روايات النساء حول هزيمة 1967: مريم الشخشير وسلاح التوعية

 

 

د. فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الأحد 11/6/2017 م …

روايات النساء حول هزيمة 1967: مريم الشخشير وسلاح التوعية

«1967؛ نكبة ونكسة وهزيمة في نفس الوقت. ثلاث وجوه، بتحمل ثلاث مفاهيم؛ بإمكانيش أفصلهم عن بعض. كانت كتير قاسية علينا كلنا.

«عبد الناصر» أعطانا شحنة هائلة بأنّه إحنا رح نحرِّر فلسطين. فكان الزخم إللي في الشارع الفلسطيني في الـ 65 و66 مش معقول. فجأة كلّه سقط؟! كان في هديك الفترة الزمنية هبّة جماهيرية، في نابلس، وفي الضفة كلها، ماكانتش كتير واضحة، كان عمري 15 سنة، كنت أسمع بالحزب الشيوعي، بحركة القوميين العرب، بحزب البعث.

كان فيه مظاهرات تحصل في نابلس ضد الحكومة، بسبب اعتقالها للعديد من الأفراد. فإحنا الطالبات كنا انَّظِّم المظاهرات في داخل المدارس، ونطلع. كانت استجابة الطالبات للخروج للمظاهرات كتير عالية.

بتذكَّر وإحنا في مدرسة الكرمل، كانت دعوة للتظاهر، كان واحد من بيت العنبتاوي معتقل، فكل نابلس كانت قايمة؛ لازم نعمل إشي، فكَّرت نطلع من المدرسة، معلمتنا لا يمكن تخلّينا نطلع من باب الصف، فلازم نلاقي لنا طريقة تانية، شبابيك غرف الصف كانت واطية كتير، فنطّينا من الشبابيك؛ فسحبنا حالنا وخرجنا من المدرسة، وهتفنا: ثورة ثورة شعبية، ومعظم المدرسة أجت ورانا.

كمان كان فيه مظاهرة ضد مجيء «بورقيبة» للأردن، هذا ما أذكره.

تأثرت بكل هذه القضايا، وتأثرت بصديقة عزيزة عليّ، «ماجدة المصري»، كانت جارتي في البيت إللي سكنّاه؛ إنسانة رائعة، جدية، مهذبة، صديقة، أخت، ونشأت بيناتنا علاقة كتير حلوة. «ماجدة» كان إلها تأثير عليّ بانتسابي لحركة القوميين العرب، وأذكر كان «فيصل كمال»، وزوجته المعلمة «نوال حشيشو»، كانوا جزءا من هاي التشكيلة، وكنّا نوزِّع مجلة أبطال العودة، ورجال الثأر، كنا بنعطيها مش لكل المعلمات، ومش لكل الطالبات؛ بس بشكل سرّي. تعلمنا بحركة القوميين العرب، أول إشي التفاني، الإشي العام أهم من الخاص، حبك لوطنك لازم يمشي بدمك، تقدري تخرجيه بأي طريقة مناسبة.

كانت فيه جلسات نقعد نتباحث في الأمور السياسية، أنا في هديك الفترة بشوف حالي نضجت كتير، من خلال القراءات، من خلال الصديقات، اجتماعاتنا كانت كتير مركزة، تحسِّي كل إللي حواليكِ مثقفين، ولأنه كلهم أكبر مني؛ فصرت بدّي أكبر، مش في العمر؛ في المفهوم، والتصوّر، وهاي بِجوز كانت دفعة كتير كبيرة. 65، 66 بعتبرها كأنها مقدِّمة لحياتي، بجوز هون كانت الأساسات، وانطلقنا، وأجت النكسة، حرب الـ 67.

بتذكَّر معلماتنا كانوا كتير مؤثرات فينا، مثل «نائلة العطعوط»، «سهير شويكة»، «نوال التيتي». كانت ثورة تحسّي؛ لأنّه معظم الطالبات بدهم يخرجوا يناضلوا، فيه كان تأثير رهيب لحركة القوميين العرب بداخل نابلس.

طبعاً أنا أذكر تماماً إني كنت أقرأ: عارنا في الجزائر لـ»جان بول سارتر»، قرأت عن «تشي جيفارا»، وكيف أصبح رجل أممي، يناضل في كل العالم ولكل الشعوب، كنت أتمنى إني أكون وحدة هيك. قرأت لـ»قسطنطين زريق»، لشعراء مثل «محمود درويش»، «سميح القاسم»، «أبي القاسم الشابي».

