محاضرة … المثقف والحراك / جورج حدادين / المبادرة الوطنية الأردنية

 

 

الأردن العربي ( السبت ) 28/2/2015 م …

** ألقيت هذه المحاضرة في رابطة الكتاب / الزرقاء بتاريخ 21/2/2012

المثقف والحراك، البنية والوظيفة،  في سياق هذه الحوارية سنحاول التعرف إلى  معاني هذه المصطلحات ظاهرها وباطنها، ومحاولة إجراء مقاربة ما لفهم آلياتها وبنيتها، والعلاقة بين المثقف والحراك ودوره في تطويرالمجتمع.

       المحور الأول، من هو المثقف؟ وما هو دور المثقف؟ وأين موقعه في الصراع الوطني والمجتمعي؟ وموقفه من سياسة “صناعة القبول وثقافة القطيع” التي تنتهجها قوى الهيمنة؟

يمكن القول بأن المثقف، هو كل شخص يمتلك أدوات معرفية، يستخدمها في تحليل بنية نظام وطبيعة مجتمع ونمط انتاج، والتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية القائمة بالفعل وبالواقع، ويمتلك حولها معرفة تاريخية تراكمية، وفي مجالات ومستويات متعددة، في الجوهر معرفة حقيقية في تاريخية تطورها، والشروط  والقوانين التي حكمت تطورها، الذاتي والموضوعي، وما علاقة هذا التطور بالشروط الخارجية، أي هل حدث التطور بشكل مستقل أم  تابع؟ وموقف  المثقف من سياسة “صناعة القبول وثقافة القطيع” التي تعتمدها قوى الهيمنة العالمية، من أجل ضمان إعادة انتاج الهيمنة على شعوب الأرض كافة، بالاعتماد على شريحة”المثقفين التابعين”.

ودور المثقف في تحديد سمة المرحلة التي يمر بها الشعب والأمة، والتي هي في واقعنا الراهن “مرحلة تحرر وطني” ودوره في المساهمة في انتاج بنية نضالية، وقادراً على حمل المشروع التحرري، كوظيفة وطنية.

يمكن تصنيف المثقف، بناء على دوره وموقعه في الصراع الوطني والمجتمعي، وموقفه من النظام الرأسمالي العالمي، إلى:

 1: مثقف ايجابي  فاعل

  2 : مثقف سلبي خامل

  3: مثقف حائر

  4: مثقف تابع.

1: المثقف الفاعل، هو شخص ايجابي، يمتلك وعي تاريخي، ويستخدم ادوات معرفية في تحليل وتشخيص الواقع القائم بالفعل، ليس بهدف المعرفة المجردة بهذا الواقع ، بل من اجل العمل والمساهمة في تغييره، عبر خلق وعي وطني، والمساهمة في توفير شروط وادوات التغيير، في سياق مشروع “نهضوي تنويري توعوي توحيدي”. إن فعل التغيير بحد ذاته فعل ايجابي، وهدف التغيير الإيجابي، هو بناء الدولة الوطنية المستقلة المنتجة، والمجتمع الصحي المعافى المنتج، الذي تنتفي بداخله استغلال الأنسان لأخيه الانسان، وينتفي التمييز بين مواطنيه، ويحقق حماية المجموعات الضعيفة والحدّية من المجتمع.  

يعتمد المثقف الفاعل، في فعله على تعريف الشرائح الوطنية، صاحبة المصلحة الحقيقية في إنجاز مشروع التحررالوطني، المعادي للرأسمالية العالمية والصهيونية ومجموعة التبعية الحاكمة، على المنهج العلمي للتحليل، وعلى قوانين الصراع العلمية، وعبر المساهمة في انتاج بنية وظيفية نضالية، من أجل إدارة الصراع بنجاح.

