رداً على أضاليل نتنياهو حول القدس

 

د. فايز رشيد ( الخميس ) 1/6/2017 م …

رداً على أضاليل نتنياهو حول القدس

عقدت حكومة الاحتلال الصهيوني جلستها الأسبوعية الأحد الماضي، في واحد من الأنفاق، التي تم حفرها تحت الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك، تزامن ذلك مع إحياء الكيان لعدوانه الحزيراني الغاشم عام 1967 واحتلاله باقي الأراضي الفلسطينية وأراضٍ عربية أخرى.

عقد الجلسة في النفق وفي هذا الوقت بالذات، يحمل عنوانا رئيسياً واحداً، أن لا انسحاب إسرائيلياً من القدس، التي ستظل «موحدة كعاصمة أبدية وخالدة لإسرائيل». في الجلسة نفسها، أقرت حكومة الاحتلال رصد ميزانيات إضافية بعشرات ملايين الدولارات، لتسريع سلسلة من المشاريع الاستيطانية في القدس المحتلة. كما أقرت رصد ميزانية اضافية تفوق 13 مليون دولار لمشاريع في البلدة القديمة في المنطقة القريبة من الحرم القدسي وحائط البراق، من بينها بناء مصاعد وممرات تحت الأرض، للوصول إلى ما يسمى «حارة اليهود» في البلدة، وصولا إلى حائط البراق. يشمل المشروع تطوير البنية التحتية بهدف تشجيع اليهود والسياح الأجانب على زيارة حائط البراق.

وحسب ما ذكرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فإن هذا المشروع الاستيطاني يتطلب إجراء حفريات واسعة تحت الأرض وتحت ساحة البراق، الأمر الذي سيهدد الآثار العربية والإسلامية في المنطقة بالاندثار، حيث يهدف أيضا إلى تحويل الساحة إلى مركز لليهود للسيطرة التامة على تلك المنطقة. كما تمت المصادقة على مشروع قطار هوائي (تلفريك) يربط محطة القطارات في القدس بحائط البراق، بهدف تسهيل وصول 130 ألف مستوطن إلى الحائط. وهذا المشروع معروض على شركات عالمية لتنفيذه، وكانت شركة فرنسية قد أعلنت انسحابها قبل عدة أشهر من هذا المشروع، بسبب اختراقه للمنطقة المحتلة منذ عام 1967.

من جانبه ، كان رئيس بلدية الاحتلال نير بركات قد أعلن في وقت سابق، عن انطلاق التخطيط لمشروع التلفريك، ليشمل محطات في قلب أحياء فلسطينية، وبشكل خاص في حي سلوان، المجاور للحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك. إذ تبين أيضا أن بلدية الاحتلال ماضية في المخطط، رغم الاعتراضات الدولية عليه.

جاء عقد حكومة الاحتلال لجلستها تحت المسجد الاقصى المبارك، بعد أيام من زيارة الرئيس الأمريكي ترامب لحائط البراق، (المسمى لدى العدو «الحائط الغربي لهيكل سليمان» المزعوم) وفقا للطقوس اليهودية. وبعد تصريحاته المتصهينة، وقد أثبت فيها أنه يقف على يمين نتنياهو وليبرمان، إلى الحد الذي تسابقت فيه الأحزاب الأكثر تطرفا في الكيان الصهيوني، إلى إعطائه عضوية شرف في صفوفها. بالتأكيد فإن نتنياهو يحاول استغلال تصريحات ترامب، لإضفاء نوع من الاعتراف الأمريكي على يهودية القدس،. أهم، ما قاله رئيس الوزراء الصهيوني في كلمته بمناسبة ما أسماه «إحياء الذكرى الـ 50 لتحرير يروشلايم وإعادة توحيدها»، إنه من خلال انعقاد جلسة الحكومة الأسبوعية في أنفاق الحائط الغربي، في المكان الذي بنى فيه الملك شلومو الهيكل الأول، «وفيه بنى العائدون من المنفى في بابل الهيكل الثاني، وبعد خرابه، كان هذا المكان القلب النابض لأشواق شعب إسرائيل على مر أجيال». واستطرد بالقول «بأن آلاف السنين مرّت قبل عودة الشعب اليهودي إلى وطنه، وعزمه على بناء عاصمته الموحدّة».

