هل عزلت واشنطن حلفائها وتفرغت للتعاون مع موسكو؟
م. ميشيل كلاغاصي ( الأربعاء ) 19/7/2017 م …
هل عزلت واشنطن حلفائها وتفرغت للتعاون مع موسكو؟ …
لا شك أن الأزمة الخليجية الحالية أّريدَ لها أن تكون مدخلا ً ومفصلا ً لمرحلة ٍ جديدة من الصراع الدولي الحالي, فمنذ بداية الحرب على سورية وواشنطن تعاني من أدواتها , اللذين اعتقدوا أنها خططت واستعدت لسنوات عديدة وخاضت عشرات الحروب الباردة والساخنة, وقادت ربيعا ً عربيا ً مزورا ً,لأجل خدمة مصالحهم وأطماعهم وأحلام سلاطينهم ولتخوض معارك الإنتقام القبلية وأحقاد أصحاب الرؤوس الفارغة !
إن خلافاتهم وضعف أدائهم السياسي والعسكري وسوء إدارة مهامهم ومجموعاتهم الإرهابية, شكلت أسبابا ً إضافية لفشل المخططات الأمريكية , وجعلتها تستعجل ظهورها العلني وقيادتها المباشرة للحرب على سورية , بعد ما بلغ تمردهم مبلغا ًخطيرا ً كاد أن يطيح بدورها وأهدافها من الحرب على سوريا.
وكان لا بد لها من عزل حكومات أدواتها أو تحييدهم أو إلهائهم وإجبارهم على إتخاذ مواقف متضاربة فيما بينهم لفصلهم أهدافهم وعن أهدافها الرئيسية , والإكتفاء بخدمات طاعتهم العمياء وأذرعهم الإرهابية , بالتوازي مع تقدم الدولة السورية وحلفائها نحو حسم المعركة عسكريا ً , بعد سلسلة من الإنتصارات الكبرى و استعادتها مساحات شاسعة وعديد الإنتصارات النوعية – الإستراتيجية , التي أوصلت “الربيع” إلى خواتيمه ودفعت تنظيم داعش لمواجهة الهزيمة في سوريا كما في العراق , وسط إندحار وتفكك عديد المجموعات الإرهابية وضعف و كسر شوكة “جبهة النصرة”, و الإنهيار التام لما دعي بالمعارضة السورية , وهذا بمجمله يؤكد سير الدولة السورية نحو النصر الحتمي , أو دونه جنونٌ أمريكي وأوروبي أو إقليمي تركي أو اسرائيلي , بما يرفع منسوب المخاطر وتحوّل الصراع إلى حرب ٍ عالمية لا يتمناها الجميع , الأمر الذي فرض علىها التدخل المباشر والعمل على ضبط التمرد التركي والسعودي- الخليجي والإسرائيلي و ضعضعة مواقفهم ونفوذهم على الأرض السورية.
كما أن الرئيس الأمريكي لم يكتف بالهدايا والمكاسب المالية والإقتصادية والسياسية التي حصل عليها من خلال زيارته إلى السعودية ولقاءات القمة الأمريكية – الخليجية والصفقات التي عقدها مع ملوك وحكام الخليج, فزرع مفخخاته وأشعل فتيل الخليج ووسع نطاق أحزمته الناسفة نحو الإقليم والمنطقة وربطه بالحرب على سوريا و بالصراعات الدولية القائمة , والتي مالبثت أن انفجرت صواعقه وبعثرت أوراق “الحلفاء” بدءا ً من قطر إلى السعودية والإمارات والبحرين وصولا ً إلى مصر و تركيا , تحت عنوان “إرهابية” دولة قطر الإخوانية “المفاجئة” !, والتحالف والزعامة السنية “الوهابية” في وجه دولة إيران الإسلامية ومحور المقاومة , وبدا ظاهريا ً أن المعركة بين قطر و رباعية مصر و السعودية و الإمارات و البحرين , في حين أن مضمونها هو معركة تركية – مصرية و تركية – خليجية , عبّرت عن قصر نظرهم وشهوتهم للحروب اللا إختيارية وإنقيادهم الأعمى بظاهرة القطيع التي يطرب لها “الحلاب” ترامب, فقد وقفت واشنطن إلى جانب الطرفين وحاولت أن تكون أقرب إلى السعودية نسبيا ً , فيما اندفعت قطر نحو رشوة ترامب واستغلال علاقاتها المالية مع عديد الدول الأوروبية والعسكرية مع تركيا والإستراتيجية مع إيران , فيما تاهت مصر بالمجان في زواريب الخليج الضيقة وتكاد ترى نفسها وحيدة في مواجهة قطر وتركيا والإرهاب الذي لم يتوان عن توجيه رسالة سريعة بإستهدافه عناصر الجيش المصري بالمفخخات في سيناء , يبدو أن مصر تسرعت بالإصطفاف مع السعودية وشقيقاتها , وغاب عن أبصارها أيادي ونوايا دولة الإمارات الخفية في الصراع , وطريقة التحكم الأمريكية وإدارة استمرار الأزمة , بالإضافة إلى التحولات داخل المملكة السعودية وأسرتها الحاكمة , وما نخشاه أن تجد مصر نفسها تخوض معارك ولي العهد الجديد في طريقه نحو العرش !.
