مرتزقة “بلاك ووتر” يعودون إلى العراق بنسخة إماراتية

 

 

الجمعة 7/7/2017 م …

مرتزقة “بلاك ووتر” يعودون إلى العراق بنسخة إماراتية …

الأردن العربي – خرجت شركة “بلاك ووتر” للخدمات الأمنية الأميركية من العراق، بقرار برلماني، بسبب ما عرف حينها بـ”مذبحة ساحة النسور” في بغداد، منتصف سبتمبر/أيلول 2007، عندما أقدم عناصر الشركة، على فتح النار على سيارات مدنية تقل عائلات عراقية بحي المنصور وسط العاصمة، ما أدى إلى سقوط 41 مدنياً بين قتيل وجريح بينهم أطفال. قرار الطرد اعتبر حينها نصراً شعبياً للعراقيين. لكن الشركة عادت من جديد إلى العراق، عبر سلسلة استثمارات وعقود شراكة جديدة وبمبالغ مالية كبيرة تدفع بعضها حكومة بغداد والأخرى بطريقة الاستثمار، كان آخرها عقد ضخم لمدة خمس سنوات. غير أنها دخلت إلى السوق العراقية هذه المرة تحت اسم مختلف وعنوان آخر، وهو شركة “أوليف” للخدمات الأمنية أو شركة “الزيتونة للخدمات الأمنية”، وتملكها حكومة أبو ظبي، ويديرها حالياً نفس مؤسس “بلاك ووتر” الضابط السابق بالجيش الأميركي، إريك برنس، الملاحق قضائياً بتهم عدة، بينها جنائية وأخرى تهرب ضريبي.

برنس المؤسس والمشرف العام على عمليات وحركة هذه الشركة من مقر إقامته في أبو ظبي هو نفسه من يدير شركة (R2) للخدمات الأمنية في أبو ظبي أيضاً. وتم اعتماد الشركة الجديدة إماراتياً باسم (شركة الزيتونة للخدمات الأمنية) ودولياً تعرف باسم “شركة أوليف”. وعلى خلاف شركة (R2) التي تضطلع بـ”عمليات سرية” لصالح أبو ظبي في اليمن وليبيا وأفغانستان منذ عام 2013 بالتزامن مع ثورات الربيع العربي، بإدارة عليا من إرك برنس نفسه وتسعة من قادة وحدات عمليات “بلاك ووتر” السابقين، فإن شركة “أوليف” حصلت على اعتماد عالمي كشركة دولية إماراتية في أكتوبر/تشرين الأول 2013، من خلال ترخيص معتمد من قبل هيئة الترخيص الدولية، “إنترتك”، وفقاً لمعايير شركات الأمن الخاصة “PSC1“، بحسب تصريح مدير مجموعة الأمن في البيئات الأمنية المعقدة في شركة “أوليف”، الضابط السابق في البحرية الأميركية، بول جيبسون، الذي أكد أن “الشركة حصلت على الترخيص بموجب مراجعة معاييرها في الفحص والعمل الميداني والتدقيق للأفراد وعمليات شراء الأسلحة والتراخيص لحمل الأسلحة النارية وطريقة إدارتها”. لكن عملياً، شركة “أوليف” الأمنية هي “بلاك ووتر” التي طردت من العراق ومنعت من العمل بقرار صادق عليه البرلمان عام 2007، وتتخذ من مبنى قرب نادي الصيد وسط بغداد كفرع لعملياتها بالعراق.

مرتزقة بخدمة أبو ظبي

أحد الذين عملوا في الشركة، وهو أميركي من أصل لبناني، يدعى نبيل شداد، ويقيم حالياً في ولاية فلوريدا الأميركية، وافق على الحديث مع “العربي الجديد” عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من مقر إقامته، ويؤكد أن “أوليف” هي نفسها “بلاك ووتر”، لكن بنسخة إماراتية. وشداد لا يزال ينتظر من شركة “بلاك ووتر” أن تدفع له مبلغاً قدره 19 ألفاً و800 دولار أميركي، لم تسددها له، بذريعة تركه العمل قبل انقضاء مدة العقد معه. لكنه يدافع عن موقفه قائلاً “إنها أغلقت فرعها في العراق وسددت مستحقات الجميع إلا العاملين من أصول عربية وأفريقية بسبب ما اعتبره عنصرية الشركة. ويقول إن “بلاك ووتر عادت للعمل في منطقة الشرق الأوسط عبر شركتي أوليف و(R2) وهي مختصر اسم الشركة الكامل “ريفلكس ريسبونسس” من خلال أبو ظبي، وتدير لصالح الأخيرة عمليات ذات طابع استخباراتي في عدد من الدول العربية انطلاقاً من الإمارات.

