت، بين السجن والمنفى بسبب أفكاره السياسية، والأب الذي يغسل الموتى ويسحر في رمضان ويقرأ على القبور، لا يجد في بطالته المقنّعة هذه، ما يكسب به قوتنا الكافي..”.
لكي نفهم أشعار الشاعر المبكرة علينا أن نعرف هذا كله، “ولكي نتذوّقه فناناً علينا أن نعرفه إنساناً” يقول ناقد نفسي. ومن المؤكد أنه منذ إقامته في تونس ما عاد كما كان، وعلينا أن نأخذ هذا بالحسبان. في قصيدة “العودة إلى كربلاء”، وهي من قصائده المبكرة يكتب الشاعر:
“يا كربلاء الذبح والفرح المبيت والمخيم والمحبة/ كل الوجوهُ تكشف كل الوجوه/ ورأيت: كان السيف في كفي،/ وكنتُ لنظرة الفقراء كعبة”.
التعليقات مغلقة.