يا قضاة مصر … لماذا ؟ (2) / ابراهيم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الثلاثاء 3/3/2015 م …

تعودنا أن نتابع مخرجات الدراما المصرية بسخفها غالباً وعمقها أحياناً نادرة ، وففي كافة الأحول فقد كانت الدراما المصرية تتميز بقربها من قلوبنا وعواطفنا وبيئتنا، فنحن وشعب مصر أبناء طينة واحدة وقومية واحدة ، يجمعنا معهم الكثير من هموم مشتركة وتاريخ ومستقبل وتفرقنا المصالح والأهواء والسياسية ، ومع أني كنت من متابعي تلك الأعمال إلا أنني لاحظت وكما لاحظ الجميع بأن مستوى التمثيل والانتاج والإخراج لتلك الدراما قد تدنى بشكل ملحوظ منذ ما سُمي بثورة 25 يناير / كانون الاول ، ولعل أقرب مثل على هبوط المستوى وتدنيه تلك المسرحيات التي يقدمها قضاة مصر ، فبعد سلسلة من أحكام الإعدام بالجملة ، إلى تبرئة رموز النظام السابق التي قامت ثورة أبناء مصر ضدهم ومن أجل تغييرهم ، إلى أن جاء الحكم باعتبار كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – تنظيماً ارهابياً ، وكان ذلك مقدمة للجزء الثاني من الحكم القاضي بمحاربة المقاومة فقد تبع ذلك الحكم وقبل يومين حكماً باعتبار حركة المقاومة الاسلامية ” حماس” حركة ارهابية مستندين في ذلك لمبررات اقل ما يقال عنها بأنها مبررات أوهن من خيوط بيت العنكبوت ، كرصد اتصالات هاتفية بالتهاني لمقتل 25 جندياً مصريا – على ذمة إعلام ونيابة مصر – إلى العثور على صاروخ لا يوجد ما يشبهه الا تلك الصواريخ التي لدى حماس ، وكأن من صنع تلك الصوريخ صنعها فقط لحماس وبامتياز حصري وكأن تلك الصواريخ قد هبطت لحماس من السماء ومنها خرجت لسيناء ، متناسين في ذلك أن تلك الصواريخ التي لدى حماس قد تم تهريبها الانفاق ومن خلال سيناء ، فالصورة معكوسة أصلاً ، أولم يتهم الاعلام الممصري افراداً من حزب الله بتهريب الاسلحة لحماس في الوقت الذي تم فيه اتهام حماس وحزب الله باقتحام السجون واطلاق سراح محمد مرسي وجماعته الذي انتخبوه رئيساً ثم انقلبوا عليه … ألم تصبح ثورة 25 يناير و30 يونيو في نظر الكثيرين من إعلاميي ومدعي الفقه السياسي في مصر عبارة عن اضطرابات وقلاقل وفوضى .. أولم يتم تبرئة حسني مبارك وولديه والعدلي ووزير النفط وسماسرة الغاز …. فذاك هو ما اصبحنا نسمعه ونشاهده من قضاة مصر في مسرحياتهم الجديدة هابطة المضمون والذوق والمستوى والإخراج الفاضح .

لقد كانت مصر العروبة سنداً ونصيراً لحركات التحرر الوطني في كافة الدول النامية بما فيها الدول العربية وذلك أيام زعيمها الراحل جمال عبد الناصر حين لم تكن مقاومة الاستعمار إرهاباً وحين كان الحق في الحرية والمطالبة بها حقاً مشروعاً يستوجب الدعم والمساندة ، أما هذه الأيام فقد انقلب كل شيء في مفاهيم الاعلام المصري الذي شن حملة شعواء ضد حماس وغزة وللاسف فقد الاعلام قضاة كانوا وإلى عهد قريب مصدر فخر وتقدير ، فالمقاومة أضحت إرهاباً يستوجب المحاربة ، ولعلني هنا أعيد إلى أذهان قضاة مصر بأن الكثيرين قد تكلموا عن مكافحة الارهاب وتوقفوا عند كلمة واحدة وهي تلك التي اختلفوا في تفسيرها ، ما هو ” الارهاب ” .. واستقر الرأي عند الغالبية العظمى من شعوب العالم ودوله وربما باستثناء الكيان الصهيوني وامريكا بان مقاومة المحتلين لا تعتبر إرهاباً ، بل هي حق مشروع لمن هم تحت الاحتلال ، وجاء الوقت الذي يتبع فيه قضاة مصر معارضي المقاومة حين اعتبروا مقاومة المحتلين إرهابا وكأنهم قد اصطفوا بشكل حاسم وقطعي مع الكيان الصهيوني وامريكا راعية الارهاب الاولى في العالم .