أضاليل ما بعدها أضاليل، حاول نتنياهو وحكومته تسويقها حول يهودية القدس. فلسطين والقدس بضمنها، عربية خالصة، هذا ما تقوله حقائق التاريخ. المؤرخ الإغريقي هيرودوت يؤكد على «أن فلسطين جزء من بلاد الشام»، المؤرخون الفرنجة يؤكدون باجماع بالنص: «أن فلسطين ديار عربية»، المؤرخ الشهير هنري بريستيد يذكر بالحرف «أن القدس هي حاضرة كنعانية». بالطبع الكنعانيون هم قبائل عربية، ولهذا أطلق على فلسطين اسم «بلاد كنعان». اليبوسيون العرب استوطنوا الأرض الفلسطينية منذ 4000 عام قبل الميلاد، واستوطنوا منطقة القدس عام 2500 ق.م. القدس عربية قبل ظهور الدين الإسلامي الحنيف، التأريخ لعروبتها لا يبدأ من الفتح العربي الإسلامي لها في عام 638 م مثلما يذهب العديد من المؤرخين للأسف. الخليفة الأموي مروان بن عبدالملك بنى مسجد قبة الصخرة والقبة ذاتها، تأكيداً لدخول الإسلام إلى المدينة. أما أصل ما يعتمد عليه اليهود من تسمية القدس بـ»أورشاليم» ، فالأصل في هذه التسمية: أن اليبوسيين العرب هم من أطلقوا عليها الاسم وأسموها «أورسالم « أي «مدينة السلام»، بالتالي لا علاقة للاسم باليهود لا من قريب أو بعيد، ولا تاريخ لهم في مدينتنا، لذا انتقل صلاح الدين الأيوبي إليها مباشرة بعد معركة حطين، واعتبرها المفتاح الرئيسي لتحرير باقي المناطق الفلسطينية. هذه نتف صغيرة من حقائق مدينة القدس التاريخية وارتباطها العضوي بالعروبة والإسلام ، بعد بضعة عقود من ظهوره.

بالمقابل، اعترف أبو الآثار (لقب يطلق عليه في إسرائيل)، وهو عالم الآثار الإسرائيلي الأبرز إسرائيل فلنكشتاين من جامعة تل أبيب، بعدم وجود أي صلة لليهود بالقدس. جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة «جيروزاليم ريبورت» الإسرائيلية منذ بضعة أشهر، توضح فيه وجهة نظر فلنكشتاين، الذي أكد لها: أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة، كقصة انتصار يوشع بن نون على كنعان .وشكك فلنكشتاين في قصة داوود الشخصية التوراتية، الأكثر ارتباطاً بالقدس، حسب المعتقدات اليهودية، فهو يؤكد على انه لا يوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي على اتخاذ اليهود للقدس عاصمةً لهم، وأنه سيأتي من صلبهم من يشرف على بناء ما يسمى بـ (الهيكل الثالث)، وأنه لا وجود لمملكتي يهودا وإسرائيل، وأن الاعتقاد بوجود المملكتين هو وهم وخيال. كما أكد عدم وجود أية شواهد على وجود «إمبراطورية يهودية تمتد من مصر حتى نهر الفرات»، وإن كان للممالك اليهودية (كما تقول التوراة) وجود فعلي، فقد كانت مجرد قبائل، وكانت معاركها مجرد حروب قبلية صغيرة. أما في ما يتعلق بهيكل سليمان، الذي تحدث عنه نتنياهو، فلا يوجد أي شاهد أثري يدلل على أنه كان موجوداً بالفعل. من جانبه، قال رفائيل غرينبرغ وهو عالم آثار يهودي ويحاضر في جامعة تل أبيب: «إنه كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئاً حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن الإسرائيليين يقومون بالحفر في القدس لأعوام دون العثور على شيء». من زاوية ثانية، اتفق البروفيسور يوني مزراحي، وهو عالم آثار مستقل، عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع رأي سابقيْه قائلاً: «لم تعثر إسرائيل حتى لو على لافتة مكتوب عليها «مرحباً بكم في قصر داود»، واستطرد قائلاً: ما تقوم به إسرائيل من استخدام لعلم الآثار بشكل مخّل، يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس وتحويلها إلى مدينة يهودية».

بالطبع، فإن ما قاله العلماء اليهود الثلاثة، الذين يعيشون في إسرائيل ليس جديداً، فكثير من علماء الآثار والتاريخ العالميين وصلوا إلى هذه الحقيقة المؤكدة، منهم عالمة الآثار كاتلين كينون في كتابها «علم الآثار في الأرض المقدسة»، كذلك تصب في هذا الاتجاه دراسات المؤرخ بيتر جيمس، التي نشرها في كتابه «قرون الظلام»، كما المؤرخ ذائع الصيت أرنولد تويبني، والمؤرخ غوستاف لوبون في كتابه «تاريخ الحضارات الأولى»، والمؤرخ اليهودي المعروف آرثر كوستلر، والمؤرخ شلومو ساند في كتابيه القيّمين «اختراع أرض إسرائيل» و»اختراع شعب إسرائيل»، كما نورمان فلنكشتاين وإسرائيل شاحاك، وبرنارد لازار، وإيلان بابيه وسامي سموحة وغيرهم الكثير.

ما نقوله لنتنياهو: القدس عربية خالصة مهما حاولت التزوير، كما الأرض الفلسطينية من الناقورة إلى رفح ومن النهر إلى البحر، إضافة إلى المياه الإقليمية الفلسطينية كانت وستظل عربية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.