أما تركيا .. فقد وجدت نفسها في موقف الدفاع عن قاعدتها الوحيدة في العالم العربي , وفي حالة الدفاع عن شريكها القطري الممول للمشروع الإخواني , وأمام اصطفاف ٍ أوروبي يستعد لرمي أوراق إعتمادها في إتحاده في الأدراج ولأجل ٍ غير مسمى , وسط التحرك الألماني لسحب قواته من قاعدة أنجرليك , وبسخرية الأمريكان في طمئنتها بإستعادة الأسلحة النوعية والثقيلة التي قدموها لوحدات بعض فصائل الحماية الكردية وقوات سورية الديمقراطية لقتال داعش, وبمواجهة أيديها المغلولة في الشمال السوري أمام تحديات المشروع الكردي المدعوم أمريكيا ً, والذي أعلنته واشنطن صراحة ً بإعتمادها على القوى الكردية في المعارك ضد تنظيم داعش في سورية والرقة خصوصا ً, الأمر الذي لطالما أقلق الأتراك وأثار حفيظتهم بما يتعلق بأمنهم القومي بحسب إدعاءاتهم الدائمة , بالإضافة إلى حالة الجمود العسكري التي أصابتهم بعد دخول قواتهم مدينة الباب , وبقيت محاطة بإذرع ٍ كردية و إرهابية و تواجد قوي للجيش العربي السوري , فكان لا بد لأردوغان أن يلجأ إلى ساحة الإشتباك الخليجية بلهجة الخائف والباحث عن إحترام الإتفاقات الدولية بين تركيا و قطر, كما لجأ إلى الإستعداد لشن عدوان ٍ جديد على الأراضي السورية وحشد أكثر من 20ألفا ً من قواته العسكرية والفصائل الإرهابية معا ً, عبر عملية ٍ أّطلق عليها اسم سيف الفرات , إذ توّعد بدخول المناطق الكردية من الشمال السوري بإتجاه الجنوب ليصل مطار منغ العسكري و تل رفعت لقطع الجغرافية عن منطقة عفرين كاملة ً , لكنه انتظر قمة ال20 ليحصل على موافقة واشنطن أو غض طرف ٍ روسي , لكنه فوجئ بالإتفاق الروسي–الأمريكي في الجنوب السوري , وإحتمالية تعميم النموذج على منطقة خفض التوتر في إدلب , فأخذ يحشد المزيد من المجموعات الإرهابية وسط معلومات عن اندماج ما يسمى “اللواء الأول – منبج” إلى حركة “أحرار الشام” , و إنضمام “جيش النخبة – درع الفرات” إلى صفوف فصائل “كتلة السلطان مراد” بالإضافة إلى ما يسمي “كتلة النصر” التي انضم إليها مؤخرا ً كلاً من “فيلق الشام” و”فرقة الصفوة” و”تجمع أحرار الشرقية” و”جيش الأحفاد” وغيرهم , وبذلك يكون أردوغان قد صبغ كافة التنظيمات الإرهابية الخاضعة له مع جبهة النصرة وبقايا الجيش الحر تحت مسمى هذا الأخير والذي لطالما اعتبره فريق الحرب على سوريا زورا ً من فصائل المعارضة المسلحة المعتدلة , وسط تهديدات الرئيس التركي على هامش قمة ال20: بأن بلاده “لن تبقى مكتوفة الأيدي” وأنها :” لن تتردد أبدًا في استخدام حقها المشروع ضد الكيانات التي تهدد أمنها”, بالإضافة إلى إرساله تعزيزات ٍ عسكرية لقواته النظامية في مدينة كلّس الحدودية المقابلة لمنطقة عفرين .. لقد فعل كل هذا ليشكل ورقة ضغط ٍ جديدة على واشنطن في ملف الأزمة الخليجية لصالح دعم قطر , ولإعادة إحياء مشروعه الإخواني التقسيمي في الشمال السوري بالإعتماد على التنظيمات والمجموعات السابقة الذكر, وليحجز مقعده على طاولة تفاوض الكبار التي تحاول واشنطن استبعاده منها .
