يحاولون تصفية قضيتنا
د. فايز رشيد ( الخميس ) 6/7/2017 م …
يحاولون تصفية قضيتنا …
مبادرة إسرائيلية جديدة للتسوية: دولة في غزة، وحكم ذاتي في الضفة الغربية وإقامة كونفدرالية مع الأردن، والقدس يهودية. تجيء المبادرة في وضع عربي مهترئ، ما يجعلني أستعير معاني الروايتيْ القصيرتين، لرائد الفانتازيا والسريالية في الأدب الياباني المبدع ياسوناري كاوباتا، في وصف الوضع العربي ومحاولاته تصفية القضية الفلسطينية.
للعلم، عاش هذا الروائي حزينا، إن بموت والديه وهو في سن الثانية، ثم شقيقته الوحيدة، واضطراره لخدمة جدّه المقعد مدة تسع سنوات، وفيها يصف التناقضات بين حبه لجده وتمنياته بموته. في قصته الثانية بعنوان «ذراع واحدة»، يتصور فتاة تقول لرجل «بمقدوري إعارتك إحدى ذراعيّ هذه الليلة، ثم ناولته ذراعها، وألقتها على ركبته». تناول الرجل ذراع الفتاة، وركّبها بدلا من ذراعه، التي خلعها، وغفى، اكتشف أنه نام نوما عميقا وهادئا، تحققت فيه كلّ أحلامه.
الحال العربي برداءته هو كالجد المقعد، السائر إلى الإنهاك على طريق الموت، حيث بات المواطن العربي يتمنى أن يركّب ذراع أيّ كان بدلا من ذراعه، علّ أحلامه تتحقق ولو في الحلم، لعلّه يستعير شحنة جديدة من التفاؤل، كي ينتصر على رداءة الواقع ووجعه.
محاولات تجري لتصفية القضية الفلسطينية. والدلائل على صحة ما نقول: انكفاء عربي عن مطلب إقامة الدولة الفلسطينية، مقابل انفتاح كبير على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وصولا إلى التجاوب معه في طرحه لأهمية قيام تحالفات اسرائيلية مع بعض الدول العربية المعتدلة. بمعنى أن دولة الكيان الصهيوني لم تعد نبتا غريبا في المنطقة العربية، بل إنها دولة مهمة من دولها. بتنا نشهد تحولا كبيرا في طرح العديد من السياسيين العرب، كالسعودي أنور عشقي مثلا (وهو رائد اللقاءات السعودية مع الكيان الصهيوني)، سواء في مقابلات تلفزيونية تُجرى معهم، أو في مقالات يكتبونها، من أن دولة إسرائيل تحوّلت من دولة عدوة إلى دولة صديقة. بتنا نشهد تعليقات لبعض الأعراب، على وسائل التواصل الاجتماعي، تشيد بالكيان الصهيوني، وتتساءل: ما الذي اقترفته اسرائيل بحق العرب؟ كل هذه الحملات الإعلامية الممنهجة، تنظمها جهات تحرص على نشر الأفكار الجديدة، وعلى أهمية الصداقة مع إسرائيل. يتزامن مع هذه السياسات الجديدة، إجراء سلسلة متغيرات جيواستراتيجية في المنطقة لصالح مصطلح «خدمة الأمن الإسرائيلي»: افتعال معركة مع قطر، وتناسي المعركة مع إسرائيل، التخلي عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية وما تعنيانه للكيان، تغييرات في الهيئة الحاكمة السعودية. بتنا نشهد ترويجا لمبادرات سياسية اسرائيلية، لم يطلقها الكيان كمبادرات، وإنما هي حلول قديمة جديدة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية مرّة وإلى الأبد، في ظل انكفاء عربي أيضا عن اشتراطات بعض البنود في ما أطلق عليها (مبادرة السلام العربية – قمة بيروت عام 2002) للتطبيع العربي النهائي مع دولة الكيان، إنه التطبيع المجاني وبلا ثمن.
