أين رحلت الـ ((غرابيب سود )) ؟

 

 

د. تيسير مشارقة ( الأردن ) الثلاثاء 11/7/2017 م …

أين رحلت الـ ((غرابيب سود )) ؟

هناك اعتقاد بأن قوّة المقدس أخطر من قوّة المسدّس. وهذا ما قاله لنا المسلسل التلفزيوني (غرابيب سود)، ولا نعرف حتى الآن ما هو تأثير العنف المرصود في هذه الدراما على المشاهدين من مختلف الأعمار. كما نحن لا نعرف أيضاً أين رحلت ‘الغرابيب السود’ بعد هزيمتها الأخيرة؟ لنكتشف من خلال الحلقات العشرين أن تلك الحالات، هي’حالات مرضية’، ينبغي الحجر على من تبقّى منهم وإخضاعهم للعلاج وإعادة تأهيلهم، لكي لا تنتقل عدواهم إلى الآخرين.

إن حجم التأثيرات النفسية ‘كبير’ إثر تلقي الجرعات العنيفة، التي قدّمتها دراما (غرابيب سود). وربما هي وجبات عنف مبالغ فيها، أو هي جرعات مُخفّفة من حجم ‘العنف الأصلي’ الذي مارسته داعش فعلاً.

ما يعرفه علماء الإعلام الإجتماعي، أن هناك تأثيرات نفسية ‘بالغة الأثر’ على الجمهور الحساس (الأمهات وكبار العمر والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وربما الشباب). والتأثير قد يكون ‘فَوْريّاً ‘، أو قد يظهر في ‘مرحلة لاحقة متوسطة’ ، وهناك تأثيرات على’المدى البعيد’.. لهذا، وجدنا التحذير المكتوب مطلع كل حلقة من حلقات المسلسل، بأن الحلقة قد تحتوي على لقطات عنيفة. ـ

إجمالاً ، لا يمكن رصد التأثير متوسط المدى أو بعيد المدى، لأن أجل ذلك لم يحن بعد. ونحن نحتاج إلى وقت طويل لرصد التأثيرات والتحوّلات المتأخرة. ما يمكن رصده الآن من تأثير، هو ما يمكن رصده أو جمعه من خلال استطلاع للرأي مباشر لجمهور تلقّى حلقة معينة من غرابيب سود.اي من خلال رصد او فحص ‘مختبري’؛ بذلك نحصد الأثر فوراً، وهو أثر معرفي ملفوظ وهو في الغالب يتناول الجانب ((المعرفي)) وليس ((العاطفي)) أو ((السلوكي)).ـ

ولكن ، ماذا قدّمت لنا دراما ‘غرابيب سود’ ؟ـ

1ـ قدّمت الحلقات العشرين للجمهور العربي جرعات هائلة من العنف غير المسبوق أو غير المنظور .

2ـ كشفت لنا الصراع الداخلي بين قادة داعش.

3ـ أظهرت لنا خيبة الأمل من الدولة الإسلامية وتنظيمها (داعش)، وأن هذا التنظيم الإرهابي لا يمثل الإسلام الحقيقي أو المعروف لدى الناس.

4ـ بينت لنا نوازع الشر والنفاق والأباطيل الكثيرة عند التنظيم ودولته، وكذلك ظهر حب المال والرغبة الطائشة للجنس.

5ـ وضّحت الحلقات العشرين حجم الإختراق الأمني لهذه الدولة المزيّفة ، وبطلان كل الاحتياطات الأمنية والأسوار الحديدية التي تقوم (عصابة ) التنظيم ببنائها حول نفسها.

6ـ ظهر أن الموت قيمة كبرى لدى قائد ‘الدولة ‘(الملقّب : أبو طلحة)،والحياة لا معنى لها.

7ـ لقطات ومشاهد كثيرة أظهرت لنا عمليات إجرامية قامت بها داعش، مثل اعتقال الشهيد معاذ الكساسبة وإظهار العلم الأردني كمشارك في جبهات القتال. وأظهرت مشاهد أخرى عمليات القتل الجماعي (بالجملة لأشخاص يلبسون البرتقالي).

