أسبانيا: شيوعيون عرب تطوعوا ضد الفاشية
الجمعة 2/6/2017 م …
أسبانيا: شيوعيون عرب تطوعوا ضد الفاشية …
الأردن العربي …
** أبطال مستقيمون
من سمع عن خمسة أبطال عرب من فلسطين وسبعة آخرين أرمن، كلهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي الفلسطيني، قادتهم مبادئهم السامية فتطوعوا للحرب الإسبانية. الأول عليّ عبد الخالق، شيوعي مقدسي انحدر من مخاض ومعاناة الفلاح الفلسطيني المقموع. عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من سنة 1930. أبلى بلاء حسنا في الحرب، سقط ودفن هناك؟
كانوا رجالا مستقيمين، من خيرة أبناء الإنسانية المناضلة، غيبهم التاريخ فضاعوا في متاهات الإهمال وتركناهم على شواطئ النسيان!
** الأسطورة الحية!
أسباب سياسية، الظروف المستجدة، حفاظا على الهدف السامي، والذي بسببه سكبتم بسخاء دماءكم الطاهرة بلا حدود، تلك الأسباب تعيدكم اليوم. قسم منكم يعود إلى أوطانه وقسم آخر يعود إلى غربة واغتراب وتهجير قسري جديد. يحق لكم أن تفخروا وأن تسيروا مرفوعي الرأس. أنتم التاريخ. أنتم الأسطورة الحية! أنتم مثال البطولة والشجاعة والتضحية من أجل التضامن والديمقراطية الشاملة- أنتم النقيض ممن “تكيفوا مع الظروف” والاغتناء الفاحش وعبدة القرش وأصحاب أسهم الشركات… لن ننساكم أبدا…
*رواية حسين ياسين”عَلِيّ – قصة رجل مستقيم”*
**في سياق الرواية
الحرب الأهلية الإسبانية بين سنوات 1936-1939 الهبت كل أحرار لعالم. بثت شعاعا قويا من الأحاسيس واعتبرت، في وقتها، حربا بين النور والظلام. دخلت إلى الذاكرة التاريخية كحرب أيديولوجية أشعلت لهيبا من الرغبات والآمال عند اليسار العالمي: مثقفين، فنانين ورجالات فكر وناس عاديين آمنوا بإمكانية حدوث شكل آخر، شكل جديد للنظام والديمقراطية… أو كما قال جورج أُورويل، في كتابه “تقدمة لقتلونيا (1938): (رأى المتطوعون الأجانب في الحرب الإسبانية، ليس فقط حربا أهلية، وليس فقط نضالا من أجل الديمقراطية وضد الفاشية، في الأساس رأوا “بداية ثورة اجتماعية”. فكان التزام رجال “الألوية الأممية” في دفاعهم عن الجمهورية الإسبانِية، رمزا لنكران الذات والشجاعة والقيم السامية).. وقال همنغواي: إذا كانت لك رغبة في سؤال، كيف يتطوع الناس العقلاء في أوقات الخطر؟ يمكن لك أن تكون مشدوها ومنجذبا، لدرجة أن التفكير بمصيرك الذاتي يبدو شديد الغرابة وحب الذات يكون مقرفا في نظرك..
شخصية المتطوع الأجنبي ترسخت بين كل شعوب العالم، في: أدب الرواية والقصة ودواوين الشعر، في الرسم والنحت وكل الفنون الجميلة، في المسرح والسينما، في النصب التذكارية العديدة وفي مواقع التواصل الاجتماعي… قال أحد المتطوعين: (أربعون ألف من المتطوع جاؤوا من 56 دولة وقومية، كل لغات العالم وألوان البشر كانت هنا: جنود فرنسيون يحاربون بجانب المتطوعين الألمان ضد النازيين الألمان. مغاربة وأحباش يقودون جنودا من أصول بيضاء. أمركيون سود يعملون مرشدين سياسيين لأمركيين بيض. يهود يقودون ألمانا في هجوم على دبابة نازية!!! وكل ذلك يحدث كأمر طبيعي ومفهوم… إن لم تكن هناك وتشاهد ذلك بأم عينك فلن تفهم أهمية تلك الظاهرة…
تلك ظاهرة جديدة في تاريخ نضال الشعوب، ظاهرة تنعش القلوب بعظمتها- خلق الكتائب الأممية، كسند لإنقاذ الحرية من براثن الظلام لاستقلال إسبانيا ورفع علم الإنسانية عاليا.
