لواحظ عبد الهادي: الدخول في حيِّز الذاكرة

 

 

د. فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الخميس 13/7/2017 م …

لواحظ عبد الهادي: الدخول في حيِّز الذاكرة …

رحلت الرائدة عن عالمنا؛ لكن ذكرياتها وأحلامها بقيت حيّة، روت عن حياتها منذ الطفولة؛ فكشفت، وأضاءت، وأضافت إلى التاريخ المكتوب، الذي يؤرِّخ لنضال الشعب الفلسطيني بشكل عام، ونضال النساء الفلسطينيات، ومشاركتهن السياسية منذ الثلاثينيات بشكل خاص.

رحلة كفاح بدأت في نابلس- حيث ولدت 1927- واستمرَّت في نابلس، حتى رحيلها في 15 حزيران 2017.

*****

فتحت «لواحظ عبد الهادي» عينيها على أحداث ثورة 1936؛ رصدت اعتداءات الإنجليز على الفلسطينيين، ومقاومة الثوار للاعتداءات، وروت عن مساندة الشعب للثوار، بمن فيهم الأطفال: «كنا أطفال، نعرف إنه الإنجليز يداهموا البيوت، ينسفوها، يلاحقوا الثوار في الجبال. في سنة 36 كان العمل تحت الأرض؛ لذلك كانوا دايماً يتخفّوا لما تجي دورية إنجليزية للشوارع. نابلس كلها أزقّة وبيوت متلاصقة، فكانوا على طول يقدروا يتخفّوا في أي مكان يوصلوا له إذا اجت دورية. علَّمونا أهلنا إنه إذا شفنا دورية جاي من أي مكان؛ نصيح: العباية. الأولاد كلهم يصيحوا: العباية. كأنها كلمة سر للثوار».

كما كانت شاهدة على المشاركة السياسية للنساء الفلسطينيات عام 1936، والتي تمثلت بالقيام بدور تمويني سرِّي للثوّار بالجبال:

«كنا نروح أنا وإخوتي نقضي أسبوع عطلة عند دار جدّي في عرّابة. يجوا رجال يتجمَّعوا كل يوم في الديوان، في هديك الفترة كانوا الثوار بالجبال. فجأة ما تشوفي إلاّ البلد تحرَّكت، كيف تحرَّكت؟ ما نفهمش! نشوف بآخر النهار ستات حاملين على رأسهم صواني مغطَّية، يكونوا طالعين للثوار. الناس تحكي همس، يطبخوا ويطلعوا».

وحين تتذكَّر الثوّار؛ تذكر دورهم الدفاعي عن قراهم، ودورهم الإسنادي للقرى المجاورة، وتتحدَّث بإعجاب شديد عن حسّ التضامن العالي بين الناس، والذي تجسَّد في إضراب العام 1936:

«كان فيه مؤازرة كبيرة بين الناس، وكانت السرّيّة والأمانة والثقة موجودة. كان اللي يستشهد في المنطقة؛ يدخلوه على أقرب جامع، بدون ما يقولوا لا مين هو ولا مين أهله! لكن فجأة ما تحسِّي إلاّ كل القرى بَدوا ييجوا على القرية اللي فيها الشهيد. كل الناس يبكوا بدون كلام، ما في حدا يعرف مين أمّه! مين أخته! مين زوجته! لأنّه كانوا يقولوا: إذا انعرَف مين أهله بعتقلوهم، وبينكّلوا فيهم. خلال إضراب الست شهور، كان ممنوع أيّ سيارة تمشي. كانت الطرق خطرة: الإنجليز في كل مكان، الناس ما تجازف إلاّ إذا كانت مضطرّة، ولذلك كان اعتماد الناس على أنفسها. في كل مكان صار فيه اكتفاء ذاتي، النساء ساعدوا في الاقتصاد المنزلي. كانوا يتحملوا حمل كبير. في هديك المرحلة الكل بيستنّى الحرية والاستقلال. بقيت هذه الحالة حتى انتهى الإضراب.

وسط الإضراب كان والدي يطلع من شان يجبلنا بيض، ودجاج. كنت كثير أرافقه لإني كنت كبيرة إخوتي. نركب الفرس نطلع نجيب الأغراض ونرجع».

