ماذا فعلت به ملايين الدولارات؟! ( قصة واقعية قصيرة )

 

د. محمد أبوعمارة* ( الأردن ) الأحد 11/6/2017 م …

ماذا فعلت به ملايين الدولارات؟! ( قصة واقعية قصيرة ) …

قال لي والحزن يملأ عينيه ويبدو ملياً في كل أخاديد وجهه… وماذا يستفيد الإنسان من الملايين؟!

فقلت: أنت تقول ذلك لأنك تملكها ولكن أمثالي يتمنون الحصول على أجزاء منها لتحقيق السعادة!!

أجاب: والله يا بني أنك مخطيء ومخطيء جداً فأنا كنت مندفعاً ومقبلاً على الحياة مثلك ووفقني الله بالعمل ولكن الدخل لم يكن يوافق طموحي فسعيت للحصول على فيزا لأمريكا وبالفعل كان الأمر ميسراً فأخذت فيزا وسافرت لأمريكا لتبدأ قصة كفاحي من بائع على الإشارات، لصاحب محل (Dry Clean) لصاحب (متجر صغير) ثم مجموعة (متاجر صغيرة) اكتسبت شهرة كبيرة في الولاية التي أعيش بها وثم صاحب لمجموعة (كازيات) وكان العمل يأخذ جُلّ اهتمامي وتركيزي وعلى هامش العمل وأثناء تلك السنوات تزوجت بفتاة من عرب أمريكا وذلك بهدف الحصول على جنسية وأنجبت منها بنتان وولد ووضعتهم في أفضل المدارس وأرقاها وحاولت أن أعوض حرماني في الطفولة بهم، فوفرت لهم كل ما حرمت منه من وسائل ترفيه وراحة… ومرت الأيام سريعة جداً وبدأت أرقام الحسابات لدي تزيد وتزيد وتزيد، وخانات حسابي الموجودة بالبنك بدأت بالإرتفاع رصيد من أربع خانات ثم خمس خانات ثم ست خانات ثم سبع… وكنت وأشعر بحجم الإنجاز كلما زدت صفراً لخانات رصيدي في البنوك…

وأثناء ذلك فاجأتني ابنتي الكبرى حينما اتصلت بي وطلبت زيارتي في مكتبي بالعمل فسررت لذلك واستقبلتها وهنا كانت مفاجأتي حينما دخلت لمكتبي وهي تصطحب بيدها شاباً أمريكياً وقالت لي :لقد قررت أنا و(جون) الزواج وأحببت أن أبلغك بذلك …. من هول الصدمة لم استطع الكلام…. ماذا … من هو (جون) ؟!

-هو صديقي (My boyfriend) منذ ثلاثة أعوام … صدمة أخرى … راجعت سني عمري… فعلاً لم أكن أنتبه لأبنائي نهائياً وكنت أظن أن المال يكفي لإسعادهم، ولكن هل هو مسلم؟!

-جون … كلا إنه مسيحي

-ولكن ذلك لا يجوز شرعاً

-أي شرع؟! أنا قررت وانتهى

-ابنتي، انتظري حتى نناقش الموضوع

-الوداع يا بابا

وغادرت المكتب هي ومن تصطحب ولم استفق من هول الصدمة إلا بعد ثلاثة أيام وأنا في المستشفى حيث استيقظت ولم أجد أياً من أفراد عائلتي حولي، إبني الأكبر (توفيق) الذي اسميته على اسم والدي اصبح اسمه (تيتو) اكتفى بإتصال هاتفي معي وقال بأنه برحلة صيد ومن الصعب عليه أن يقطعها لزيارتي وإبنتي الثانية التي تدرس في ولاية ثانية لم تأت لزيارتي بسبب انشغالها بالإختبارات أما زوجتي فقد كانت تزورني يومياً ولبضع دقائق!!

ولأول مرة في حياتي شعرت بأنني خسرت كل شيء فما نفع المال والملايين مقارنة بالشعور الذي احسّ به الآن، عائلة مفككه وأبناء ينتمون لمجتمع آخر … لا بل عالم آخر… آه ما أقسى الشعور، وما أصعب القادم…

حاولت أن ألملم اشلاء عائلتي الممزقة، ففشلت من جديد، حاولت أن أمنع عنهم النقود فالتجئوا للمحاكم والحاكم ، فعدت إلى بلدي أجر معي فشلاً يملأ الكون ويحيط بي ملايين الدولارات، فما نفع الدولارات التي جمعتها وأفنيت عمري لها… وأنا أشعر بأنني لم أعش يوماً واحداً بسعادة…

فالمستمتع والمستفيد من النقود هم فقط البنوك أما أنا وأمثالي فما هي إلا حرب أعصاب رقمية، نتابع أرقاماً فقط، ومقابل ذلك نخسر أياماً وسعادة… لا يدرك معناها إلا فاقدها…

كنت أتمنى المليون الأول … وعندما جاء سعيت للثاني والثالث.. وكنت مع كل دولار أفقد الأهم من الدولار…

وجئت هنا لأستجدي ضمة من صدر أمي الميتة أو كلمة ثناء من والدي الذي مات دون أن أشارك بجنازته أو نظرة حانية من أخت أو أخ أو صديق قديم، أو ذكرى جملية في هذا الزقاق أو تلك الطريق، وها أنا ولغاية الآن أستجدي تلك المشاعر وأعيش أتباكى على زمان ولى في البحث عن سعادة… فولى الزمان والصحة، وبقي المال للورثة … وموظفي البنوك.

*مدير عام مدارس الرأي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.