لعلّ كاتب هذه السطور، هو من أكثر المتابعين لما يجري في الداخل الصهيوني بشكل عام، خاصة، لمؤتمرات هرتسيليا الاستراتيجية (منذ المؤتمر الأول عام 2000 وصولا إلى المؤتمر الـ17، الذي انعقد قبل عشرة أيام، وبالطبع لكافة المؤتمرات الاستراتيجية الصهيونية السنوية الأخرى) وبالاستطاعة القول: على الدوام، كان الشعار الإسرائيلي الأهم فيما يتعلق بوجود الدولة الصهيونية نفسه، في علاقتها مع الفلسطينيين والعرب هو، إيصالهم إلى حالة من اليأس والتيئيس عنوانها، الإدراك التام في استحالة مجابهتهم لإسرائيل، ومن ثم القيام بخطوات فعلية لتصفية القضية الفلسطينية، وبقبول علني منهم للتصفية. إن المتابع لمؤتمرات هرتسيليا السنوية، يلحظ بلا أدنى شك، حقيقة هذا الهدف. ففي المؤتمر الأخير 2017 وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، جرى التأكيد على، أن من مصلحة إسرائيل المحافظة على الأوضاع كما هي، حيث تتسم راهنا بالهدوء، ذلك بدلا من اللجوء إلى التسوية الدائمة.
المطلوب الآن هو تصفية القضية الفلسطينية، من خلال إقامة دولة للفلسطينيين في قطاع غزة وعلى جزء من سيناء، وإقامة علاقات كونفدرالية للضفة الغربية مع الأردن. هذا الطرح تناقلته وكالات الأنباء عن تصريح لعضو الكنيست عن الليكود أيوب القرا لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، من أن هذا المقترح سيطرحه نتنياهو على الرئيس الأمريكي ترامب (12 فبراير 2017). أعاد هذا التصريح إلى الأذهان، خبرا كانت قد نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي جالي تساهال، (8 سبتمبر 2014) يقول، إن الرئيس المصري السيسي، اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على قطاع غزة ونحو 600 كم مربــــع من سيناء، يتم ضمّها للقطاع. وعلى أبـــــــي مازن إذا ما وافق على المقترح أن يتنازل عن المطلب الفلسطيني بدولة فلسطينية على حدود الخامس من يونيو 1967، غير أن عباس رفض هذا الاقتراح.
الولايات المتحدة الأمريكية وبالتنسيق الاستراتيجي مع إسرائيل، هي من أوائل الدول التي دعت إلى فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها، أو في دولة لهم في سيناء، من خلال مشروع عُرف باسم «ماك غي»، وهو مستشار وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط عام 1949، توالت مشاريع التصفية فيما بعد من خلال بعثة غوردن كلايب عام 1949، ثم مشروع جون بلاندفورد عام 1951، فمشروع إريك جونستون سنة 1953. بعدها جاءت دراسة سميث وبروتي عام 1954 . ثم مشروع جون فوستر دالاس عام 1955، ثم توالت المشروعات الأمريكية بشــــكل شبه سنوي، وصولا إلى رؤية بيل كلينتون عام 2000، ثم جورج بوش الابن، وصولا إلى الرئيس الحالي ترامب، ولكن لم ينجح أيّ من هذه المشاريع الـ14.
من جانبها، طرحت بريطانيا مشروعا أيضا للتصفية عام 1955، لقد بلغ عدد المشاريع الإسرائيلية والعربية، التي طرحت 12 مشروعا، كان أولها من خلال «وثيقة ديفيد بن غوريون» عام 1949. كما مشروع إيجال آلون عام 1967 الذي دعى إلى فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء، استغلالا لظروف «عجز السلطات المصرية في فرض سيطرتها الأمنية في سيناء (وهي الحالة التي تشبه الأوضاع الحالية) ثم مشروع جيورا أيلاند سنة 2004، الذي دعى إلى تنازل مصر عن 600 كم مربع من سيناء بغرض توطين اللاجئين. أيضا خطة الصهيوني يوشع بن آريه عام 2013، التي تنص على أن تُمدَّد حدود قطاع غزة إلى حدود مدينة العريش لتضم مدينتي رفح والشيخ زويد لقطاع غزة، ومن ثم توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها. هذا الأمر، طرحته مؤتمرات هرتسيليا، في المؤتمر الثاني عام 2002، والرابع عام 2004، وفي المؤتمر الثامن عام 2008، وتوالى في مؤتمرات أخرى تالية، وصولا إلى العام الحالي 2017.
ما نقوله، ليس تخطيطهم قدَرا مفروضا علينا، مثلما أفشل شعبنا كل المخططات الهادفة إلى تصفية قضيته، سيفشل المبادرة الصهيونية الجديدة .تبقى التحية للأديبة المبدعة غادة السمان على ما ورد في مقالتها السابقة حول العمود السياسي والإشادة بكاتب هذه السطور، والتحية أيضا للفاضلين لأستاذ خليل أبو رزق والدكتور طارق طهبوب لتعليقيهماعلى مقالتي الأخيرة عن «مؤتمر هرتسيليا»، اللذين أغنيا المقالة.
التعليقات مغلقة.