هل «توقفت» الحرب في سوريا.. وعليها؟
محمد خروب ( الأردن ) الإثنين 12/6/2017 م …
هل «توقفت» الحرب في سوريا.. وعليها؟ …
العنوان/السؤال.. ينطلق من مضمون الإعلان الذي جاء على لسان رئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي، الذي قال قبل يومين: إن الحرب في سوريا قد توقفت «عملِيّاً»، بفضل ما يُعرَف بمناطق تخفيف التوتر، وكي يكون كلامه مقبولاً ومبرّراً فإنه أضاف: الوضع الميداني تغيّر جذريِّاً, بعد التوقيع على المذكرة الخاصة بإقامة هذه المناطق في أيّار الماضي، مشيراً إلى أن تطبيق المذكرة الموقَّعة في استانا, سمح أيضاً بتركيز الجهود على «إعادة إعمار» ما دمّرَته الحرب في المناطق الخارجة عن سيطرة الإرهابيين.
ما قاله الجنرال الروسي, لا يُجافي الحقيقة ولا يخرج بالفعل على ما تشهده الجبهات التي كانت ذات يوم ساخنة.. من هدوء، الأمر الذي يستدعي وفي ضوء المشهد السوري الجديد، التساؤل عمّا إذا كان ما زُعِم زوراً انها ثورة «الحرية والكرامة»… قد انتهت؟ وأنها كانت مجرد عاصفة إرهابية عربدت في الفضاء السوري؟ وان «ثوارها» في الداخل وخصوصاً في الخارج, لم يكونوا سوى بيادق وبنادق للإيجار في أيدي عواصم إقليمية ودولية, رأت في تدمير الدولة السورية فرصة سانحة, لإعادة رسم الخرائط وبناء تحالفات جديدة وكتابة جدول أعمال صهيوأميركي للمنطقة, يلحظ ,ضمن أمور أخرى, دور إسرائيل في هذه المنطقة، بهدف تحويلها من عدو إلى جار وصديق, وربما حليف محتمل وموثوق في المعركة الطائفية والمذهبية التي تم التأسيس لها قبل وخلال وبعد الغزو الأميركي البريطاني للعراق، هذا الغزو الذي تم بدعم وترويج وفي إطار حملة اعلامية شرسة ومُنسّقة, ساهمت فيها بعض الدول العربية التي باتت تشكو الآن, من هيمنة طائفة أو مذهب معين على العراق، فيما كان بعضها يُصفّق ويستعجل التحضيرات الإمبريالية الغربية لاحتلال العراق، وتغيير المشهد الإقليمي برِمّته؟
ما يحدث في سوريا الآن، يختلف كثيراً عن وقائع اليوميات الدموية والمرعبة التي سيطرت على بلاد الشام منذ العام 2011 , وخصوصاً بعد تحرير حلب وإلحاق هزيمة مدوية بالإرهابيين وداعميهم في المنطقة من العرب وغير العرب، على نحو وجد هؤلاء أنفسهم قد خسروا «الحرب» وفقدوا ماء وجوههم, إلاّ انهم واصلوا المكابرة والتمسّك بشعارات وأوهام وأساطير, في محاولة للوقوف أمام «الصحوة» التي غدا عليها معظم الذين ظنّوا ان في سوريا «ثورة», وتوهّموا ان هناك من ينتصر للشعب السوري وخصوصاً من «أصدقائه»عبر المحيطات ودول الإقليم، لكن الأمور سارت عكس ما اشتهوا, فجاءت جولات استانا الأربع التي أنضجت فكرة مناطق تخفيف التوتر، رغم تعثر نسختها الخامسة التي كان مقرراً لها أن تبدأ اليوم، لكن الأميركان ومَن حالفَهم سعوا الى عرقلتها، بعد ان اوصلوا صيغة جنيف الى مأزقها, وبخاصة بعد ان خسروا الرهان على فرسان المعارَضة الخارجية في «الإئتلاف» المتصدِّع, الذي حاول احتكار تمثيل السوريين فلم يحصد غير الخيبة والفشل, ولم يعد يمثل سوى «منصة», من ضمن «منصات أخرى», تشارِكه التمثيل ان لم نقل انها اكثر تمثيلاً لشرائح سورية, مما هو عليه,هذا «الهيكل» الفارغ وغير الفاعل الذي تخلّى عنه المُشغولون والمُمّولون والرُعاة.
المعارك الصعبة الدائرة في البادية السورية، وانقسام «مسلحي الثورة» بين المُشغِّلين, ووضعهم بنادقهم في خدمة من يدفع أكثر، انهت عملياً ما سُميّ «فصائل الثورة السورية», إذ إن تركيا «اشترت» قسماً منهم ووضعتهم في خدمة مشروعها العثماني الجديد, الذي جسدته غزوة «درع الفرات», فيما قسم آخر منهم, ربما يكون اكبر عدداً, بات في خدمة السيد الأبيض الأميركي, الذي يريد الاستيلاء على المعابر الحدودية مع العراق ومدينة الرقة, وتداعبه أحلام الوصول إلى دير الزور لإغلاق ما يصفه بخط امداد سوريا بالسلاح والرجال, هذا الخط الذي يقول عنه انه يربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق, لكنه في واقع الحال خط مُفتعَل لتبرير مشروع العودة الأميركية العسكرية الى العراق (وجزء من سوريا), بعد ان ادرك قادة «حزب الحرب» في الإدارة الأميركية الجديدة, أن انسحاب جيوشهم في العام 2011 كان خطأً استراتيجياً.
أيّاً كانت التسميات التي يحملها «ثوّار» سوريا الآن, والذين باتوا في خدمة مشاريع الدول الخارجية اقليمياُ ودولياً, كالجيش السوري الحر (جزء منه تابع لتركيا) او جيش سوريا الجديد, الذي انشأته وموّلته ودرّبته واشنطن، فان هؤلاء لم يعودوا «يشتاقون» للمهمة الإنتحارية القديمة, التي انتدبهم المشغلون لِإنجازها, وهي إسقاط النظام, بل هم في خدمة من يَدفَع، يبقى الذين ما زالوا في محافظة إدلب وريفها وبعض غوطة دمشق الشرقية وهؤلاء لن يجدوا من ينصرهم بعد الان، اللهم إلاّ اذا نجح الأميركيون في الصفقة التي يعملون عليها الآن في الرقة, حيث «المفاوضات» جارية على قدم وساق,لقيام داعش بتسليم المدينة, مقابل السماح لإرهابيّيه بالإنتقال إلى دير الزور أو ريف دمشق, وهو أمر لن تقف دمشق وحلفاؤها ازاءه متفرجين, لأنه سيعني ان دورة جديدة من المواجهات القاسية ستكون مؤكدة, ولأنه أيضاً سيطوي صفحة كل الانجازات الميدانية والسياسية التي تحقّقت, ولهذا ستكون الرقة وما يحدث في البادية السورية الآن ميدان المعركة الأشرس، لدفن المشروع الأميركي, والتأسيس لمرحلة جديدة في المنطقة تقول: إن الحرب في سوريا قد انتهت بالفعل, وان عجلة إعادة الإعمار قد بدأت….تدور.
التعليقات مغلقة.