وسؤالي لقضاة مصر .. هل كان الحكم الذي اصدرتم حكماً قضائياً يستند إلى الاثباتات والأدلة أم كان حكماً سياسيا لم يراعي شيئاً إلا الانسجام مع القيادة السياسية والاعلام المتصهين في محاربته لحماس وللمقاومة حيث بتنا نرى المحطات الفضائية المصرية تروج لمحاربة حماس ، بل وتجاوز الأمر بحيث وصل بهم الأمر إلى المناداة بضرب غزة وكأن غزة ” العظمى ” وقوتها ” الضاربة الفتاكة ” عز الدين القسام وحركة حماس مصدر التهديد الأوحد لاستقرار مصر العروبة ووصل بنا الأمر إلى سماع أغانٍ هابطة تحارب حماس في حرب مسعورة ضدها بدلاً من أغنية ” أنا بكره إسرائيل ” ، واكاد اجزم بان الصارخين ضد حماس لايعرفوا عن حركات المقاومة شيئا ،  ولا يعرفوا عن الارهاب إلا ما اقتبسوه عن أبواق الصهاينة والامريكان ، فهم لم يخوضوا حرب تحرير سابقاً ولم يدعموا اي من حركات التحرير في العالم ، وهذا ما يثبته تصريحاتهم وتحليلاتهم وتبريراتهم لمحاربة حماس ولعل في قولهم واتهامهم لحماس بالتواطؤ باغتيال وقتل عز الدين القسام لاكبر دليل على ضحالتهم فكراً وانتماءاً ومعرفة …

أختلف مع حماس فكراً وبعداً سياسيا ، اختلف معها في اسلوبها وتفردها بالحكم وعدم اعترافها بالآخر ، أختلف معها في همينتها على أمور قطاع غزة بما يشبه الديكتاتورية المطلقة ، ولكني لا أستطيع أن أنكر كونها حركة مقاومة تحارب الصهاينة وتسعى لتحرير فلسطين ، كما لا استطيع نكران ما قدمته من شهداء وجرحى وأسرى في سعيها للحرية والاستقلال ، لقد صمدت حماس على رأس فصائل المقاومة الفلسطينية في مجابهتها للعدو الصهيوني مدة لم تستطع جيوش كبيرة الصمود عشرها – واحد من عشرة – فكانت وما زالت تستحق التحية والثناء والتقدر ورفع القبعة اجلالاً واحتراماً وتقديراً  لها والمنطق يقضي بأن نكون معها في مقاومتها للمحتلين لا أن نرفع عنها الغطاء ونقدم المبرر للصهاينة لضربها والاستفراد بها،  فحكم كالذي صدر عن القضاء المصري المسيس ، لا بد وان يحمل في طياته ذلك المبرر وتلك الحجة للصهاينة لضرب غزة وضرب حماس ، هذا وإن لم أكن متشائماً واقول بأن ذلك الحكم ينسجم مع الاصوات المتصهينة في الاعلام المصري حين تطالب بضرب غزة وسحق حماس .

ولعل ما يدفع للاستغراب وقوف ” السلطة الوطنية الفلسطينية ” صامتةً عن هكذا حكم وعدم تعليقها عليه أو استنكارها له وكأن ذلك الحكم قد طاب لها ، ولعلني في ذلك لا أبالغ فما سمعته من أنصار تلك السلطة يتوافق مع هذا الاستنتاج .. فالسلطة أصلااً وبقيادييها لا تعترف بخيار المقاومة المسلحة فهو خيار مستبعد وهي وباعتمادها خيار المفاوضات العبثية تتناقض أصلاً مع خيار المقاومة المسلحة ، وربما كانت السلطة في ذلك راضية عن هذا الحكم على أمل أن يفتح لها ذلك الطريق للعودة إلى غزة والسيطرة عليها من جديد بعيداً عن متطلبات التوافق الوطني والمصالحة التي رعتها مصر فيما سبق ، وهنا أقول أن من حكم على حماس بالارهاب سيأتي عليه اليوم الذي سيحكم به على كل مقاوم بالارهاب .. ولعلهم في القريب العاجل سيحكمون على حزب الله بهذه الصفة وعلى سلطة رام الله ان غيرت خياراتها أيضاً بذلك ناهيك عن حكمها  على دول تساند المقاومة …

وبكلمة أخيرة ومختصرة فإنني أناشد قضاة مصر وأنصحهم ، ” إن كان لي في ذلك حق وأقول ، ابعدوا القضاء عن السياسة واحكموا بالعدل معتمدين في ذلك على التحقيق المحايد والادلة القاطعة ولا تتنكروا لحقوق الانسان التي أقرت الحق ا في مقاومة المحتلين فلعلككم بذلك تعودون إلى سواء السبيل …

ابراهيم ابوعتيله

عمان – الاردن

1/3/2015   

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.