وعلى المقلب الإسرائيلي .. تجد تل أبيب نفسها بعد سبعة أعوام ٍ في وضع ٍ لا تحسد عليه , خصوصا ً بعد التقدم الكبير للجيش السوري وحلفائه في الجنوب عموما ً , وتأمين مدينة البعث ومحيطها في ريف القنيطرة , وبعد تحرير مساحة شاسعة وعديد القرى في ريف السويداء الشمالي , ناهيك عن التقدم في درعا و ريفها , وسط تصاعد أصوات العقلاء و أنين المجموعات الإرهابية تحت ضربات الجيش السوري والذي أفسح المجال للمصالحات وأعلن وقف إطلاق النار من جانبه أكثر من مرة , في حين سعى من يتلقون الأوامر الإسرائيلية لعرقلة و إفشال مساعي الجيش بالتهدئة وإنهاء التواجد الإرهابي في المنطقة وعودة المدينة وريفها إلى حضن الدولة , بالإضافة إلى الفشل الذريع الذي مني به المخطط الأمريكي – الإسرائيلي – الأردني الذي كان يُحاك لمنطقة الجنوب برمتها .. وعليه تجد اسرائيل نفسها عاجزة عن نسج “حزامها” الأمني أو”جدارها الطيب”, في مواجهة ٍ مباشرة مع المقاومة السورية و الجيش السوري و حلفائه في حزب الله و القوات الإيرانية , الأمر الذي يحتم عليها حنين العودة إلى ما قبل عام 2011 حتى لو كلفها ذلك التخلي عن أذرعها الإرهابية هناك .. لقد تحوّل إبعاد حلفاء سورية عن منطقة الجنوب هدفا ً إسرائيليا ًحيويا ً يرتبط بمسألة بقائها ووجودها بأضعاف من ذي قبل , في وقت ٍ يصرخ وزير حربها أنهم “لن يقبلوا بأي إتفاق لإنهاء الحرب في سوريا ما لم يتضمن الإتفاق إبعاد إيران وحزب الله والرئيس الأسد , وأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي”.
