المدينة الطبية ….راوية الشعب وقصته / د.مهند مبيضين
د.مهنّد مبيضين ( الأردن ) الأربعاء 4/3/2015 م …
أمس صادفني سيدتان من لواء الكورة في زيارة دورية للمدينة الطبية، السيدتان بعد ايصالهما لمبنى العيادات الخارجية، سردتا قصة طويلة من المعاناة والمرض ورحلة الاستشفاء المستمرة، وهذا حال الجميع ممن يصلون للمدينة الطبية طاوين في ملفات المرض قصص الوجع والألم التي لا تطمئن إلا بالجيش.
لسبب ما، ولوجودي في المدينة لحالة خاصة، قال لي طبيب هناك أن الخدمات الطبية تعالج نحو 48 % من الناس، واليوم توسع علاجها ليشمل الإعفاءات والمدنيين في المدن التي ليس فيها مستشفيات، وغيرها من الحالات التي تتسع باستمرار ولا تضيق. ومن يزور مدينة الحسين الطبية يرى كم يواجه الجيش من ضغط في علاج الناس، ومن يراقب أبواب العيادات ومئات الأعداد اليومية التي تجلس في قاعات الانتظار يدرك أن المدينة الطبية أضحت لا بل أكدت حضورها اليوم كأهم مرفق يقصده الشعب الأردني في الظرف الصعب وفي الوقت الذي لا يجد فيه المرء ملاذاً غيرها.
والمدينة الطبية ليست مجرد أطباء وعسكر وجند ومبان، إنها حلم الدولة وعقلها المديد في الخبرة والتكوين الطبي، وهي مفخرة كل أردني يعرف ظروف بلده التي لم تبخل يوماً على أحد، ومن يراقب سعي الناس ووقوفهم بانتظار العلاج، عليه أن يعرف أن الموجز الوحيد في صباحات الأردنيين هو المدينة الطبية. وقوافل الخدمات الطبية التي تشارك بمستشفيات ميدانية في أكثر من مكان.
المدينة الطبية كانت وستظل قصة الدولة في الطب، وقبلة طالبي العون الطبي والمساعدة، وهي أكبر معهد تطبيقي وتدريبي، نرى طلابنا في الجامعات وهم بأثواب التدريب فنفرح، نقرأ وجوه الآباء بين أيدي الأطباء وهم فرحون بأن ما يحدث لهم في المدينة من إجراءات مختلفة عن أي مكان، ولذلك لا يرغبون بغيرها مقصداً وهنا تتناوب أسئلة الآباء عن أب كل طبيب وممرضة، هؤلاء الآباء تركو عمان حين استشهد وصفي، وتقاعدوا بعد استشهاده بأعوم قليلة، وهم اليوم يعودون إلى عمان ظناً منهم أنها ما زالت ممكنة لهم وأن فيها متسعا لوجودهم.
الثقة في المدينة الطبية هناك غير، والخدمة أفضل والفحوصات غير وإن تشابهت في مكان آخر، هكذا يقول الآباء، ولهذا هم مطمئنون. لا يرقى الشك لهم ولا يحسون أن أي تقصير يمكن أن يحدث، هم على يقين أن الدولة ترعاهم بأفضل عقولها من اطباء وممرضي الجيش، لذا يدخلونها بحبور ويقيمون بها ملتزمين بمواعيد وتعليمات الأطباء دون توتر، ويخرجون شاكرين، لذا استحال العنف هناك ولم نسمع به أبداً بين المرضى أو الأطباء.
اليوم وكل صباح يصل آلاف المرضى للمدينة الطبية، الكبار والمتقاعدون من آبائنا وامهاتنا بينهم رحم كبير اسمه الجيش العربي، الجيش هو ذاكرتنا الموحدة، والجيش هو ملاذ الطيبين ومبرئ العلل عن الوجوه التي لا تتخيل يوماً أن الدولة قابلة للخضخصة أو التفكيك، فالمدينة والجيش والخدمات الطبية هما معجم الأردنيين الكبير وآمالهم وآلامهم المخبأة ليوم يظل في الذاكرة عصياً على الشطب.
التعليقات مغلقة.