إن دور المثقف، بالتأكيد ليس إعادة صياغة “حالة السخط الشعبي العام” والتعبير عنها بجمل ثورية أو جمل اصلاحية، بل أن مهمته الأساسية تكمن في البحث عن علة وسبب السخط، وتوعية المجتمع بالعلة الحقيقية التي سببت سخطه، والتي هي بالتأكيد بسبب هيمنة المركز الراسمالي على القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للدول التابعة، وموقف المثقف من كل هذا، هو ما يحدد دوره، سلباً أم ايجاباً، وموقفه من “صناعة القبول وثقافة القطيع” التي تهدف إلى تزييف وعي الشعوب المقهورة والمستغلة، من أجل إعادة انتاج سيطرة قوى الهيمنة على ثرواتها ومقدراتها، ومساهمة في صياغة المشروع الوطني التحرري، الواقعي والعملي والموضوعي، لإحداث التغيير المنشود.

2: المثقف الخامل، هو شخص بطبيعته أناني فردي، ومع أنه يمتلك ادوات معرفة، ويمتلك وعي وثقافة فردية، إلاّ انه سلبي وعاجز عن التفاعل مع الآخرين، وغير معني بفعل التغيير على أرض الواقع، يستمتع في التفكير الذهني، يهمه السكون ويكره التغيير، وبناء عليه، وبغض النظر عن رؤيته، فأنه في المحصلة النهائية، يشكل عامل إحباط  معنوي لقوى التغيير، بسبب قدرته المعرفية، وتذمره الدائم من الواقع القائم، من غير أي فعل لتغييره، ما يسبب في بث روح اليأس والاحباط في محيطه، بشكل مباشر أو غير مباشر، بقسط أو بغير قسط.

3: المثقف الحائر، هو مثقف يعتمد اسلوب اعادة صياغة “السخط الشعبي العام” والتعبير عنه بجمل ومواقف ثورية، أو جمل ومواقف اصلاحية، بحسب ما يرى هو المزاج العام، ينتقل من موقع لموقع آخر، ومن موقف إلى نقيضه، ومن ايدولوجيا إلى نقيضها، ينفعل بالحالة وغير فاعل بها، غير وفي ولا مخلص للموقف ولا للمبدأ، ونتيجة لهذه السمات، لا يهمه المساهمة في رفع مستوى الوعي لدى جماهير الشعب الكادحة والمنتجة، بقدر اهتمامه في افتعال سجالات فوقية بين جماعات معزولة، خارج سياق الفعل النضالي الجماهيري المباشر، المستند إلى مشروع واضح المعالم، هكذا مثقف يفاقم من سخط وتشويش الدائرة المعزولة ذاتها. المشكلة في هذا المثقف الحائر لا تكمن فقط في تردده المستمر وعدم قدرته على حسم موقفه، بل مساهمته في ارباك من هم حوله، وبالتالي تعطيل مساهمتهم في فعل التغيير على الأرض.

4: المثقف التابع، هو الانتهازي الأكبر والعدو الأخطر على وعي الشعب وطموحات الشرائح الاجتماعية الكادحة والمنتجة، كونه يمتلك أدوات المعرفة، ويمتلك الخبرة، بالإضافة للقدرة اللااخلاقية على توظيفهما لمصلحة القوى والمجموعات السائدة في المجتمع والدولة، فهو الأقدر على تزييف الوعي الجمعي، كونه عدو مستتر بثوب صديق، يتقن فن التمثيل ويتقن توظيف قدراته بحجة الواقعية والعقلانية، وموازين القوى السائد، وموروث الخنوع والاستكانة، وثقافة العبيد، فيستخدمها بمهارة من أجل احباط أي فعل وتحرك ايجابي. المثقف التابع يتميز بقدرة فائقة على الاستهتار بكرامته أولاً، وقدرة على بيع ثقافته وقدراته إلى من يدفع، ويمتلك القدرة على تبرير كافة الاعمال القذرة، والمتوحشة، واللااخلاقية، التي يقوم بها التحالف المعادي “مراكز راس المال العالمي، والصهيونية، ومجموعة التبعية الحاكمة” الذي يستعبد الشعوب ويمتص دمائها، ويستغل ثرواتها ومقدراتها، ويحولهم إلى مجموعات من الفقراء والجياع والمتخلفين، لا رابط بينهم.