ويضيف شداد أن “شركة أوليف باشرت نشاطها أول مرة بعد تعرض طائرة إماراتية في 27 يناير/ كانون الثاني 2015، إلى إطلاق النار قبل هبوطها في مطار بغداد، ما أدى إلى إصابة عدد من الركاب بجروح واختراق الرصاص هيكل الطائرة الخارجي”. ويتابع إن هذه الحادثة شكلت “بوابة دخول بلاك ووتر الأميركية مجدداً إلى العراق من خلال شركة أوليف الإماراتية، وعقدت أولى صفقاتها مع وزارة المالية لصالح الهيئة العامة للجمارك ثم تنظيم إجراءات موانئ البصرة على مياه الخليج العربي، ثم صفقة توريد عجلات مصفحة ضد الرصاص للحكومة وتوريد أجهزة مراقبة أمنية ومراجعة إجراءات الأمن في منشآت عراقية مختلفة، وعيّنت الشركة رجلاً يدعى كرستوفر كرفش، مديراً مفوضاً لها إذ تتولى أوليف أو الزيتونة مسؤولية عدد من الموانئ العراقية”، وفق روايته. ويرجح أن يتم جلب “المرتزقة الكولومبيين للعمل في العقد الجديد (طريق بغداد ـ عمّان) حال البدء بتنفيذه نهاية العام الحالي، كونهم الأقل أجراً، إذ يتقاضون شهرياً ما بين 3000 آلاف إلى 3500 دولار أميركي، ويعمل قسم منهم أيضاً في مدينة عدن اليمنية”.

ويؤكد شداد الذي لا يزال يحظى بعلاقة مع بعض زملائه السابقين العاملين حالياً في الشركة أن “أوليف هي روح بلاك ووتر، لكن الاسم يختلف فقط”، مبيناً أنها “تعمل خارج الإمارات، خاصةً في الدول العربية كشركة أميركية دولية للخدمات الأمنية مقرها الإقليمي أبو ظبي”. ويختم بالقول إن “شركتي أوليف وR2 في أبو ظبي تعتبران نتاج عملية تدوير بلاك ووتر”.

العمل في خدمة السياسة والأمن

وكان رئيس “بلاك ووتر”، إرك برنس، انتقل نهاية عام 2010 إلى أبو ظبي للإقامة فيها، بعد فشله في تبييض سمعة شركته دولياً وتراجع الصفقات المالية التي كانت الشركة تبرمها سنوياً، لا سيما في دول العالم الثالث التي تعتبر مصدر استثمارها الرئيس، على الرغم من تغيير اسمها إلى شركة “Xe Services“. وتكبدت بسبب ذلك خسائر كبيرة أعقبها حكم قضائي أميركي بسجن عدد من أعضاء الشركة لإدانتهم بجرم القتل من الدرجة الأولى لمواطنين عراقيين في بغداد. وجاء العقد الإماراتي مع رئيس برنس بمثابة “الإنقاذ لجيش المرتزقة” الذين حوتهم “بلاك ووتر” طيلة السنوات الثماني الماضية قبل تفككها عملياً في الولايات المتحدة. واستقدم برنس خيرة أعضاء “بلاك ووتر”، مثل توم ريكس الملقب باسم توم فوسين ومايك راكس وألفريد كيفن.

وتتألف شركة “أوليف” من جيش من “المرتزقة” يصل تعدادهم إلى أكثر من 3 آلاف عنصر وهم من 19 جنسية مختلفة يقيم منهم نحو 600 في الإمارات حالياً. ويشكلون كتيبة أمنية واسعة الطيف داخل أبو ظبي. وتضم عدداً كبيراً من العناصر الذين يحملون الجنسية الأميركية، ومن بينهم عسكريون سابقون بالجيش الأميركي غالبيتهم من الجمهوريين. وتضم أيضاً بريطانيين وأستراليين وأفراداً من دولة جنوب أفريقيا وعناصر يحملون جنسية إسرائيلية وكولومبيين، إضافةً إلى عشرات من عناصر الأمن الإماراتيين بصفة محقق أول ومحقق متدرب. وقسم منهم، وهم برتبة محقق أول، عملوا سابقاً مع الجيش الأميركي في أبو غريب بالعراق وأفغانستان. وكذلك عملوا في اليمن وليبيا خلال العامين الماضيين. كما تستقطب “أوليف” أشخاصاً من الجنسيات المحلية في الدول التي تعمل بها لكن ضمن مهام محددة.

