هل بدأ تقسيم العراق رسميا ؟

 

 




د.فايز رشيد ( الأردن ) الأحد 11/6/2017 م …

هل بدأ تقسيم العراق رسميا؟

إن بوادر الاستقلال الكردستاني ظهرت بوضوح من خلال سياسة الإقليم النفطية مؤخرًا, التي نجحت في اجتذاب شركات البترول العالمية, ورغبتها في تأمين تصدير النفط الكردي عبر الأنبوب التركي, رغم معارضة الحكومة العراقية, الأمر الذي دفع بالأخيرة إلى إعلان أن إقليم كردستان فقد حقه في الموازنة بسبب قراره تصديره للنفط منفردًا.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعلان رئاسة كردستان العراق, تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم في 25 أيلول/سبتمبر 2017 ,رغم معارضة السلطة المركزية في بغداد, هو خطوة جدّية نحو انفصال الإقليم الكردستاني عن العراق.مع العلم, أن الإقليم يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1991. وحتى يخفف رئيس الإقليم مسعود البارزاني من وقع الخطوة ,ألحق الاستفتاء, بجملة “أنه غير ملزم على الاستقلال, مضيفا..إن الاستفتاء لا يعني إعلان قيام الدولة, لكن ما يعنيه هو معرفة إرادة ورأي الشعب إزاء الاستقلال, فعلى القيادة السياسية الكردية تنفيذ إرادة الشعب في الوقت المناسب والظروف المناسبة “.للعلم,لطالما دعا رئيس الإقليم في السابق إلى إجراء استفتاء على الاستقلال في كردستان, لكنه لم يكن يحدد موعدا لإجرائه. كما شار أيضا, إلى أن “الوقت قد حان ,والموقف مناسب الآن للشعب الكردي لاتخاذ قرار من خلال استفتاء على مصيره”.
لقد سعى أكراد العراق في السنوات الأخيرة،, لتعزيز النزعة الانفصالية في كردستان, من خلال بناء خط أنابيب نفط إلى تركيا, وتصدير النفط في شكل مستقل, في وقت, ضعفت العلاقات فيه مع الحكومة المركزية في بغداد, بسبب تقاسم السلطة وعوائد النفط. تاريخيا, لقد قاومت القوى الإقليمية الطموحات الكردية للاستقلال, خصوصا الدول المجاورة للعراق, التي توجد فيها أقليات كردية كبيرة. من جانبها, أكدت الولايات المتحدة في وقت سابق, أنها تريد أن يبقى أكراد العراق جزءا منه”. من جهته رد البارزاني على هذه المواقف, بالقول: “إنه إذا انتظر شعب كردستان أن يأتي أحد آخر, ليقدم له حق تقرير المصير منحةً, فإن الاستقلال لن يتحقق أبدا”, وشدد على أن هذا الحق موجود, ولا بد أن يطالب به شعب كردستان, وأن يضعه حيز التنفيذ. ويرى البعض مثل هذه الدعوات للاستقلال, محاولة لتشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية, وتوحيد الشعب الكردي وراء البارزاني الذي انتهت فترة رئاسته العام الماضي, لكنه ما زال في المنصب.
جاءت تصريحات برزاني هذه لتشعل موجة جدل كبيرة, بين من يراها مقدمة لتفتيت العراق ,ومن بعده إعادة ترسيم حدود المنطقة بأكملها ,وبين من يرى أن استقلال الإقليم هو أمر واقع بدأ في التسعينات,وتم ترسيخه خلال سنوات ما بعد الاحتلال.الإقليم يشترك بحدوده مع كل من إيران وتركيا وسوريا إضافة بالطبع إلى العراق. تحمل مطالبات كردستان العراق بالاستقلال, جذورًا تاريخية تمتد إلى حلم الأكراد بإنشاء دولة كردستان الكبرى, ذلك منذ الاستقلال عن الدولة العثمانية, ومن أجل ذلك, خاضوا حربا طويلة مع الأنظمة العراقية,إلا أنه وفي عام 1975 أنهت “اتفاقية الجزائر” بين شاه إيران وصدام حسين (نائب الرئيس العراقي آنذاك), ما يعرف تاريخيًّا بالثورة الكردية (التي امتدت من عام 1961 – 1975), وجرى الاتفاق على إعطاء حكم ذاتي لهم.