حرب الـ 67، إحنا عشنا بفترة حزينة جداً، قاتلة، وعَبين ما نرفع راسنا ونقول إيش إللي بدنا نعمله، كانت في فترة زمنية عم بدخل الاحتلال فيها، عم بدخل بأسواقنا، عم بدخل بشوارعنا؛ بس ما قدرش يدخل عقولنا. قدر يدخل بيوتنا ما قدرش يدخل عقولنا.

بالأربع أيام إللي قبل فترة ما احتلت إسرائيل نابلس؛ عملنا إشي كتير حلو، وأذكر أسماء سيدات اشتركوا في العمل، وهو مقاطعة البضائع الإسرائيلية:

«ماجدة المصري»، «نائلة العطعوط»، «سعاد العَبوة»، «ريموندا الطويل»، «سحر خليفة». «ريموندا» كان إلها كمان دور، ولازم أقوله للتاريخ، سنة لـ 67، كلياتنا نزّلونا عالملجأ. أنا غافلت أهلي وطلعت برّة على الشوارع؛ عشان أعرف شو في الدنيا، شفت الجيش الأردني عم بنطلق لجهة قلقيلية، أشَّرتِلّه: وين؟ قال: إحنا رايحين للتحرير، إيه الله معكم. مشينا، كانت في خِيَم عم تنتصب جنب مستشفى رفيديا؛ فسألت: إيش هاي الخيم؟ قالوا لنا: هاي مستشفيات متنقلة، إجتنا من الحكومة الألمانية. اللي كانت مشرفة على هاي القضية: «ريموندا الطويل»، و»جنان البيطار»، أذكر تماماً.

تجوّلت تاني يوم، كان في جماعة من قلقيلية جايين، بِمشوا في الشوارع؛ فقلت لهم: ليش طالعين من قلقيلية؟ قالوا: إحنا هربنا، قلت لهم: إيش بحاجة إنتوا؟ قالوا: بحاجة لَمَيّ، ركضت عالبيت جبتلهم مَيّ، وإجيت قلت لهم: ارجعوا لبيوتكم؛ ما رَدّوا عليّ؛ لأنّي صغيرة.

في الحقيقة إحنا هاي المجموعة كانت تعمل على تثقيف الناس، لتثبيتهم في بيوتهم، وتحريضهم ضد تسويق البضائع الإسرائيلية، هي نفسها كانت تلِفّ على كل المحلات التجارية، تقلّهم: ما تاخدوا البوظة الإسرائيلية، ولا الجاج، ولا الشوكلاتة، هدول الثلاث أشياء الرئيسية إللي كانت أكتر إشي انتشرت بنابلس، وكان ضروري مقاطعتها.

في السبع أيام إحنا اشتغلنا على أساس نوصِّل الفلوس للعائلات المستورة، في دفاتر وصولات. العمارة كان إلها ملجأ. فقعدنا في الملجأ كلنا؛ فكان التكاتف الاجتماعي كتير حلو.

التكاتف عاد بس بفترة الانتفاضة الأولى سنة الـ87، بعديها انقطع راح، اختلفت كل الدنيا على 360 درجة مش 180 درجة.

بالنسبة لقضية الملابس ما تغيَّرش إشي علينا، ما حطّوا الناس على روسهم مثلاً، بس بالنسبة للمهور؛ قلَّت، صارت الناس في شوي إحساس؛ لأنه في احتلال، وفِشّ شغل كتير. تكاتف الناس كان كتير حلو.

بعد الـ67 التقينا إحنا و»شادية أبو غزالة»، أول شهيدة بداخل نابلس، وقعدنا وتحدثنا عن الأوضاع اللي موجودة، وكيف لازم نرتِّب أمورنا خاصة بعد ما صار الاحتلال، بعديها بفترة تحوَّلت بشكل تلقائي حركة القوميين العرب إلى جبهة شعبية، صار في عنا تنظيمات.

صار عنّا «فتح»، والجبهة الشعبية، وهدول التنظيمين الوحيدين اللي كانوا. لكن كان في إشي كتير حلو؛ ما كنش هناك في صراع بين التنظيمين، بالعكس في هناك عمل مع بعضيهم. إحنا كنا مجموعة فتيات، وكان في مجموعة فتيات وشباب من «فتح» كانوا يشتغلوا معنا. كنّا كلياتنا زي خلية، خلية بنشتغل مع بعض. التوعية كانت هي أهم قضية، هي القضية الأولى كانت بالنسبة لنا».

[email protected]

www.faihaab.com

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.