اللامركزية في الأردن (حلقة 1)

 

 

المبادرة الوطنية الأردنية / جورج حدادين …

اللامركزية في الأردن (حلقة 1) …

صدر قانون اللامركزية في الأردن بمقتضى المادة (31) من الدستور الأردني تحت رقم (39) لسنة 2015، تم نشره في عدد الجريدة الرسمية رقم (5375) الصادر بتاريخ 31/12/2015.ولم يتم التطرق إلى الأسباب الموجبة لإصداره كما هو العرف السائد.

تعرّف اللامركزية أكاديميا على أنهاتفويض الإدارة المركزية للسلطات المحلية بعيدا عن مركز صنع القرار، ويتم طرحها على أنها”تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار على المستوى المحلي”.

اللامركزية في الشكل، تتمثل في الأدوات (البنية)، التشريعات: قانون اللامركزية والمؤسسات: مجلس تنفيذي ومجلس محافظة، البنية والوظيفة في هذه الحالة، ماذا تخدم؟.

اللامركزية في المضمون، تتمثل في المشروع ذاته (الأهداف) حيث الأدوات (البنية) تخدم الوظيفة (المشروع) فما هو المشروع الذي تسعى اللامركزية لإنجازه؟ لا وجود لمشروع تنموي حقيقي موضوعي وواقعي، كما سنرى لاحقاً.

لماذا تطبق “اللامركزية “

تطبيق اللامركزية لها شروط وموجبات، منها: أولاً: دولة مترامية الأطراف، وعدد سكان ضخم، ليس متوفراً لدولة مثل الأردن، وثانياً: مجتمع متنوع المكونات الأثنية و/أو الثقافية، وهو شرط غير متوفر أيضاً، ثالثاً: والأهم من كل ذلك دولة ومجتمع أنجزتا مهمة التنمية الوطنية، وهي مهمة لم تنجز بعد على صعيد البلاد.

في الواقع الأردني يتم طرح اللامركزية من قبل السلطة، بحجة أن: “تطبيق اللامركزية يمكّن المحافظات من صناعة القرار بشكلٍ مستقلٍ، ويمكنها من ترتيب أولوياتها الاستثمارية بعيدا عن المركز “العاصمة”، لا يضمنها القانون على الإطلاق، وسيتم توضيح ذلك لاحقاً في سياق هذا المقال.

تأمل السلطة التنفيذية من اللامركزية “أن تخفف الضغط على السلطة التنفيذية في العاصمة”، فهذا القانون لا يخدم هذا الهدف، حيث إن إجراءات تفويض المديريات في المحافظات التابعة للوزارات في المركز كفيل بحل هذه المشكلة، ولا تحتاج إلى مؤسسات بيروقراطية إضافية، تشكل عبئاًعلى موازنة الدولة وتعقد الإجراءات أكثر مما هو قائم.

المهمة الرئيس لدول المحيط ، كما هو حال الأردن، هو إنجاز مهمة التنمية المتمحورة حول الذات الوطنية، على صعيد الوطن، وإنجاز مهمة التنمية المحلية في المحافظات، ونظرة سريعة على بنود هذا القانون، لا تلمح أي استراتيجيات لهذه المهمات ، لا بل لا تجد ملامح خطوط عريضة لهذه المهمة.

ما هو قانون اللامركزية، وإلى ماذا يهدف ؟

يسمى مشروع قانون “اللامركزية”، قانون مجالس المحافظات، ويهدف إلى إيجاد مجالس في المحافظات تعنى بتوفير المناخ الملائم لتشجيع الاستثمار، والمحافظة على ممتلكات الدولة وتطويرها في المحافظات، والعمل على توفير أفضل الخدمات للمواطنين، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة والبيئة والتنسيق في حالات الطوارئ، وتنفيذ سياسة الدولة، بحسب المادة الثالثة من القانون التي تنص على:

” يتولى المحافظ بالإضافة إلى المهام والصلاحيات المخولة إليه بموجب التشريعات النافذة ما يلي: 11 مادة تخوله مطلق الصلاحيات؟؟؟ انزياح الضغط من سلطة عمان إلى سلطة مركز المحافظة” ماذا يعنى هذا؟؟؟ سنأتي على تفصيله ومناقشته لاحقاً.

يأتي طرح ” اللامركزية” على الصعيد الأردني في سياق مقولة “تنمية المجتمعات المحلية” و”مشاركة المواطنين في صناعة القرار” في سياق “فهم مشوّه لجوهر الصراع” حيث يساق، من قبل القيادة السياسية والإعلام الموجه، على أنه صراع “بين المركز والهامش” فهل هو كذلك؟

إن طرح هذا القانون وفي هذا الوقت بالذات ، يعني أن هناك أزمة فعلية قائمة ، هذا من جانب، وأن هناك استغلالاًلهذه الأزمة الحقيقية القائمة بالفعل وفي الواقع”من أجل إنفاذ أهداف أخرى غير معلنة” من جانب آخر> وسبق للمبادرة الوطنية الأردنية أن نبهت إليها في تحليلٍ لها تحت عنوان:

