قصص هبنقه تسيء لجمال عبد الناصر.. وشمس الجزائر لا تغطيها غرابيل الأوهام.. وهذا ما قدمه بومدين لمصر وجيشها

 

 

اسماعيل القاسمي الحسني ( الجزائر ) الجمعة 2/5/2017 م …

قصص هبنقه تسيء لجمال عبد الناصر.. وشمس الجزائر لا تغطيها غرابيل الأوهام.. وهذا ما قدمه بومدين لمصر وجيشها

… ويقال أن اسمه يزيد بن ثروان، هبنقة الشهير بحماقته حتى أرسل مثلا، و كيف لا و هو الذي كان يعلق في عنقه قلادة من ودع و عظام، و حين سئل عن سبب فعله هذا، قال: حتى لا يضيع عن نفسه؛ لا اعتراض أن يوجد في كل زمن من يكون على درجة الحماقة تلكم، و يرعى الإبل الهزيلة في الأراضي الجدباء، و ينتهي الى الادعاء بأن الأمة العربية تمخضت لنصف قرن فولدت جمال عبد الناصر، مع أنها عاقر قبل ذلك ثم عقرت بعد مولده، و أنه لا شريك له و لا مثيل له، و هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم و على كل شيء قدير؛ شخصيا لا اعتراض لدي لسبب بسيط، و هو أن هذا العقل العاجز الذي يحتاج دوما لكائن قوي يستظل بسلطانه العظيم، و يحتمي بهيبته ليس وليد اليوم و المرحلة، و إنما يعود لأكثر من تسعة آلاف عام. وجود شخصية تحظى بالتقديس ثم ترفع إلى مقام التأليه، بات جزءا من الجينات الوراثية، من الصعب جدا التخلص منها.

جمال عبد الناصر المسكين، و لكم أشفق عليه ممن يحبونه و يقدسونه و يؤلهونه، من بين الشخصيات التي راحت ضحية حاجة أولئكم المرضى؛ و من آخر حالات تفكك خلايا العقل لدى هؤلاء و تصحر المادية الرمادية، ما فوجئت به البارحة في سلسلة وثائقية عن الرجل، جاء في ختام حلقتها، أنه بعد “النكبة” (حزيران 67) اضطر الزعيم العظيم لاحتجاز الملحق و المستشار العسكري السوفييتي، حتى يفرض على السوفييت إعادة تسليح الجيش المصري، و يبدو أنه لولا هذا السلوك البلطجي لما ركع الاتحاد السوفييتي.

طبعا لا أعرف مصدر هذه الرواية التي أقرب ما تكون لقصص هبنقة، جمال عبد الناصر بنفسه يعلن و يقر مسؤوليته عن هزيمة نكراء، و كانت له الشجاعة للاعتراف بذلك، و في أكثر مراحل ضعفه و عجز مصر، يقوم باحتجاز عسكري لقوى عظمى كيف يمكنه ذلك؟ ثم لماذا؟ ليجبر القوى العظمى على إعادة تسليح جيشه المدمر المسحوق؟ و التحفة في القصة أن القوى العظمى يبدو أن فرئسها ارتعدت و أسنانها اصطكت خوفا و فزعا من “الزعيم” و سارعت بكل ذل و هوان لتوجيه كل إنتاجها الحربي إلى مصر.

و كما توقعت تماما، لم يؤت على دور الجزائر في تلكم الأيام العشرة من بعد الهزيمة السوداء، يبدو انه ليس موثقا، ثم يبدو أنه مجرد كلام مقاهي، بل حتى و إن سلمت بواقعه و وقائعه تلكم العقول الجبارة، فإنه لا يرق لمستوى احتجاز ملحق عسكري لدولة نووية.

تقول الوثائق الجزائرية و السوفييتية الآتي:

في اليوم الذي سحق فيه سلاح الجو لقوات جمال عبد الناصر، قررت الجزائر توجيه سرب طائرات قتالية يتجاوز الأربعين عطاء و دعما منها. و ذلك بعد أن أبلغ عبد الناصر نفسه الهواري بومدين بواقع الحال، خلاف ما كانت الاذاعات و الصحف المصرية تروج له على امتداد ثلاثة ايام من أكاذيب الجيش المصري يتوجه لتل أبيب و هرطقات إسقاط مئات طائرات العدو.

في نفس اليوم قررت الجزائر توجيه أربعة ألوية من جيشها (حوالي خمسة آلاف عسكري) الى خط المواجهة على امتداد البحر الأحمر. احتلت هذه الألوية مواقعها القتالية خلال ثلاثة أسابيع فقط بعد تلكم الهزيمة.

يقوم الهواري بومدين بزيارة مفاجئة الى موسكو ليلتقي ليونيد بريجنيف و اليكسي كوسيغين، و وصف اللقاء من قبل السوفييت بأنه كان على أعلى درجات التوتر، خاصة من قبل الرئيس الجزائري الذي خرج عن أطر اللغة الدبلوماسية، و هدف الزيارة اعادة تسليح الجيش المصري و الجيش السوري، و ضرورة زيارة رئيس الدولة نيكولا بتغورني للقاهرة؛ و انتهت المفاوضات الصعبة بتلبية مطالب الجزائر، مؤسف جدا ان هذه رواية الكرملين و شهادة كبار قادة الاتحاد السوفييتي، إذن لا يمكن الاعتماد عليها و تقديمها للمشاهد العربي، و مما يشكك في صحتها أن هذا اللقاء مسجل صورة و صوتا، و رفعت عنه السرية منذ أكثر من خمس سنوات. يبدو أن احتجاز ملحق عسكري للاتحاد السوفييتي تعطي الانطباع بأن الزعيم لا يهزم بل و في أضعف لحظاته يتحدى اقوى دولة في العام؛ هذا العملية البلطجية تسيء لجمال عبد الناصر أكثر مما تضخم صورته.

و إني بصراحة و صدق لأعرف لماذا ينكر الإخوة مكابرة، دور الجزائر في تلكم الأيام العشرة تحديدا، ليس لأنه و لا دولة عربية ارتقت لمستوى موقفها، لا ليس هذا فقط، و إنما لما هو أهم و أخطر هو: ماذا كان ليكون مصير مصر و جمال عبد الناصر لو لم يتم إعادة تسليح الجيش المصري؟

لا أعوّل على هؤلاء في تصور الاجابة، و هي معروفة لدي، و إنما أدعو القارئ العربي و المتابع، أن يحرك مخياله و يسأل: ماذا لو لم تتدخل الجزائر و تعيد تسليح الجيش المصري من القبعة و الحذاء الى سلاح الجو و و المدفعية و غيرهما؟ ماذا كان يكون مصير مصر و زعيمها؟ و هل من دولة عربية نقلت خلال عشرة ايام خمسة آلاف من ابنائها الى البحر الأحمر على خط المواجهة؟ و هل من دولة عربية بعد أن كانت الدرع شرق مصر، حمت ظهرها حين اتخذت من بنغازي قاعدة جوية؟ الوقائع و الوثائق شيء و غرابيل الأوهام شئ لا ابدا لحجب دور الجزائر، الذي لولاه لأخذ تاريخ تلكم المنطقة مجرى آخر، دعوني أقول إننا اليوم نشاهده و نعاينه…………و فهمكم كفاية

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.