بين المتطوعين الأجانب كان شيوعيون عرب، جاؤوا من فلسطين الإنتدابية.
تارخ الجماعة الشيوعية في فلسطين كتبه، بالأساس، مستشرقون متحيزون تعاملوا مع الحزب على أنه جزء لا يتجزأ من سردية كبرى هي الاستيطان اليهودي في فلسطين (اليشوف)… ظروف تاريخية سياسية أدت إلى إزالة كثيراً من أسماء الأعضاء العرب من سجل تاريخ الحزب وإمّحوا من الذاكرة! لأن رواية المنتصر دائما هي “الأقوى” فإنها ساعدت أو أدت إلى طمس وإزالة كثير من أسماء الرفاق العرب المؤسسين من تاريخ الحزب…
فمن يعرف ما يكفي عن نجاتي صدقي، أول شيوعي عربي؟ او محمود المغربي- ممثل الشرق الأوسط في المنظومة الشيوعية “الكومنتيرن”؟ او رضوان الحلو- أول عربي يصبح سكرتيرا عاما للحزب لعشر سنوات متلاحقة (1934-1944)؟ من يعرف ما يكفي عن بولس فرح، مؤسس “عصبة التحرر الوطني” وصحيفة “الإتحاد”؟
من سمع عن خمسة أبطال عرب من فلسطين وسبعة آخرين أرمن، كلهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي الفلسطيني، قادتهم مبادئهم السامية فتطوعوا للحرب الإسبانية. الأول عليّ عبد الخالق، شيوعي مقدسي انحدر من مخاض ومعاناة الفلاح الفلسطيني المقموع. عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من سنة 1930. أبلى بلاء حسنا في الحرب، سقط ودفن هناك؟
كانوا رجالا مستقيمين، من خيرة أبناء الإنسانية المناضلة، غيبهم التاريخ فضاعوا في متاهات الإهمال وتركناهم على شواطئ النسيان!
فهل نكره أشجارنا لأن أولاد الغرباء علقوا عليها مراجيحهم؟
أريد، أن يكون معلوما للجميع، بأنه لا يوجد أبطال مجهولون. ليعلم الجميع أن كل هؤلاء الأبطال كانوا بشرا، لهم أسماؤهم ولهم شخصياتهم الخاصة. ولهم شهواتهم وأمانيهم. أريد أن يبقوا، جميعهم، قريبين منكم، مثلكم بالضبط.
**الحرب الإسبانية في سطور
1936 16/2 الجبهة الشعبية – تكتل اليسار الإسباني- يفوز في الانتخابات. منوئيل أسانيا يشكل حكومة جمهورية ذات توجه اشتراكي ويصبح رئيسا للبلاد. 10/5 تتعرض البلاد لموجة عارمة من الإضرابات والردة الرجعية. 2/7 مراسلات بين الجنرال فرانكو وهتلر. 17/7 يعلن فرانكو تمردا عسكريا في المستعمرة الإسبانية، المغرب. 27/7 طائرات ايطالية وأخرى ألمانية تنقل جنود فرانكو من المغرب إلى إسبانيا… بدأت الثورة المضادة. 12/8 طلائع المتطوعين الأجانب تصل إلى إسبانيا لنصرة الجمهوريين. 19/8 يعدم فرانكو الشاعر الإسباني فريدريكو غارسيا لوركا. 6/9 وحدة عسكرية من سلاح الجو الإيطالي تحتل مدينة مايوركا وطوليدو. 29/9 ينصب فرانكو نفسه، رسميا، قائدا للقوات المسلحة ورئيسا للبلاد. 29/10 طائرات ألمانية وإيطالية تقصف العاصمة مدريد والمتمردون يحاولون احتلالها. تصمد مدريد وترد المتمردين. 18/11 تعترف إيطاليا وألمانيا، رسميا بحكومة فرانكو.