*****

ومن تراكم الوعي زمن الطفولة، إلى الوعي السياسي زمن الشباب، في دار المعلمات في القدس 1945-1946؛ إلى المساهمة في العملية التربوية باقتدار، زمن الشباب وزمن الكهولة، في مدرسة العائشية بنابلس 1946-1957، وفي كلية البنات في عدن 1957-1960، وكموجِّهة في مدارس وكالة غوث اللاجئين في الخليل 1964-1967، ثم في نابلس، حتى تقاعدها 1987.

ولم يقتصر عملها على الجانب التربوي؛ بل ساهمت في النشاط الاجتماعي السياسي، من خلال رئاسة جمعية الاتحاد النسائي العربي بنابلس 1992-2000، ورئاسة فرع الشمال في اتحاد المرأة الفلسطينية في فلسطين 1987-1993.

تأثَّرت الرائدة بأستاذتها في دار المعلمات: الأديبة «سلمى الخضرا»، وبالرائدة «طرب عبد الهادي»، والمناضلة «تودد عبد الهادي»، وبدأت عملها التطوعي منذ كانت معلمة في مدرسة العائشية بنابلس. ومن خلال شهادتها يتبيَّن دور نشط للنساء في الهبّات الجماهيرية بعد قرار التقسيم:

«ورا التقسيم، لما اجوا اللاجئين على نابلس؛ السيدات انخرطوا بمساعدتهم وتقديم خدمات اجتماعية. شاركت. كنت معلمة في المدرسة العائشية، فيه مجموعة من الطالبات والمعلمات تطوَّعت إنها تقوم بخدمتهم، وفعلاً بدينا نأمّن الأكل، نأمّن حرامات فراش، هذا كان من أهل البلد. في هذه الفترة كان فيه جمعية الاتحاد النسائي، ورئيستها الحاجة «عندليب العمد». استطاعت إنها تجمع بعض الأطباء يعملوا دورة في الهلال الأحمر. كان فيه مجموعة من الستات ادَّرَّبوا: «فاطمة أبو الهدى»، «جيهان المصري»، «باهر ملحس».

وفيه ثلاث معلمات من العائشية: أنا، و»إنعام عبد المجيد»، و»حورية العزيزة»، ومن الطالبات: «غانية ملحس»، و»سلافة حجاوي»، و»ندية العبوة»، و»سهام عايش». هذا الجهد المحدود اللى استطعنا تقديمه في هديك الفترة.

*****

بالإضافة إلى العمل التربوي والاجتماعي السياسي؛ عملت الرائدة بشكل نشط في العمل النقابي، والعمل الجماهيري، متحدية بعض الأعراف المجتمعية التي كانت سائدة آنذاك:

«كانوا المعلمين طبقة واعية في هديك الفترة، إلهم حقوق ومطالب. بما إنه كنا معلمين؛ حاولنا نعمل نقابة سرِّية للمعلمين سنة 56؛ لأنه العمل النقابي كان ممنوع هديك الفترة. مكنش العدد كبير بما إنّه العمل سرّي، كان معي: «عبد الله الخطيب»، و»يسرى صلاح»، و»إنعام عبد المجيد». أوائل 57 لما صار ضغط شديد؛ فرضت أحكام مشددة مقدرناش نواصل عملنا في هديك المرحلة.

سنة 56 صارت مظاهرة ضد مشروع آيزنهاور، في هاي الفترة إحنا كنا محجّبات، (الحجاب كان المقصود فيه اللي على الوجه) كان فيه مجموعة من الستات قبلها بفترة قصيرة قايمين الحجاب. كنا في مظاهرة، طب كيف بدنا نطلع على المظاهرة وإحنا محجّبات؟ لقيناها صعبة، كان والدي متعصّب، رحنا له أنا وأختي «رغدة»، قلنا له: بدنا نطلع اليوم في مظاهرة فيها ستّات رح يطلعوا؛ لكن شفنا مش من المناسب إنه نرجع نحطّ الحجاب الأسود على وجهنا. لأوّل مرّة بَشعر إنه والدي سكت ما اعترض، من وقتها نزعت الحجاب».

*****

الرائدة الغالية،

منذ الثلاثينيات وأنت تنتظرين الحرية والاستقلال، ورحلتِ دون تحقيق الحلم.

نعدك أن نواصل العمل، دون كلل أو ملل؛ تحقيقاً لحلمك وحلم الملايين من الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات.

وسوف تبقى إسهاماتك وإسهامات الرائدات الفلسطينيات منارة لنا وللأجيال القادمة.

[email protected]

www.faihaab.com

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.