       المحور الثاني، ما المقصود بالحراك، كيف ينشاء، وإلى أين يسير؟ وكيف يتعامل المثقف مع الحراك؟                        

في البدء لا بد من الاشارة إلى التباس واضح في تحديد السبب الذي يدفع مجموعة من البشر أو المجتمع، إلى القيام في حراك باشكال متعددة، وعلى مستويات مختلفة، بالرغم من الاجماع على إن الأزمة هي المحرك الرئيس للحراك. الالتباس يبدأ في تعريف الأزمة، وسبب وعلة الأزمة، والاختلاف حول من صنع الأزمة، أهو فرد، أو مجموعة، أم قوانين وأنظمة، أم نهج؟.    

في لحظة ما من التاريخ، وعندما تتوفر الشروط، تدخل دول المحيط التابعة في أزمة، في الغالب، هي تداعيات أزمة المركز الرأسمالي، ونتيجة علاقة التبعية، فإن تداعياتها على هذه الدول والمجتمعات التابعة، تكون اشد واعنف، كون بناها الاقتصادية – الاجتماعية هشة، وانماط انتاجها “البنى التحتية” بدائية ومتخلفة،  فلن تتمكن من الخروج من الأزمة، ما لم تتمكن دول المركز الرأسمالي من الخروج من أزمتها.

بسبب الأزمة، التي هي في الأساس والجوهر، ناجمة عن علاقة تبعية غير متكافئة، بين المحيط والمركز، فأنها تقود إلى حرمان الشعوب التابعة من حقها في التطور المستقل، وحرمانها من حقها في تطوير “قوى الانتاج الوطني” وإبقائها على الدوام، دول ومجتمعات مستهلكة غير منتجة، دول فقيرة متسولة، وبناء على هذا الواقع البأس يبدأ تفكير فردي وجماعي في البحث عن حلول لهذه الحالة المأزومة، فبعض من هذه الحلول المطروحة تتسم بالسذاجة، وبعضها الآخر يتسم بالخبث عن معرفة، وبعضها سطحي وآخر جذري  …الخ .

وبسبب الفقر والجوع والبطالة وانحدار مستوى المعيشة، والخوف من القادم، وهدر الكرامة الوطنية، بسبب التسول على ابواب دول ومؤسسات دولية “متبرعة” لدولة تعاني من المديونية المستدامة، منذ عقود سابقة، يبدأ المجتمع البحث عن حلول للأزمة، فيشكل الحراك الاجتماعي أحد اشكال تداعياته.

يشترك، في هذا الحراك، مجموعات وشرائح اجتماعية متعددة، ذات رؤى وايدولوجيات مختلفة، وذات توجهات متباينة، تعكس وعي هذه المجموعات، وبحسب مصالح الأطراف المشاركة، تأخذ كل مجموعة طريقاً في الحراك، فتتابين النظرة للأسباب، وتختلف الوسائل والأساليب والاهداف، وتتعدد تبعاً، أهداف وأطر الحراك.

في النتيجة النهاية، وبغض النظر عن المظاهر المتعددة، فإن الحراك يتمحور حول مقاربتين جوهريتين فقط، وحول هاتين المقاربتين يحدث الفرز بين المثقفين:

1.     مقاربة “الاصلاح” تحت عنوان “الحرية والديموقراطية، والتبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع” طريقاً للخروج من الأزمة، حيث تعتقد مجموعة من الفاعلين في الحراك، أن الخروج من الأزمة يبدأ بإصلاح “البنى الفوقية” أي اصلاح القوانين والتشريعات والأنظمة السائدة: قانون الانتخابات، وقانون الاحزاب، والدستور، وهي اجراءات تعتقد وتصر هذه المجموعة، بأن هذه المقاربة كفيلة بإخراج المجتمع من أزمته. فلننظر إلى تجارب سابقة في هذا المجال عاشها شعبنا، ألم تجرب هذه المقاربة بالذات في محطات سابقة من تاريخنا، أليست هي ذات المقاربة التي تم تبنيها وتجربتها بعد هبة نيسان مباشرة، برعاية الشخصيات ذاتها، وتحت العناوين ذاتها، الاصلاح و”الميثاق الوطني” أين اوصلتنا؟ ألم تقود هذه المقاربة إلى “معاهدة وادي عربة”، لا بل اوصلتنا إلى ما هو اسواء “تفكيك الدولة وتفتيت المجتمع” حيث أنجز هذا المشروع من خلال: مقاربة “الاصلاح الاقتصادي” و “ترشيق الدولة” فتم بيع القطاع العام، من شركات وممتلكات وثروات الوطن، إلى لصوص مال محليين وعالميين، تحت حجة اطفاء المديونية، وتم رفع يد الدولة عن دورها في التنمية الوطنية، وتم كف يدها عن التدخل في آلية السوق، وتم رفع يدها عن حماية المجموعات الفقيرة والمعوزة. وتحت حجة ترشيق الدولة، تم بناء مؤسسات غير دستورية موازية زادت من الكلف على الشعب، وزادت من نسب البطالة، وأدى تعدد مراكز اتخاذ القرارـ إلى فوضى عارمة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع. أدت هذه الاجرءات “الاصلاحية” إلى تعميق الأزمة، واستغلت “مجموعة التبعية الحاكمة” حجة حلّ الأزمة، لإعتماد اجراءات ظالمة بحق الشعب، وعلى حساب الكادحيين، من العمال والفلاحيين وصغار الكسبة، وصغار الموظفين والمتقاعدين، والمعلمين ومربي المواشي، وصغار المزارعين. وفي هذا السياق يجب عدم إغفال تجربة خطيرة سابقة، يتوجب الوقوف أمامها بجدية، تجربة الحكومة الوطنية منتصف الخمسينات، حيث كان البرلمان يتشكل من أغلبية معارضة وطنية، وقيادة الجيش في يد ما سمي “الضباط الاحرار” وأغلبية معارضة في البرلمان، ومع ذلك لم تستطيع الصمود أمام قرار حلها بمرسوم ملكي. هذه التجارب وأخرى غيرها ترغمنا على التساؤل، من الذي يقف خلف صنع القرار؟ وما علاقة قانون التبعية في فرض القرارات على هذا البلد؟. إذا كان الاصلاح طريقاً للخروج من الأزمة، فلماذا تعيش الدول الرأسمالية الديموقراطية هذه الأزمة الممتدة المتعمقة الخانقة، مع أن أسس بناها الفوقية تعتمد ” الحرية والديموقراطية والتبادل السلمي للسلطة” ألم تأخذ دول المعسكر الاشتراكي سابقاً هذا الطريق، الاصلاح، فإلى أين اوصلت مجتمعاتها؟ أليس إلى الفقر والجوع والبطالة، مع فقدان كافة المكتسبات التي تحققت في الأزمنة السابقة. أليس مطلوباً من المثقف أن يستدعي هذه التجارب التاريخية في محاكمة الواقع الراهن؟ فكيف يمكن فهم تبنى المثقف مقاربات، كالتي نحن بصددها، ثبت فشلها تاريخياً؟ ومن هم المثقفون الذين ما زالوا يروجوا لهذه المقاربة؟ أليسوا هم ذاتهم المثقفون: السلبيون والحيارا والتابعون، الذين سبق وأن روجوا لهذا الخيار، بالرغم من كل هذه التجارب.

 

2.     مقاربة تغيير “البنى التحتية” شرط الخروج من الأزمة، التي هي سبب وعلة الحراك، أي مقاربة تنمية “قوى الانتاج الوطني” عبر تنمية القطاعات المنتجة، الصناعية والزراعية والخدمية، مقاربة الانتقال ببنى الدولة من بنى “وظيفية تابعة مستهلكة” تخدم مصالح شركات عملاقة متعدية الجنسيات، إلى بنى “دولة وطنية منتجة مستقلة” تخدم المصالح العليا للمجتمع والدولة، عبر مشروع “نهضوي تحرري وطني ووحدوي” تحمله الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة (الحامل الاجتماعي)، صاحبة المصلحة الحقيقية في تحقيق الاستقلال الوطني الناجز. فتغيير البنى التحتية هي شرط  مقاربة تغيير “البنى الفوقية” وليس العكس. تشترط هذه المقاربة: كسر التبعية شرطاً رئيساً، ومقدمة لا بد منها، لتحقيق المشروع الوطني، وتحرير الإرادة الوطنية، عبر بناء وعي وطني حقيقي وثقافة وطنية، وبناء الثقة بالذات، وتحرير الثروات الوطنية الهائلة المتموضعة تحت وفوق سطح الأراضي الأردنية، وتحرير رؤوس الأموال المجمدة والعاملة في قطاعات المضاربة، والتمويل في قطاعات الاستهلاك، في البنوك الأردنية والمصارف وصناديق السيادة والادخار والضمان، والتي تبلغ مليارات، وتحرير الطاقات والكفاءات والخبرات الوطنية الأردنية من نهج التسليع والبيع لأسواق الخليج، واستثمارها لتحقيق “التنمية الوطنية” ذات المردود العالي، فكل شروط تحقيق “تنمية وطنية حقيقية متمحورة حول الذات ” متوفرة، وتمكّن الأردن من القفز إلى دولة منتجة مزدهرة في فترة قصيرة، شريطة تحقق الشروط الموصوفة أعلاه. هذه المقاربة هي وحدها خيار المثقف الفاعل الايجابي. ألم تحقق تجارب دول قريبة وبعيدة جغرافياً، انجازات هائلة وضمن هذه المقاربة والخيار، ألم تصمد كوبا، لا بل حققت انجازات هائلة على كافةالصعد، بالرغم من حصار دولي خانق، لعدة قرون، ألم تصبح الصين القوة العظمى خلال عقود معدودة، ألم تصبح ايران قوة اقليمية يحسب حسابها، وكذلك جمهورية كوريا الشعبية …الخ.