1937 24/ 2 هجوم جديد على مدريد. الكتائب الأممية تدافع عن المدينة وتصد الهجوم الألماني/إيطالي. خسائر كبيرة للمتمردين وحلفائهم. بعد أسبوع تخلى فرانكو عن محاولاته احتلال مدريد ونقل قواته إلى شمال البلاد. 28/4 كتيبة كوندور، من سلاح الجو الألماني تدمر “غورنيكا”. 1/7 تعلن الكنيسة انحيازها الرسمي لجماعة فرانكو. بعد شهر واحد يعترف الفاتيكان بحكومة فرانكو. 28/8 يخسر الجمهوريون مدن كثيرة في شمال إسبانيا، بعدها تلاحقت الهزائم الكبيرة.
1938 15/4 البلاد مقسمة إلى نصفين والمتمردون يسيطرون من شمال البلاد إلى شواطئ المتوسط. جهود الحكومة الجمهورية تنصب في وقف النزيف ومحاولات للحلول السلمية. فرانكو يصر على “استسلام بدون قيود أو شروط”. 24/7 الجمهوريون، وعلى مدى أربعة اشهر، يخوضون أكبر جبهة في الحرب، يحاولون عبور نهر إبرو بقوات كبيرة. يتكبدون خسائر جسيمة وتفشل الحملة. 29/10 المتطوعون الأجانب يجتمعون (بناء على اتفاق بين الجمهوريين وجماعة فرانكو) في مدينة برشلونة، في طريقهم للخروج من إسبانيا، وفي حفل حزين تلقي على مسامعهم البسيونيرة خطاب الشكر والوداع الشهير. المتطوعون الأجانب الذين حاولوا إنقاذ البشرية من النازية والفاشية لم يستطعوا إنقاذ انفسهم ولا إنقاذ إسبانيا.
1939 26/1 سقطت برشلونة في أيدي فرانكو. وفي 30/3 دخلت جيوشه إلى مدريد. نصف مليون إسباني قتلوا. وتشرد الملايين إلى فرنسا. 31/3 وقع فرنكو معاهدة صداقة مع هتلر. 1/4 أعلن فرانكو نهاية الحرب. بعدها! جاءت الحرب العالمية وغرق العالم في بحر من الدماء، حتى ردم غورنكا إكتسب لونا آخر… لسنين طويلة وحزينة أُذِلّتْ أوروبا واختنقت إسبانيا وتكسر الحلم…
**خطاب البسيونيرة
(في حفل وداع الجنود المتطوعين- في مدينة برشلونة- 29 أكتوبر 1938)
يصعب جدا على الكلمات القليلة أن تودع أبطال الكتيبة الأممية، أبطال حقيقيين بقواهم الذاتية، هم أبطال بمبادئهم السامية. وما يمثلون من رموز الشرف والتضحية شعور بالأسى، حزن بلا نهاية يخنقنا ويسد حناجرنا. أسف شديد على كل هؤلاء الذين يغادروننا اليوم. أسف على جنود العقيدة السامية، منقذي البشرية، المهجرين من أوطانهم، المدانين من قبل كل طغاة العالم ومن حكام بلادهم القساة. حزن عميق على كل الذين سيبقون في تراب إسبانيا إلى الأبد، عميقا في الأرض، عميقا في القلب. لهم دموعنا الندية وشكرنا العميق.
جئتم إلينا من كل الشعوب، من كل الأعراق. جئتم إلينا كإخوة، كأبناء إسبانيا، إسبانيا الخالدة. (…) وفي أيام الحرب القاسية جدا، عندما تعرضت عاصمة الجمهورية الإسبانية للخطر، أنتم! الرفاق الشجعان، أفراد الكتيبة الدولية، كنتم من ساعد وأنقذ المدينة: بحماس المحارب، ببطولتكم وباستعدادكم للتضحية.
حرمة ووادي الخرا، برونطة وبرشلونة، لبنات وإبرو: ستظل تغني لكم نشيد البطولة والفداء، التضحية والشجاعة، الانضباط والطاعة. تلك كانت صفات محاربي الكتيبة الأممية.
