حمرا حمد
محمد عبدالكريم الزيود ( الأردن ) الجمعة 23/6/2017 م …
حمرا حمد …
تمر الطائرة من فوق عمان نحو تخوم الزرقاء ، تقترب أنت من النافذة وتلتصق بزجاجها ، فرح يلامسك وأنت ترى صحارى خو وحمرا حمد ، المرور لحظة بعمر الزمن والسرعة والفيزياء ، ولكن وحدك تتشبث بتلك النظرة ، وتطالع وحدك وجهها ، فقط العسكر يعرفون حمرا حمد ، من السماء تشاهد آثار جنازير الدبابات التي تدربت على رملها ، يعرف العسكر تلك التلال كعروق أيادي أمهاتهم ؛مرتفع ١٠١ ، مريجيب الفهود ، الأدعم … كأنك تسمع صوتهم هناك ، وتشم رائحة البارود مع الغبار وهدير المحركات وتشويش جهاز اللاسلكي ، وصوت قائد السرية ( مجموعة تسعة واحد الآن بسم الله )، تذكرهم وقد تكحّلت وجوههم بتعب المناورات ، لكنهم فرحين أنهم أصابوا أهدافهم بدقة ، حتى لو تأخرت ‘كونتيننتال الأرزاق’، وأصبح الغداء عشاء .
حمرا حمد صنعت وطنا بزنود العسكر ، لم تصنعهم عطور السكرتيرات ، ولم تصنعهم جماعة البرزنتيشن والان جي اوز ، هؤلاء الملتحفين بصخور الصحراء ، وفولاذ السلاح يعرفون وجع البلاد ، لم يدرسوا الوطنية في هارفرد ، ولم يحضروا ورشات الفنادق الخمس نجوم ، أنجبتهم تلك البوادي والقرى ، وعندما نادهم الوطن لبّوا النداء ، قدّموا دمهم رخيصا ، لم يتمننوا بتضحيتهم وغيرهم يحمّلنا جميلة بأنهم قبلوا بالمناصب ، هؤلاء لم يغادرهم الوطن ، ولم يغيّرهم الجوع أو الشبع ، لم يدرسوا في مدارس خاصة ولكنهم درسوا في مدارس الحكومة الفقيرة من كل شيء ، وحتى لو لم يأت معلم التاريخ فصلا كاملا ، عرفوا تاريخ الوطن ولم ينكروه يوما .
رجال حمرا حمر خرجوا من القرى والبوادي المنسيّة ، نعتوهم بالأقل حظا وقد صدقت الحكومة في هذه ، أقل حظا في الرواتب ، وأقل حظا في التعليم وفي مكاسب التنمية ، ولكنهم الأكثر حظا في العطاء بلا منّة ، والأكثر حظا أنهم صنعوا وطنا وحموه عندما غاب الآخرين .
يأتي صوت كابتن الطائرة بالتأكيد على ربط الأحزمة ، يقترب الهبوط من المدرج ، وتبتسم المضيفة بلا سبب ، تغيب حمرا حمدا وكل القرى والمدن ، ولكن لا يغيب الوطن ويبقى مشرقا في قلبك وقلب كل العسكر ملح البلاد.
التعليقات مغلقة.