فماذا عن اشكال الحراك؟ نستطيع التمييز بين شكلين اساسين من الحراك في الأردن:

1.     حراك مطلبي لشرائح اجتماعية، ونتيجة الأزمة، وبسبب عدم قدرة مجموعة التبعية الحاكمة من الخروج منها، بسبب نهج ما زال قائماً، فإن هذه الشرائح أخذت تدرك بأن هذا النهج هو سبب الأزمة ومشاكلها المعيشية، لذلك اخذت تربط حراكها المطلبي الخاص، بالحراك الوطني العام، ونشط بشكل ملفت للنظر زخم هذا الحراك، حيث بلغ بالمجمل أكثر من 800 تحرك مطلبي، خلال عام 2011 ، تجاوز تراكم مجموع الحراكات منذ تأسيس الإمارة. هذا الحراك يحقق شرط توحيد كافة شرائح المجتمع بغض النظر عن مناطقهم أو عشائرهم أو دينهم، فقط على اساس مصالحهم. النضال المطلبي يسير بالضرورة نحو النضال الوطني التوحيدي، وهي طريق ضمان وحدة الشعب بكافة شرائحة الكادحة والمنتجة.   

2.     حراك مجموعات في الشارع، ينصب على مطالب اصلاحية، في سياق “المقاربة الاصلاحية” سابقة الذكر “الحرية والديموقراطية، والتبادل السلمي للسلطة” يعترى تحركها خوفاً من تحول “مجموعات الحراك” إلى محترفي ومقاولي حراك، خارج سياق المشروع، قد ينتهي بإحتوائه، لاحقاً وبالضرورة، من قبل قوى تمتلك النفوذ والمال، أو قوى تمتلك السلطة والجاه، خاصة في ظل القدرة الهائلة لوسائل الاتصال والاعلام على صناعة رأي عام أما مزيف أو مطواع أو تائه، آخذين بالاعتبار في الوقت ذاته، خطورة الخبرة التي تراكمت لدى “مجموعة التبعية الحاكمة” وأدواتها في تنفيس الاحتقان، واحتواء المعارضة، عبر أدوات متعددة الوسائل والمستويات والمهمات والأساليب، كما تدل عليه تجارب سابقة، بدءاً بالمؤتمرات الوطنية الخمسة، منذ المؤتمر الأول عام 1928 ومروراً في الحكومة الوطنية عام 1956 ثم أعوام ما بعد هزيمة حزيران، ثم هبة نيسان وصولاً إلى حراك اليوم. من اللافت للأنتباه هذا التبدل المستمر “للأطر الجامعة” لهذا الحراك بسرعة هائلة، فما تكاد مجموعات الاصلاح تبني إطاراً، حتى تهدمة، لتحاول بناء إطاراً جديداً آخراً، طبيعي غير قابل للحياة، وهكذا دواليك، أليست هي ظاهرة تدعو للتفكير. حراك الشارع سهل تقسيمه وضرب اطرافه بعضها ببعض، تحت أي شعارات جهوية أو عشائرية أو اقليمية، على العكس تماماً من حراك الشرائح الاجتماعية الكادحة والمنتجة. 