وأنيطت بشركة “أوليف” خلال السنوات الأربع الماضية مهام عدة داخل الإمارات، مثل حماية المنشآت النفطية وناطحات السحاب وحراسة السجون وشراء الأسلحة ومراقبة المواطنين والمقيمين المسجلين كمشتبه بهم بما في ذلك التجسس على اتصالاتهم. وتورطت شركة “R2” الإماراتية بعمليات أمنية في عدة دول عربية مثل اليمن وليبيا وسابقاً في مصر، حيث شهدت أعلى معدل نشاط لها قبيل الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، وبعده. ويلاحظ على آخر إعلان لشركة “أوليف” نشرته صحف ومواقع إماراتية فتح باب التوظيف ضمن شروط عدة أبرزها إثبات أن المتقدم خدم بوظيفة عسكرية في بلده مع نسخة من تحصيله الدراسي، وأن يكون المتقدم للعمل ذكراً وعمره بين 20 و40 عاماً. وجعلت القبول مفتوحاً لكل الجنسيات.

خداع للشارع العراقي أم الحكومة؟

صحيح أن شركة “بلاك ووتر” بنسختها الإماراتية المعدلة دخلت العراق اليوم، وبشكل واسع بعدما كانت تعمل بشكل ضيّق في بعض المنشآت والمواقع الحساسة، لكن باسم شركة “أوليف” الأمنية، عبر صفقة تأمين طريق بغداد ـ عمّان. لكن عدداً من أعضاء البرلمان العراقي، من بينهم مستشار الأمن الوطني السابق، عضو لجنة الأمن والدفاع العراقية الحالي، موفق الربيعي، أرسلوا تقريراً إلى مكتب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، للمطالبة بإلغاء العقد مؤكدين أن الشركة الإماراتية “أوليف” هي نفسها “بلاك ووتر” وهناك عملية خداع للعراقيين. ووفقاً للتقرير الذي حصلت “العربي الجديد” على مقتطفات منه عبر أحد ضباط وزارة الداخلية العراقية، فإن هناك عملية “خداع” مارستها شركة “أوليف” في تقديم عرضها لحماية الطريق الدولي الرابط بين بغداد وعمّان مطلع أبريل/نيسان الماضي، إذ قدمت أوراقها باسم شركة أمن عالمية أميركية مقرها في أبو ظبي. وبحسب الضابط العراقي الذي سرب بنود التقرير فإن أفراد الشركة متورطون بعمليات غير أخلاقية لصالح أبو ظبي في دول عربية مختلفة، وهو ما دفع إلى المطالبة من رئيس الوزراء بإلغاء التقاعد معها.

ولا يمتلك العراقيون الخبرة الكافية في معرفة أصل الشركة أو نشاطها في الدول الأخرى، إلا أن المسؤول العراقي يفصح عما وصفها “مساعدة من أصدقاء في إحدى الدول، أوضحوا حقيقة هذه الشركة وتفاصيلها”. ويضيف “تم الاتفاق مع الشركة في الأردن التي أدت دوراً في إتمام الاتفاق بسبب حاجتها الملحة لإعادة افتتاح طريق بغداد – عمان لإعادة تدفق النفط الخام من العراق واستئناف القناة الجافة بين البلدين التي بلغ حجم تبادلها التجاري بين البلدين 12 مليار دولار عام 2013، قبل اجتياح تنظيم “داعش” مدن شمال وغرب العراق وإغلاق الطريق بسيطرتهم على الأنبار. وجرى توقيع العقد في بغداد بحضور صهر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رجل الأعمال جاريد كوشنر، خلال زيارته بغداد في شهر أبريل/ نيسان الماضي.

وكان الربيعي قال في حديث سابق لمحطة تلفزيون “الاتجاه” العراقية التي تبث من بغداد، إن “بلاك ووتر” غيرت اسمها بداية الأمر إلى شركة “كونستالس”، ومن ثم إلى “أوليف”، وباتت جاهزة للعودة بحلتها الجديدة إذ تمكنت من الحصول على مناقصة استلام وصيانة وتأمين الخط الدولي الذي يربط بغداد مع عمّان”. وتحيط مقر الشركة إجراءات أمنية مشددة تمنع وصول الصحافيين إليها للتحقق من هويتها، إذ رفض أفراد الأمن المنتشرون خارج المبنى السماح لفريق “العربي الجديد” في بغداد من الدخول للقاء المسؤولين فيها.