في أعقاب استيلاء داعش على الموصل ألقى مسؤولو كردستان باللائمة على الحكومة المركزية, بسبب تعمد الأخيرة تهميشهم. لقد استغل الأكراد الحرب الداخلية العراقية لتعزيز سلطتهم على الإقليم, والاستيلاء على كركوك, الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة العراقية, لكن فلاح مصطفى وزير العلاقات الخارجية في كردستان يرى أن ماحدث ليس إلا تصحيح للخطأ, وتطبيق واقعي للمادة 140 من دستور 2005 التي نصت على إجراء إحصاء في كركوك, يعقبه استفتاء حول رغبة سكان المدينة في البقاء ضمن الجزء العربي من العراق, أم الانضمام إلى كردستان, وهو الاستفتاء الذي لم يتم.
تنتج كردستان حالييا قرابة 165 ألف برميل من النفط يوميا,وتقوم بتصدير النفط عبر خط أنابيب خاص بها إلى العراق وتركيا, ويرى السياسيون الأكراد أن كردستان ينبغي أن تكون وحدة اقتصادية قائمة بذاتها, ومع استيلاء الأكراد على مدينة كركوك التي “يقطنها مزيج من العرب والكرد والتركمان” ,يتوقع أن يرتفع إنتاج الإقليم إلى 300 ألف – 400 ألف برميل يوميا, لأن حقل كركوك يعتبر أكبر حقول النفط في العراق . إن بوادر الاستقلال الكردستاني ظهرت بوضوح من خلال سياسة الإقليم النفطية مؤخرا, التي نجحت في اجتذاب شركات البترول العالمية, ورغبتها في تأمين تصدير النفط الكردي عبر الأنبوب التركي, رغم معارضة الحكومة العراقية, الأمر الذي دفع بالأخيرة إلى إعلان أن إقليم كردستان فقد حقه في الموازنة بسبب قراره تصديره للنفط منفردا.
بالنسبة للولايات المتحدة, تبدو رافضة لتصريحات مسؤولي الإقليم بشأن الاستقلال, خشية أن يؤثر هذا القرار على الأوضاع في المنطقة خاصة في سوريا والعراق, وهو ما قد يحمل الأجندة الأميركية فشلًا سياسيا جديدا لا تحتمله الآن, حيث يبدو أنها تفضل “الشكل الفيديرالي” كنموذج لتسوية المشكلة العراقية. بالنسبة للجانب الإسرائيلي, فإن الدعم الذي أبداه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لتصريحات باررزاني لم يكن مفاجئًا, فهذا الموقف هو في الواقع مزيج من نظرية ديفيد بن غوريون القائلة بضرورة إقامة تحالفات مع الأقليات في المنطقة ودول الطوق الثالث”, أي الدول التي ليس لديها حدود مشتركة مع دولة الكيان,لكن تجمعها مصالح مشتركة معها. فتعاون الكردستانيالصهيوني ليس جديدا.
من ناحيتها, ترتبط تركيا بعلاقات جيدة جدا مع حكومة كردستان, وبخاصة في المجال النفطي, ولا يبدو أن الإقليم قادر على المغامرة بهذه العلاقة في الوقت الحالي, وفقدان بوابته النفطية الوحيدة إلى العالم. رغم ذلك تعارض تركيا بشكل كبير, استقلال كردستان العراق, منطلقة من موقف يدعو إلى وحدة العراق, وهو موقف جيوسياسي في المقام الأول, حيث تخشى أنقرة من أن يؤدي استقلال كردستان, إلى تعزيز مطالبات الأكراد في شمال شرق تركيا بالاستقلال أيضا, حيث تسعى حكومة العدالة والتنمية إلى إدماج أكراد تركيا في إطار الدولة التركية. إيران هي الأخرى تحمل قلقا مماثلا تجاه أكراد إيران, خاصة مع نشوب مواجهات مسلحة, بين الجيش الإيراني وفصائل كردية مسلحة.
جملة القول, لا شك أن لأكراد العراق الحق في نيل كافة حقوقهم, لكن على أرضية وحدة الأراضي العراقية, فالانفصال عن جسد الدولة العربية, وفي هذه الظروف تحديدا, يصب في مجرى المؤمرات متعددة الأطراف, الهادفة إلى تفتيت الدولة .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.