بعد اليونسكو إنتصار الخليل مرة أخرى / حمادة فراعنة

الأربعاء 12 / 7 / 2017 م

الأردن العربي

بعد اليونسكو إنتصار الخليل مرة أخرى / حمادة فراعنة

ليس كلاماً فاضياً بل هو قرار مليان ” القرار الذي أصدرته منظمة التربية والثقافة والعلوم اليونسكو يوم 7/7/2017 ، بإدراج مدينة الخليل وأثارها بإعتبارها جزءاً من التراث الإنساني الذي يجب الحفاظ عليه وحمايته ، إمتداداً لسلسة قرارات شملت : 1- البلدة القديمة في القدس وأسوارها ، 2- بيت لحم مكان ولادة السيد المسيح بما فيها كنيسة المهد ومسار الحجاج ، 3- بتير : فلسطين أرض العنب والزيتون ، فالقرار يؤكد على أن مدينة الخليل مدينة فلسطينية محتلة ، لا يحق لسلطة الإحتلال تغيير معالمها ، فهو يُعيد تأكيد حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه وتراثه ، وهو يوجه صفعة للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي مثلما وجه صفعة مماثلة لجبروت الولايات المتحدة وسياستها وسفيرتها نيكي هايلي العنصرية المؤيدة للإحتلال العسكري الإسرائيلي ، والمعادية لحقوق الشعب العربي الفلسطيني السياسية والوطنية والقومية والإنسانية .

 القرار إنتصار فلسطيني وعربي وإسلامي وأممي لكل من يؤمن بالعدالة وإنصاف الشعب الفلسطيني ، ولهذا فهو مليان وإيجابي وإضافي ، ولهذا رفضته تل أبيب ، وإتهمت اليونسكو بالإنحياز للفلسطينيين وأن قراراتها مسيسة ، بعد أن فشلت حكومة نتنياهو في إحباط مشروع القرار ، وعملت على عدم إصداره ، بل ذهبت إلى محاولات تأكيد أن التراث الخليلي الفلسطيني تراثاً يهودياً ، في محاولة لتغيير ليس فقط معالم المدينة العربية الفلسطينية ، بل وتغيير تاريخها بإضفاء صفة يهودية وهوية إسرائيلية للمدينة وتراثها وأهلها .

صحيح أن القرار لن يحم الخليل من مواصلة الإحتلال ، ومواصلة الإستيطان ، وهو لن يوفر للشعب الفلسطيني مظلة حماية وصمود له على أرضه ، بل سيبقى عُرضه لإجراءات الإحتلال العسكري ، ولإجراءاته التعسفية ، ولعنصريته ولبطش المستوطنين وعدوانيتهم ، ولكن القرار يعكس تفهم المجتمع الدولي لعدالة القضية الفلسطينية ، وشرعية مطالبة شعبها ، وهو تفهم وتحول يسير بشكل تدريجي ، وإن كان بطيئاً ولكنه تراكمي يتطور على ما قبله من خطوات مهما بدت صغيرة متواضعة ولكنها مداميك على الطريق الموصل إلى إستعادة كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني على أرضه : حقه في المساواة ، وحقه في الإستقلال ، وحقه في العودة .

ومثلما هو تحول وتفهم إيجابي لصالح الشعب الفلسطيني فهو بالمقابل يعكس تراجع التأييد الدولي للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي بشكل تدريجي وتعرية إجراءاته وفضحها أمام المجتمع الدولي ، فكل خطوة بإتجاه فلسطين هي خطوة بإتجاه التراجع عن ” إسرائيل ”  تلك هي المعادلة التي يجب إدراكها والتعامل على أساسها .

لقد نجحت الصهيونية ومشروعها الإستعماري بفعل عاملين : أولهما  مبادراتها التنظيمية والسياسية ، وثانيهما دعم المجتمع الدولي لها ، من قبل الطوائف اليهودية ، وأوروبا ، وأميركا ، بالمقابل لم يحظ الشعب الفلسطيني بقوى مساندة وروافع قوية تدعم مبادراته ، وهنا تكمن أهمية ترابط المعادلة الوطنية عبر الفعل الفلسطيني مع المواقف الدولية والعمل على كسب مزيد من الإنحيازات من بين صفوفها لعدالة الحقوق الفلسطينية وشرعيتها ودعم إستعادتها .

ولم تمضى أكثر من 24 ساعة حتى تنتصر الخليل مرة أخرى ،  الخليل المدينة والشعب والهوية والتاريخ والمعالم ، بهويتها الوطنية الفلسطينية ، وقوميتها العربية ، وبديانتها الإسلامية ، تنتصر على الجلاد ، على المستعمر ، على نتنياهو ، على المستوطنين والمستوطنات وعلى مندوبة الولايات المتحدة السفيرة نيكي هيلي ، تنتصر مرة أخرى بعد اليونسكو ، وها هي تنتصر يوم السبت 8/7/2017 ، بإنقاذ الشباب الخلايلة لعائلة يهودية ، إمرأة وأطفالها الصغار ، تم إنقاذهم من بطن سيارة تعرضت لحادث سير مع سيارة فلسطينية ، إنقلبت على جانبها ، وتسجيل شريط فيديو لمسلسل إنقاذ المرأة وأطفالها الجرحى سجله شاهد عيان ، وكان شباب الخلايلة يحدثونهم بالعبرية أن إطمأنوا ، لا تخافوا ، ستصل سيارة الإسعاف ، وبكل الود والإحترام الإنساني تم معاملة سيارة عائلة المستوطنين المدنيين ، لم يكونوا مسلحين ولكنهم كانوا مزودين بالخوف والرهبة ليس فقط من أثار الحادث الذي تعرضوا له ، بل خوفهم وخشيتهم من المس والأذى على أيدي الفلسطينيين الخلايلة الذين وفروا للعائلة اليهودية الأمن والأنقاذ والمعاملة اللائقة بهم كبشر لا ينتمون لمعسكر العدو ، حتى وإن كانوا كذلك ، ولكنهم ينتمون لمعسكر البشر ، للإنسانية ، التي تضم كل من يعيش على أرض فلسطين من المسلمين والمسيحيين واليهود والدروز ، ففلسطين كانت ولا تزال وستبقى للجميع ، لكل المؤمنين الذين يؤمنون بالعدالة والمساواة والشراكة ، وأن الخير والسلام والشراكة أقوى من الحقد والكراهية والعنصرية التي صنعتها ورسختها وولّدها المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض شعب فلسطين ، فالشعب الفلسطيني لم يكن في أي يوم من الأيام من المسلمين وحدهم ، أو المسيحيين وحدهم ، أو اليهود وحدهم ، أو الدروز وحدهم ، بل كان الفلسطينيون خليطاً من هؤلاء عاشوا بلا نزاع ، بلا حقد ، بلا عنصرية ، قبل قيام المشروع الإستعماري الصهيوني الذي دمر حياة الفلسطينيين بإحتلال أرضهم ، وتشريد نصفهم إلى خارج وطنهم الذي لا وطن لهم سواه ، وزرع الإنقسام والكراهية والعنصرية بين البشر ، ولهذا سيهزم كما هُزم في اليونسكو ولو بعد حين .

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.