والشخص الذي نجح بالهروب من مطار بغداد نهاية عام 2007 خشية اعتقال السلطات القضائية العراقية له عقب مذبحة النسور، ويدعى إدوارد تروي، هو نفسه أحد الذين سيديرون تنفيذ عقد الشركة مع العراق، في ما يتعلق بالطريق الدولي السريع مع الأردن. ووصل أخيراً إلى عمان لترتيب بعض الجوانب اللوجستية للعقد الجديد، لكن موقعه الدائم سيكون في أبو ظبي، حيث مقر الشركة الذي يقع بمنطقة السفارات في مبنى مستقل تجاوره منازل كبار مسؤولي الشركة. ويوجد مجمع سكني مشترك للعاملين الأمنيين، غير بعيد عن مقر الشركة. وتكاد المنطقة تكون بمثابة مربع مغلق للشركة وعامليها. وبرز منهم في أبو ظبي كمسؤولين عن تطوير جهاز الشرطة المحلية وعمليات الرصد وتحليل المعلومات، شخصيات كثيرة مثل ضابط القوات الخاصة البريطاني السابق جيمس فينش. وبالعودة إلى سجلات الاستخبارات العراقية حصلت عليها “العربي الجديد” بمساعدة ضباط عراقيين، فإن فينش حمل رقم AQ780065 في وثيقة ترخيص قدمتها له وزارة الداخلية العراقية عام 2005، كعنصر شركة أمن أميركية وهي “بلاك ووتر” وألغي الترخيص الخاص به بعد طرد الشركة من العراق.

وبالعودة إلى بغداد فيلاحظ أن المسؤولين العراقيين بدءاً من المتحدث باسم الحكومة، سعد الحديثي، مروراً بمحافظ الأنبار صهيب الراوي، وصولاً إلى رئيس لجنة الأمن والدفاع، حاكم الزاملي، ومسؤولين آخرين مثل نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، (الحكومة المحلية) فالح العيساوي، يلتزمون بعبارة “شركة أمن أميركية خاصة”. ويزيد بعضهم عبارة تعمل لأول مرة في العراق خلال إعلانهم عن الاتفاق مع شركة “أوليف” التي يقول عنها حاكم الزاملي إنها “ستعمل بشكل استثماري تختلف عن الشركات التي عملت سابقاً بالعراق في مجال الأمن”. وهذا ما يؤكد حديث موظف “بلاك ووتر” السابق، نبيل شداد، بأنها تعمل خارج أبو ظبي على أنها أميركية نظراً لجنسيات مسؤوليها وعلاقاتهم مع سفراء ودبلوماسيين أميركيين عاملين بمنطقة الشرق الأوسط التي هي بيئة عمل الشركة حالياً. ويضيف الزاملي، في حديث سابق لـ”العربي الجديد”، أنه “تم توقيع العقد مع الحكومة أخيراً، والطريق الدولي سيجني أموالاً طائلةً وهذا أول استثمار للحكومة في القطاع الأمني إذ ستوفر الشركة الأمن والخدمات على الطريق، لذلك يجب أن تبقى الشركة تعمل تحت نظر الحكومة وإشرافها”. ويتابع قائلاً “طالبنا الحكومة بأن تكون يقظة وتأخذ ضمانات من الشركة، خاصةً أنها المرة الأولى التي سيتم التعامل مع شركة كهذه في مجال أمن الاقتصاد العراقي”. ويبيّن أن العقد مدته خمس سنوات ويتضمن عملية صيانة الطرق وترميم الجسور وبناء محطات استراحة ومراكز مراقبة أمنية ومحطات وقود ومطاعم مختلفة على طول الطريق قبل البدء باستئناف استخدام الطريق، مضيفاً أن الشركة ستستقدم مروحيات مراقبة وأخرى مسلحة لضمان وقف هجمات المسلحين.

وفي هذا الإطار، يرجح القيادي في “التيار المدني العراقي”، حسام العيسى، علم الحكومة العراقية بهذه التفاصيل، غير أنها تغاضت لأسباب سياسية لا تتعلق بالإماراتيين بل بمن يقود مفاصل الشركة من الأميركيين. ويضيف لـ”العربي الجديد” أن “مشاركة جاريد كوشنر الذي على ما يبدو له مصلحة مالية في ذلك، بعملية التفاوض واضحة”. ويؤكد أن “القوات الأميركية في العراق تعرف هذه الشركة جيداً وستتعاون معها بل وتسهل عملها مع الحكومة، كما أنها سبق وأن تعاملت معها في بيئات مختلفة مثل أفغانستان والعراق أيضاً”. ويخلص إلى أنه “من مصلحة الجيش الأميركي وجود شريك معروف له أفضل من آخر جديد لا يملك أي فكرة عن التعامل معه في محافظة مثل الأنبار، حيث يوجد نحو 3 آلاف جندي أميركي”، مبيناً أن “المخدوع، في القضية، عراقيون وليس الحكومة”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.