وعلى المقلب الأمريكي … يبدو أن إدارة ترامب تجد نفسها مرغمة على مجاراة تقدم القوات العراقية والحشد الشعبي في تطهير الموصل والقضاء على تنظيم “داعش” هناك لتحصد شرف القضاء عليه كما تحدثت مرارا ً ولتسرق النصر العراقي وتفوز في المشهد الدولي , بالتوازي مع التباطؤ “الكردي” في تحرير الرقة نتيجة انكشاف أمرها في مغازلة أردوغان وعدم حمايتها لأكراد منطقة عفرين أمام القصف المدفعي التركي , وحديثها عن إستعادة أسلحتهم وحصر استخدامها في قتال داعش , في وقت ٍ لم يلمسوا دعمها الصريح لإقامة الدولة أوالكانتون الكردي الذي يحلم الإنفصاليون منهم به , بالإضافة إلى فشل مخططها في الجنوب السوري , وإقتراب الجيش السوري وحلفائه من حسم معارك الجنوب وتقدم المصالحات , وفرض معادلات جديدة لقواعد الإشتباك مع ربيبتها إسرائيل , مع تعثر تحريك ملف الكيماوي– الساقط أصلا ً– من جديد ضد الدولة السورية ومخاطر الإصطدام المباشر مع القوات الروسية , وحساباتها العميقة حول إمكانية هزيمتها المباشرة بعدما حاول ترامب زيادة قواعدها العسكرية بهدف التهويل ورفع سقوف التفاوض , إذ تبدو عاجزة تماما ً عن حماية قواتها فيها و تفادي إذلالها على يد رجال الجيش السوري وحلفائه في محور المقاومة , وتصاعد عديد الأصوات حول العالم بضرورة إنهاء الحرب على سوريا , كان لا بد لها من إبعاد من تمردوا عن التفاوض , والعودة إلى التعاون مع الدولة الروسية , إذ يقول ترامب :”حان الوقت للعمل البناء مع روسيا ” , أما تيلرسون فيؤكد للأمين العام للأمم المتحدة أن ” أولويات ترامب في سورية باتت تقتصر على محاربة تنظيم “داعش”, وأن :”النشاط العسكري الأمريكي لا يسعى لإضعاف حكومة الأسد أو تعزيز موقف المعارضة في المفاوضات” .
أما المواقف الدولية .. فقد كانت من الوضوح في بيان قمة ال 20 الذي يقول :” لن نسمح بوجود مناطق آمنة لتمويل الإرهاب في أي منطقة في العالم” , في حين تقول أنجيلا ميركل “الإرهاب الدولي تهديد للجميع”, كذلك جاء ترحيب الإتحاد الأوروبي بالإتفا ق وإعلانه الإستعداد لتقديم الدعم الإضافي في حال جدية الأفعال والنوايا , فيما البيان المشترك للدول الضامنة في نسخة لقاء أستانة الأخير يؤكد على استقرار ووحدة الأراضي السورية وأن الحل السياسي هو “الحل الوحيد” للأزمة .
هذه الأجواء الدولية عكستها واشنطن في إبرام إتفاقها مع موسكو حول مناطق خفض التوتر في الجنوب السوري , في خطوة ٍ تبدو – فيما لوصدقت النوايا – خطوة هامة نحو الدفع بإتجاه الحل السلمي السياسي وإقترابه من النضج الحقيقي لإنهاء الحرب على سوريا , على الرغم من ممارسات الشد والجذب ورفع السقوف , والمراهنة على نجاح أو إفشال المسار السلمي الوليد, والتي تبدو فيه واشنطن راغبة بإقصاء ما تبقى من المعارضات السورية ومشغليها المباشرين , وعليه قد يفقد مؤتمر جنيف عمله بعد أن سُحب منه بريقه , ليكون الحل بين الكبار وعلى طاولتهم المباشرة بمعزل معارضات و منصات من اعتقدوا أنفسهم كبارا .
لم يثق السوريون يوما بالإدارات الأمريكية المتعاقبة , ولا يرونها أهلا لإحلال السلام , ويعتقدون أن تخليها وتوقفها عن استثمارها في تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية لا زال بعيد المنال إن لم يكن أمرا مستحيلا , وعليه يبقى الإتفاق موضع مراقبتهم الحثيثة , ويبقى تعويلهم على قوة وبطولة جيشهم الوطني وصدق حلفائهم وصمود شعبهم و إلتفافهم حول قائدهم الرئيس بشار الأسد الذي أثبت للعالم كله أنه الوحيد الذي حارب الإرهاب في وقت ٍ نأى البعض بنفسه و توارى البعض الاّخر وراء أكاذيب دعم “ثورات” الشعوب , فيما إنخرطت نصف دول العالم في دعم الإرهاب ولعبة تغيير الأنظمة والتحكم بمصير الشعوب عموما ً والشعب السوري خصوصا .
التعليقات مغلقة.