تلك ظاهرة جديدة في تاريخ نضال الشعوب، ظاهرة تنعش القلوب بعظمتها- خلق الكتائب الأممية، كسند لانقاذ حرية واستقلال إسبانيا حبيبتنا.
شيوعيون، اشتراكيون، فوضويون، جمهوريون- أصحاب وجهات نظر مختلفة وديانات مختلفة، رغم ذلك فجميعهم على قناعات عميقة بالحرية وبالعدالة. جميعهم جاءوا وأخلصوا لقضيتنا بلا شروط. أعطونا كل شيء: فتوتهم، شبابهم، حكمتهم وتجربتهم. أعطونا دمائهم وحياتهم، أملهم وطموحاتهم… ولم يطلبوا مقابل ذلك شيئا. فقط. “شرف الانتساب لصفوف المناضلين”.
أعلام إسبانيا ترفرف، احتراما وتقديراً للأبطال. أعلام إسبانيا منكسة، إجلالا للضحايا العظام المقدسين، وهم كثر جدا، جدا…
أيتها الأمهات! يا نساء العالم! عندما يمر الزمن، و تلتئم جراح الحرب. و تعود الذاكرة المضببة من الأيام الدامية. يوم تنتصب الحرية والسلام والرخاء، ويضمحل شعور الغضب والكراهية، ويسود الفخر في ربوع بلاد الحرية وتكون إسبانيا، العزيزة ملك كل الإسبانيين. يومها! آه يومها! اروين لأولادكن حكايات عن بطولات محاربي الكتيبة الأممية. احكوا لأولادكن كيف جاء المحاربون الأمميون من كل بقاع العالم؟ جاءوا من خلف البحار، من فوق الجبال، عبروا حدودا، تغلبوا على الشدائد، مطاردين من كلاب سائبة تتشهى تمزيق أجسادهم. جاءوا إلى بلادنا محاربين من أجل الحرية، جاءوا ليحاربوا ويموتوا من أجل حرية إسبانيا واستقلالها، حيث تهددها الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية. جاءوا ليقولوا لنا: نحن هنا. هدفكم- هدف إسبانيا- هو هدفنا، تلك هي رغبة كل البشرية التقدمية.
اليوم تغادرون. لكثير منكم، لآلاف منكم أرض إسبانيا أصبحت مثواهم الأخير ستظل تحتضنهم إلى الأبد. أسماءهم، أفعالهم، ذكراهم تستقر في قلوب الإسبان، يتناقلونها جيل عن جيل.
يا جنود الكتيبة الأممية!
أسباب سياسية، الظروف المستجدة، حفاظا على الهدف السامي، والذي بسببه سكبتم بسخاء دماءكم الطاهرة بلا حدود، تلك الأسباب تعيدكم اليوم. قسم منكم يعود إلى أوطانه وقسم آخر يعود إلى غربة واغتراب وتهجير قسري جديد. يحق لكم أن تفخروا وأن تسيروا مرفوعي الرأس. أنتم التاريخ. أنتم الأسطورة الحية! أنتم مثال البطولة والشجاعة والتضحية من أجل التضامن والديمقراطية الشاملة- أنتم النقيض ممن “تكيفوا مع الظروف” والاغتناء الفاحش وعبدة القرش وأصحاب أسهم الشركات.
لن ننساكم أبدا… أبدا لن ننساكم.
عندما تزهر أشجار الزيتون ويكلل الغار رؤوس الجمهوريين الإسبان المنتصرين. عودوا إلينا! عودوا إلينا. ولهؤلاء، من ليس لهم وطن سيجدون في إسبانيا وطنا لهم. ومن فرضت عليه الحياة أن يعيش بدون رفاق سيجد فينا خير الرفاق. ولجميعكم سيمنح الشعب الإسباني محبته وشكره وصداقته.
شعب إسبانيا يهتف بصوت واحد: “يعيش أبطال الكتيبة الأممية”.
• البسيونيرة (الأم الرؤوم)، دولريس إبروري: ناشطة سياسية إسبانية، سكرتيرة الحزب الشيوعي الاسباني، وزيرة خارجية الجمهورية الإسبانية.
التعليقات مغلقة.