النموذج المحدد القائم للمجتمع والدولة، هو انعكاساً حقيقياً لنمط الانتاج السائد ودرجة تطوره، الدولة القائمة بالفعل، هي “دولة وظيفية تابعة مستهلكة” أنشئت نتيجة ضرورات استراتيجة لمصالح المحور الأمبريالي المنتصر في الحرب العالمية الأولى، فمذاك انعكس هذا الشرط محدّداً لطبيعة الدولة والمجتمع، ومحدداً لماهية “البنى الفوقية والبنى التحتية” وانعكس أيضاً عاملاً حاسماً في تحديد التطور اللاحق للدولة والمجتمع، فالاصلاح كما يدل تاريخ النضال الوطني، غير ممكن وغير قابل للتحقيق، بدليل أن  المتابع لتاريخ هذه المطالب الاصلاحية، يكتشف أنها المطالب ذاتها ، لم تتحقق منذ المؤتمر الوطني الأردني الأول عام 1928 لحد اليوم.

الطريق الوحيد المفتوح أمام الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، للخروج من الأزمة، يكمن في تغيير النهج وكسر التبعية، والانتقال بالدولة  والمجتمع إلى نمط الانتاج، وشروطه متوفر، ثروات وطنية هائلة، وخبرات وكوادر وطنية متوفرة، وتراكم رأسمالي ممكن وبقوة، المطلوب ثقة في النفس، وثقة بالقدرة على تحقيق الاهداف. فالمركز الرأسمالي، كما تدل كل المؤشرات قيد الانهيار، والقوى المناهضة للنظام الرأسمالي في صعود، دول أمريكا اللاتنية، تحالف “بريكس” الذي يشكل حوالي ثلثي العالم، دول الممانعة وقوى المقاومة في المنطقة.

في الظاهر يبدو أن “مجموعة التبعية الحاكمة” لا تزال تمسك زمام المبادرة، لإسباب التالية:

1.     تعتمد “مجموعة التبعية الحاكمة” في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، على المساعدات الخارجية، بهدف ضمان استمرار سيطرت مراكز رأسالمال العالمي على القرار الوطني، على كافة المستويات وعلى كافة المنظومات  السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وحجز أي إمكانية لصايغة خطط تنموية وطنية حقيقية متمحورة حول الذات، مما انعكس بظاهرة عجز الموازنات الدائم، منذ نشؤ الإمارة لحد اليوم.

2.     عملت ” مجموعة التبعية الحاكمة” على إبقاء مستويات انماط الانتاج متعددة، حيث هي انماط متخلفة في القطاعات الانتاجية، وانماط حديثة في قطاعات الخدمات خاصة الاستهلاكية. وانتهجت سياسة “تحفيز الاستهلاك في كافة المجالات ومعاقبة الانتاج في كافة القطاعات” فليس بصدفة ظاهرة المديونية المستمرة، ومعادلة “الاستيراد ضعف التصدير” ظاهرة ثابته، منذ تأسيس الإمارة عام 1921 إلى حد اليوم.

3.     طوّرت “مجموعة التبعية الحاكمة” منذ تأسيس الإمارة لحد اليوم، مهارات هائلة في إحتواء قوى المعارضة، واحتواء الهبات والانتفاضات الجماهيرية، وتنفيس الاحتقانات الشعبية، مكّنتها هذه المهارات، وقابلية قوى المعارضة للإحتواء، من تخطي أزمات كبرى وخضات عنيفة في منطقة متحركة الرمال.

4.     تمكّنت “مجموعة التبعية الحاكمة” من الأستمرار في الإمساك بناصية القرار الوطني، بسبب نجاحها أيضاً في إبقاء الشعب الأردني في مرحلة المجموعات “الماقبل رأسمالية” عشائرية قبلية جهوية إقليمية طائفية وشللية، لم تنصهر بعد في بوتقة المجتمع الواحد والشعب الواحد، فبقيت الإنتماءات، تبعاً لذلك، في نطاق المجموعات، وليس في نطاق الانتماء إلى الشعب والوطن، لأن الإنتماء للشعب والوطن مرتبط إرتباطاً مباشراً بالإنتاج، وغياب الانتماء ناجم عن طبيعة المجتمع المستهلك.

