قضايا مديرية السير لها وعليها / وليد السبول

 

وليد السبول ( الأردن ) الأربعاء 4/3/2015 م …

كنت ومنذ زمن طويل جدا أود الكتابة عن قضايا السير، ما لها وعليها، إلا أنني كنت دائما أجد من القضايا الملحة ما يجعلني أؤجل الكتابة في هذا الشأن، وأرجو أن يكون التوقيت الآن ملائما. ليس لأن حادثة الأستاذ المحامي – دون تحديد للإسم – مع إحدى شرطيات السير لا تزال أحداثها فاعلة،ولكن لأن شؤون السير أصبحت جزءا من حياتنا ما بين أزمات وحلول، حوادث شنيعة ومخالفات محقة وأخرى جائرة (على الأقل هذا شعور غالبية السائقين).

بداية لا بد من الإشارة أننا لا نكتب ونبحث في هذه القضايا إلا بالإشادة بالدور الكبير الذي تقوم به مديرية السير ابتداء وانتهاء. كلنا نشعر مع كافة منتسبي هذا الجهاز الأهم في حياتنا، والذي نتفاعل معه يوميا سائقين أو مستخدمين للمركبات، نشعر ونلمس مدى الجهد الذي يقومون به في قيظ الحر وفي زمهرير البرد وانهمار المطر بل وتحت الثلج. نراهم شبابا وشابات يتحركون ويؤشرون والجدية ظاهرة على محياهم (الأسمر) أصالة بحكم أردنيتهم أو حتى بحكم تعرضهم لأشعة الشمس الحارقة أو وهج الثلج الذي لا يقل أذى عن أشعة الشمس. يتعرضون للحوادث افتداء لنا ويتحملون غيظ السائقين بمختلف مستوياتهم، ويضطرون للمجاملة أحيانا وبإظهار القسوة أحيانا أخرى. كل ذلك لا شك فيه إلا أننا ونحن نشيد ونعترف لهم بذلك، فلا بد من النقد الإيجابي فليس الكمال إلا لله.

من أول القضايا أننا نلمس كثيرا أن مهمة دائرة السير لم تعد ضبط المرور بكافة نواحيه، وإنما أصبحت دائرة جباية وظيفتها لا يقل دورها عن دائرة ضريبة الدخل ودائرة ضريبة المبيعات. أصبح غريبا بل ومدهشا أن يراجع السائقون دائرة السير لإجراء معاملة ولا يجدون مخالفة أو أكثر عليهم. أصبحت الكاميرات ليست للضبط وإنما (مصائد مغفلين)، ما أن تتجاوز لوحة تحديد السرعة ولو بثانية إلا وتصطادك مئات الكاميرات المزروعة في كل الشوارع والطرقات. لا نعترض بداهة على تحديد السرعة، إنما هل من المعقول أن يتم تحديدها بستين كيلومترا بل وأحيانا بالأربعين على طريق واسع وعريض سواء كان نزولا أو استواء؟ أتحدى لو كان مدير السير قادرا على السير بهذه السرعة على هذه الطرقات! إن السيارة بوضعية التدرج ستقفز عن هذه السرعة وهي غالبة على الشوارع حتى على طريق عمان العقبة بحجة أنها تمر من خلال تجمعات سكانية ( القطرانة ) والمصيبة عندما تكون السرعة المحددة 100 ثم تشاهد لوحة التحديد ب (80) وقبل أن تبدأ بتنزيل السرعة تفاجئك لوحة أل (60)!! وفورا بعدها كاميرا (الرادار) هذا ليس تنظيما وإنما استغفالا.

تركن سيارتك في شارع وصفي التل في مكان مسموح الوقوف به، تغيب عن سيارتك عشر دقائق فتفاجأ بالمخالفة ولأنه مسموح الوقوف في ذلك المكان، يكتب لك شرطي السير سبب المخالفة (الوقوف على رأس منعطف ) فتتخيل أن شارع وصفي التل هو منحدر وادي الموجب وأن وقوفك على إحدى هذه المنعطفات سيودي بالسيارات إلى قعر الوادي، فتحاول التأكد من أنك لا تسير في وادي الموجب وإنما على زاوية دخلة في شارع وصفي التل ( الجاردنز لمن لا يعرف وصفي التل ).

