في ذكرى تعريب الجيش، فلنحافظ عليه عربياً / ضرار البستنجي

 

ضرار البستنجي ( الأردن ) الأربعاء 4/3/2015 م …

بات مسلّما به ان احد اهم مرتكزات المخطط الغربي للمنطقة هو تصفية جيوش الدول فيها، قد تختلف الاسباب وتتباين مقدمات الاستهداف لكن السيناريو واحد تقريباً، الفوضى والمعارك الجانبية وتشويه العقيدة العسكرية.

الاردن ليس استثناءً، بل لعله في قلب الاستهداف وان تأخر – ربما- حتى استكمال فصولٍ تمهيدية لابد منها على طريق التصفية الكبرى كإضعاف سورية او تقسيمها واخراجها من معادلة الصراع بعد مصر فالعراق.

ربما لا يعدّ الجيش العربي/ الاردني منافساً او قوياً بالدرجة الكافية لتهديد الكيان الصهيوني كجيوش اشقائه في مصر والعراق وسورية -التي بدأ استهدافها منذ عقود وفق استراتيجية محكمة ومنسَّقة ومعلنة – ، لكن، لعلها خصوصية الجغرافيا، تلك التي تفرض – غربياً- انهاء القوة العسكرية الاردنية تسهيلاً لاستغلال الجغرافية الاردنية لتصفية القضية الفلسطينية في اطار اعادة تقسيم المنطقة وتكريس الكيان الصهيوني سيداً عليها ومركزاً لها.

داخلياً تتمتع المؤسسة العسكرية – الجيش العربي ، وحدها، بقدسية خاصة وشعبية مطلقة عمادها عقيدة الجيش التي لايختلف عليها اردنيان، وابتعاده عن الشأن الداخلي او الحياة العامة، وموروث تاريخي من القتال الى جانب أشقائه في الجيوش العربية ضد الكيان الصهيوني، في حروب فلسطين بالعموم وفي نسخته الخاصة في معركة الكرامة الى جانب المقاومة الفلسطينية عام ١٩٦٨بشكل خاص.

فالجيش العربي لازال – رغم العبث الذي تلا معاهدة وادي عربة- يؤمن بالعداء للكيان الصهيوني عقيدةً ، ورغم صعوبة الواقع الاقتصادي وشعور الاردنيين بفقدان الثقة باللاعبين الاساسيين في مشهده السياسي لم ينجر الاردنيون الى صراع داخلي مدمر او حراك مطلبي فوضوي عنوانه ماسمي -زوراً- بالربيع العربي.

في الاطار، كرّست سياسة التبعية لمحور واشنطن تردٍ واضح في الدور السياسي والواقع الاقتصادي الاردني ، كما تراجُع السيادة الوطنية ، تُرجم اقتصادياً عبر الرضوخ لإملاءات أذرع واشنطن ، صندوق النقد والبنك الدوليّين، ما خلق اقتصاداً خدمياً رأسمالي، نسف الطبقة الوسطى وألقى غالبية الشعب في مهب الفقر والتجويع والجشع قبل ان تأتي سياسة الخصخصة على ماتبقى من أحلام حين سهّلت بيع مؤسسات البلاد ومقدراتها لرأس المال – أياً كانت جنسيته-، فيما تبدّى بوضوح حجم الخسائر السياسية التي سببها التزام عمّان محور الرياض ، أحد وكلاء واشنطن في المنطقة، كما حجم التماهي العسكري مع مشاريعه في الجوار ، ليس اولها ( التعاون!!) العسكري والاستخباري في افغانستان فالعراق مطلع القرن الحالي ولايبدو ان آخرها الدفع بالاردن نحو تدخل مباشر في سورية بعد ماتردد عبر تقارير عن تدريب وتسليح وتهريب مسلحين عبر الحدود مع سورية اضافة الى عدة محاولات لادخال مئات المسلحين في هجمات منسّقة نحو العاصمة دمشق كانت تنتظرها في كل مرة كمائن الجيش العربي السوري التي تحبط المخطط وتخلِّف المرتزقة بين قتيل وجريح ومعتقل.