8ـ استغلال الأطفال وإرهابهم وغسيل أدمغتهم وإقحامهم في عمليات قتل طمعاً بالجنة والنجاة من النار (جهنّم).

9ـ استغلال النساء في جهاد المناكحة المزيّف، وأظهرت الحلقات النساء مسلوبات الإرادة والمغتصبات والمتمردات اللواتي تعرضن للقتل الفوري.

10ـ الصراع على القيادة واستغلال النساء والأطفال جنسياً، أظهر لنا جوانب معتمة للتنظيم المافيوي العصاباتي لهؤلاء الأشخاص منزوعي الرحمة الذين تلوّثت نفسياتهم وأيديهم بالدم.

وأشياء أخرى.

بقي أن نقول ، إن هناك قراءات نقدية كثيرة عميقة وسطحية ظهرت حول المسلسل. ولم نقرأ بعد مقالاً نقدياً معمّقاً يناقش المعروض ويقارنه بالواقع، أو يتناول آليات العرض والأسلوب الفني وأداء الممثلين وعمق الصورة والتكوينات البصرية والمشاهد واللقطات والكوادر(فريمات) وزوايا التصوير وحركة الكاميرا، أي لغة الشاشة في الدراما.كما لم نر تحليلات ودراسات تتناول الآثار المعرفية والعاطفية والسلوكية على المتلقي. ـ

انتقادات كثيرة عبر منصّات التواصل الإجتماعي، لأن المسلسل خلافي وجديد ولأنه أول دراما تتحدث في كل حلقاتها عن ‘تنظيم الدولة'[ داعش]. و كان ينبغي أن يتناول نقاد السينما والتلفزيون عنوان المسلسل(غرابيب سود) [كان من الممكن أن يحمل المسلسل عنوان ‘بالذبح جئناكم’]، وفكرته ، والجمهور المستهدف، والمعالجة البصرية والفنية للفكرة والسيناريو ، والجهد المبذول في الصناعة والمعالجة الدرامية.ـ

أخيراً ، اقتصر اللغط حول عدد الحلقات الحقيقي للسلسلة التلفزيونية.. ولم نقرأ تقييماً نقدياً حقيقياً للعمل والجهد المبذول فيه من قبل كوادر تلفزيونية من كافة الأقطار العربية. التناول النقدي كان للقشور ولم يقترب ليناقش المضمون والفكرة والأداء. ـ

ـــــــــــــــ

بطاقة تعريف بالمسلسل الرمضاني ‘غرابيب سود’:

بلد الإنتاج :المملكة العربية السعودية

عنوان الدراما التلفزيونية: غرابيب سود (رمضان ـ 2017 )

تأليف : لين فارس ، عبد الله بن بجاد العتيبي (الإشراف على المضمون)

الإنتاج : إنتاج شبكة (أم بي سي) التلفزيونية العربية. وتنفيذ شركة ‘صبّاح بيكشيرز’ الكويتية وشراكة مع منتجين محليين آخرين.

المخرجون: عادل أديب، وحسام قاسم الرنتيسي، وحسين شوكت ، وكنان اسكندراني (مخرج منفذ) وسعاد الهجان (مخرج منفذ) ، وسعد رياض (مخرج مساعد).

مونتاج: أمير أحمد .

تصوير : محمد مختار، محمد فوزي، يوسف هزيم.

مكان التصوير : لبنان ، في أرض وعمارة بين مدينة عاليه و مدينة صور .

الممثلون الرئيسيون :راشد الشمراني ، سيد رجب ، دينا ،محمود بوشهري، مرام البلوشي، محمد الأحمد (في دور أبو طلحة)، عزيز خيون ، شادي الصفدي (أبو مصعب)

توقف مسلسل غرابيب سود بعد الحلقة 20 على شاشة الـ أم بي سي الأولى، وذلك لأسباب غير معروفة منها : أ)طلب رسمي سيادي بإيقاف العمل، ب) طلب من أهل الشهيد معاذ الكساسبة، ج) تهديدات من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) د ـ مشاكل انتاجية تتعلق بأجور العاملين في المسلسل هـ ـ (التداعيات تصل تباعاً). رحلت #غرابيب_سود دون أن تترك أثراً، ولكن إلى أين؟!!! ـ

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.