من الممارسات التي تعشقها مديرية السير حين يعن لأحدهم وضع دراجته النارية وأحيانا يتم تدعيمها في سيارة على تفرع لشارع مغلقا المرور بحجة تحويل السير لتجنب الازدحام على دوار ما، لكنهم لا يعبأون بأن الأزمة كلها قد تم تحويلها للإشارة التالية، كما يحدث كل يوم في الساعة الخامسة مساء على نزول شارع مكة باتجاه إشارات ( الكيلو )، فيرحّلون الأزمة إلى أم أذينة أو إلى الدوار السادس ويخلقون بالإضافة للأزمة لدى نفس التحويلة أزمات أخرى في الأماكن التالية. بتجرد وبلا شهادة هندسة ولا خبرة سنوات فإن هذا القرار وهذا التحويل من أسخف القرارات التي يمكن لمسؤول أن يتخذها.

شاهدت يوما وبنفسي شرطيين يتناوبان على تسجيل أرقام السيارات التي تهبط من أعلى الجسر فوق دوار المدينة الرياضية باتجاه شارع الجامعة، يسجلان الأرقام على قصاصة طويلة من الورق، وقفت جوارهما مشدوها مما يفعلان! لم أحتك بهما لأنني لو فعلت، فلن يكون مصيري أقل من مصير المحامي الذي أشرت إليه في بداية المقال، ومن يدري فربما كنت مضطرا حينها لتوجيه عشائر الطفيلة إلى مضارب عشائر….. لأخذ عطوة اعتراف وعطوة صلحة…

ذات مرة أوقفتني إحدى الدوريات على أوتوستراد الزرقاء قبل الشرطة العسكرية ( لاحظوا كلمة أوتوستراد ) وبعد مجاملة الصباح سألني شرطي السير: هل أنت متأخر عن عملك؟ قلت له لا فلا زال لدي الكثير من الوقت. فسألني: هل أنت مسرع؟ أجبته بالتأكيد لا، وهل لاحظت أنت علي أنني مسرع وأنا متخذ أقصى اليمين؟ فقال لي وهو يبتسم: اعترف أنك مسرع وسأسامحك! فقلت له: لا لست مسرعا وباستطاعتك أن تخالفني إن كنت مسرعا، فضحك وقال لي مع السلامة. هذا ليس ضبط للسرعة وإنما تمحك بالسائقين وتصيدا لهم بل واستغفالهم.

موضوع آخر أود الحديث عنه وهو ( أعوان المرور ) وهو مشروع جميل وحضاري، قمت بالتسجيل به وتشرفت بحمل بطاقته ودأبت على تسجيل المخالفات وإرسالها على مدى أكثر من عام، لكنني لم أحظ ولو لمرة واحدة بمتابعة من أحد مسؤولي السير لمخالفة كتبتها، ودليلي على ذلك أن غالبية المخالفات التي كنت أكتبها عن (السير بعكس السير) للنزلة الواقعة خلف مجمع جبر باتجاه شارع مكة. هذه نزلة خطيرة وممنوع الدخول بها عكس السير، لكن لا زال السائقون يسيرون فيها ولم يتنبه أحد لهذه المخالفة الخطرة جدا! فقط يهم شرطة المرور تحويل السير عند إشارة الكيلو بخطأ فادح. كم أتمنى لو تم تفعيل هذا المشروع الذي ابتكره ضابط ذكي وقتله الروتين والإهمال. انتهت بطاقتي منذ سنوات ولم يتصل بي أي من مسؤولي هذه الدائرة لدعوتي لتجديدها أو شكري على الجهود التي كنت بذلتها، أو حتى لومي لإهمالي والتوقف عن كتابة المخالفات.

القضايا كثيرة وملحة ولا يتسع لها مقال واحد من المفروض أن يمر عليه القراء بعجالة. لكننا بحاجة ماسة لإعادة تفسير قوانين السير. لا نريد سيارات طائشة تسير بسرعة جنونية لكن لا يجوز أن يكون تحديد السرعة بهذه الطريقة المهزلة، الاستخفافية بالمواطنين وإيقاعهم بمصائد المغفلين. في الدول التي تحترم مواطنيها، يلحق شرطي المرور بالسيارة المخالفة على دراجته النارية ويطلب من السائق التوقف، ثم يأتي إليه لسيارته ويبلغه بنوع المخالفة ويحررها له أمامه. أما في الدول التي تعتمد الكاميرات فإن المخالفة تصل إلى المخالف على منزله أو مكان عمله قبل أن يصل مقصده وليس يجدها بعد عام أو أكثر على سجله فلا يملك لها إنكارا أو دحضا. يجب تحديد السرعة بشكل عملي ومدروس وليس بهدف الإصطياد وجني الأموال.

وكما بدأت أنهي بالإشادة بأفراد السير – كأفراد بشخوصهم – الذين نراهم يكدحون ويقفون لساعات طوال تحت الشمس والمطر والثلج.. ولا داعي للتكرار.

وعذرا لملاحظة على السريع، فجميع ما ذكرت تجارب شخصية لي ولم يروها لي أحد.

وليد السبول

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.