5.     كما تمكّنت “مجموعة التبعية الحاكمة” من الإستمرار في الإمساك بناصية القرار الوطني، بسبب انصياعها التام لإملاءات مراكز رأسالمال العالمي، ووضع البلاد تحت الآنتداب الثاني، انتداب أدواتها، البنك وصندوق النقد الدولي، والتزامها بالقيام بمهمات خارج حدود الوطن، بل وعلى مستوى الاقليم والعالم، لصالح هذه المراكز، وعلى الضد من مصالح الشعب الأردني خاصة، وعلى الضد من مصالح شعوب العالم الثالث عامة.

6.     تمكنت “مجموعة التبعية الحاكمة” أيضاً من الأستمرار في الإمساك بناصية القرار الوطني، بسبب سياسة شراء نخب ووجهاء محليين وشخصيات عامة أردنية، كانت إلى حين ذاك تتمتع بحضور واحترام، فتم توظيف هذه السياسة على مستويين، أولاً، إيصال الشعب إلى حالة الكفر بالحركة الوطنية الأردنية والتشكيك الدائم بأهدافها النهائية، وثانياً استخدام هذه الشخوص للقيام بمهمة تزييف الوعي الجمعي للمجتمع، حيث تمتلك قدرات للقيام بهذه المهمة باقتدار لا يستطع ” زلم مجموعة التبعية الحاكمة” التقلديين والأصليين من القيام بها.

 

جلها مظاهر قوة، ولكنها في الجوهر هي ذاتها عوامل ضعف، تفعل فعلها في انهيار نموذج التبعية هذا، المطلوب تحظير بيئة مناسبة لولادة بديل قابل للحياة:

       كيف نستطيع تغيير موازين القوى القائم في المجتمع، لصالح “المشروع الوطني النهضوي التنويري التحرري والوحدوي”؟.

       كيف نستطيع بناء “الحامل الاجتماعي” القادر على إنفاذ هذا المشروع التحرري؟

       هل المدخل لبناء هذا الحامل “تجميع القوى المأزومة الموجودة على الأرض” التي ما تكاد تبني تحالف، حتى ينفرط لتدخل في محاولة جديدة، من الاشخاص والمجموعات ذاتها، بالرغم من تجارب سابقة مأزومة، أوصلت الحراك والمجتمع إلى هذا الواقع البأس والمؤلم. فهل يمكن استخلاص الدروس من التجربة التاريخية للمرحلة السابقة؟ لماذا لم تتمكن قوى المجتمع الأردني من استثمار حالة النهوض الشعبي تاريخياً، بدءاً من المؤتمر الوطني الأول، مروراً بالحكومة الوطنية عام 1956 وحالة النهوض الشعبي بعد هزيمة عام 1967 ، فهبة نيسان المجيدة عام 1989 ، التي أهدرت بذات الطريقة التي يتم فيها حالياً هدر الحراك المجتمعي القائم على الأرض.

نعتقد بأن المدخل لتحقيق هذا المشروع النهضوي، يتحقق من خلال بناء نموذج جديد، تتطابق فية مصالح “حامل المشروع التحرري” مع مهمات المرحلة (مهمات مرحلة التحرر الوطني) ومع سلوكه ، سلوك التفاني الصادق في إنفاذ المشروع، وامتلاك الوعي التاريخي، والثقة بالذات، وخلق الوعي الحقيقي بين الشرائح الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في إنفاذ المشروع، والعمل على جذب الانتلجنسيا للآنخراط في بناء وإنجاز هذا المشروع، كونها من الشرائح الأكثر حساسية للظلم والاضطهاد والغربة، والعمل على شحن الكادحين والمنتجين بطاقات نضالية، في سبيل تحرير الوطن من التبعية والمجتمع من الفقر والبطالة والاستغلال والحرمان والتفرقة، وهي جلها مهمات المثقف الفاعل الايجابي .

 نرجوا الاطلاع على “موقع المبادرة الوطنية الأردنية” على GOOGLE

“كلكم للوطن والوطن لكم”

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.