” من تفكيك الدولة إلى تفكيك الوطن، أقاليم إدارية أم ملاقط إقليمية في إطار البنيلوكس الثلاثي” في إطار ما طرح نهاية تسعينات القرن الماضي تحت عنوان “الأقاليم” ضمن كتاب تحت عنوان ” المنطلقات النظرية، دراسات وأبحاث – تشرين أول – 2009 عمان” (متوفر لدينا) حيث تم متابعة مسلسل طرح هذه الفكرة منذ نهاية سبعينات القرن الماضي ( وكما تعلمون بأن الفترة الزمنية بين طرح الفكرة وتطبيقها الفعلي تستغرق بعض عقود، وعد بلفور طرح عام 1917 وطبق عام 1947، فكرة الشرق الأوسط الكبير طرحت بداية عقد السبعينات، وها هو المركز الرأسمالي العالمي يحاول جاهداً تطبيقه منذ سبع سنوات تحت عنوان “الربيع العربي” وعبر مخطط ” الفوضى الخلاقة” . وهناك الكثير من الأمثلة في التاريخ القريب، واليوم يعاد طرحه – مشروع الأقاليم – تحت عنوان “اللامركزية”:

•       خلفية المشروع واستحقاقاته: خصخصة: تفكيك الدولة عبر بيعها القطاع العام ” الحامل الاقتصادي” لمشروع الدولة، لامركزية: تفويض المحافظين صلاحيات الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة (أراضي ومقدرات وثروات طبيعية)، هويات قاتلة: تنمية الهويات البدائية الماقبل الرأسمالية: الجهوية والإقليمية والقبائلية والطائفية.

•       تصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان ” الحل الإقليمي” من خلال تمهيد الطريق أمام التهجير القسرِي للفلسطينيين، لإفساح المجال أمام إقامة “الدولة اليهودية” الهدف الصهيوني المعلن.

•       إفساح المجال أمام مراجعة تشريعات وقوانين تمس السيادة الوطنية، من خلال تفويض المحافظين ونقل الصلاحيات لهم، ابتداء من قانون الخصخصة وقانون الاستثمار وقانون استملاك، تملك وبيع الشركات الأجنبية للعقارات في الأردن، وقانون الأحوال المدنية، جلها قوانين تخدم مشروع ” الحل الإقليمي”.

أين تكمن المشكلة؟ هل هي مشكلة إدارية؟ أم مشكلة تشريعات وقوانين وأنظمة؟

أم هي مشكلة التنمية؟

تشخيص المشكلة الموضوعي بداية الحل الحقيقي.

وظيفة الدولة الرئيس، عبر الأمكنة والأزمة المختلفة، وعبر التاريخ، هي ” التنمية المتمحورة حول الذات الوطنية” من خلال صياغة خطط تنموية وطنية ومحلية، وعبر عملية تحويل “الثروات الطبيعية إلى خيرات” تعم فائدتها المجتمع بأكلمه: كافة شرائح المجتمع الوطنية: الكادحة والمنتجة، وكافة التقسيمات الإدارية: محافظات، نواحي، بلديات، قرى، مخيمات وبوادي، حماية الفقراء والمعوزين والحديين والضعفاء والمتقاعدين من آفة البؤس والمرض، وحماية السوق الوطنية والمنتجات الوطنية من منافسة منتجات الشركات العملاقة، والسلع الأجنبية، وتوفير شروط وملزمات الإنتاج، وقبل ذلك حماية المجتمع والدولة من الاستغلال البشع من قبل المركز الرأسمالي العالمي، الذي يهيمن على دول المحيط، ويستغل ثرواتها ومقدراتها وإمكاناتها بطرق بشعة.

المشكلة الحقيقية تكمن في خيار التنمية، التنمية وتحقيق شروطها: إحداث تراكم رأسمالي وطني، وتحقيقالتراكم المعرفي بشقيه الفني والثقافي، وهي المهمة المطروحة على مؤسسات الدولة والمجتمع، وأي تغيير أو تشريع يجب أن ينطلق من توفير شروط التنمية.

نظرة إلى الواقع القائم في الأردن تظهر بأن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الدولة والمجتمع يعتمدان في إدارة شؤونهما على المساعدات الخارجية.

المشكلة الحقيقية تكمن في طبيعة وسمة الدولة المستهلكة، غير المنتجة، وسمة المجتمع المستهلك، غير المنتج.

فهل المركزية تشكل خشبة الخلاص لأزمة بنيوية قائمة ومستمرة، منذ تأسيس الإمارة ولحد اليوم؟ حيث تتكرر أزمة الدولة بدوريات متتالية، غير منقطعة، بحسب حجم المساعدات الخارجية، عندما تتطلب مرحلة ما وظرف ما في المنطقة، إغداق الأموال على الأردن، تعيش القيادة السياسية وأتباعها في مؤسسات الدولة وفي السوق حالة رغد، في حين أن هذه ” الوفرة” المؤقتة، لا تنعكس إيجابا على مستوى معيشة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، وفي مراحل “شح ” المساعدات، وأيضاً بسب ظرفٍ ما، يبقى مستوى معيشة قوى التبعية في الحكم وفي السوق وفي صفوف المعارضة كما هو، وقد ينتعش أكثر كما هي الحالة الراهنة في الأردن: زيادة كبيرة لصالح كبار موظفي الدولة، رغم عجز الموازنة، ، بينما تسحق الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة،: زيادة الضرائب، تخفيض الخدمات الصحية والتعليمية، رفع الأسعار، رفع الدعم عن السلع الأساسية…الخ كونها وحدها من يتحمل وزر أزمة، لم تساهم في إنتاجها.

يتبع….

” كلكم للوطن والوطن لكم”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.