الجديد اليوم هو الحديث عن نية تدخل بري في العراق و سورية تشارك فيها قوات اردنية، بدأت القصة حين شارك الاردن وعلى غفلة من الداخل الاردني في العمليات العسكرية ضد ( داعش) في سورية والعراق بعد اعلان واشنطن تشكيل ما سمي ( التحالف الدولي لمحاربة داعش) رغم الرفض السوري والتشكيك بالنوايا الحقيقية للتحالف، ورغم الرفض الشعبي الخجول استمرت الاخبار عن غارات تشنها الطائرات الحربية الاردنية على اهداف في الاراضي السورية تعتبر تجمعات ومقار لتنظيم ( داعش)، وبعد نحو ثلاثة اشهر وقع ماحذر الكثيرون منه ، صبيحة الرابع والعشرين من كانون الاول من العام الماضي اي بعد نحو ثلاثة اشهر من انطلاق عمليات التحالف المدكور سقط الطيار الاردني معاذ الكساسبة ( اسيراً) في يد داعش بعد سقوط طائرته فوق الرقة السورية لأسباب لم تعلن بشكل مقنع حتى الان، وكانت النتيجة بعد محاولات الافراج عنه بصفقة تبادل اعدامه حرقاً وبطريقة وحشية يندى لها جبين البشرية وان لم تكن غريبةً على (داعش) الذي خلق للقتل والتخريب وبث الفتنة.

تعالت الاصوات المنسّقة لاستغلال رد الفعل الشعبي الهادر والغاضب والمتألم على الحدث- الجريمة نحو حرفة لتمرير قرار بمزيد من التورط في سورية ، رفض المخلصون وضُبط رد فعل الشارع وفي التسريبات ان قادة الجيش والاجهزة المختصة أكدوا للملك ان التدخل البري في سورية سيكون مدمراً ولن يحظى بقبول شعبي ماسيرتب رد فعلٍ داخلي كارثي ينذر بالفوضى.

وبين الضغوط الامريكية والهبات الخليجية يخشى كثيرون من الرضوخ للإملاءات رغم غياب القبول الشعبي، لكن في الإطار، يحذر مراقبون مماهو اخطر بهذا الخصوص ، فالبعض يرى ان افتعال موقف يجعل التدخل- الكارثة مقبولاً شعبياً، بل ربما مطلباً في لحظة غضب، قد يكون على جدول اعمال المخطط المعد للانهاء على المنطقة والاردن ، زاد من تلك الشكوك التحذير الذي اطلقته السفارة الامريكية في عمان قبل ايام من احتمال وقوع تفجيرات في مرافق حيوية في العاصمة الاردنية.

المخاوف من التدخل لاتقف عند حدود منافاتها مبادئ العروبة والروح الاخوية ووحدة الدم والمصير، فالتدخل سيعني – حكماً- صداماً مع الشقيق وسيخلف ضحايا من الطرفين الشقيقين ماسيخلق حالة غضب وفوضى داخلية اردنية اكبر بكثير مماتركه استشهاد الطيار الكساسبة ، كما ان الجيش العربي /الاردني الذي تعتبر عقيدته الكيان الصهيوني عدوه الاول سيواجه ردود فعل بنيوية سيولّدها شعور بعض منتسبيه – على الاقل- انهم أُرسلوا الى معركة تنافي عقيدتهم، فمعركتهم الحقيقية هي حماية الاردن من العدو دفاعاً عن الارض التي لايخفي مطامعه فيها لا في الرقة او الرمادي، كما ان زج الجيش في معارك جانبية يعني اضعافه وتهشيم وحدته وبالتالي ترك البلاد مكشوفة امام العدو ، سيما وان الفوضى الداخلية المفترضة لاحقاً ستجد ساحةً اقل صلابةً للنيل منها وانجاز الدمار المطلوب – غربياً-.

الاردن – اذاً- مستهدف كياناً وجغرافيا وجيشاً ، والشعب الاردني من خلف الجيش العربي هو صاحب المصلحة الحقيقية وبالتالي المؤهل لمواجهة كل مايتهدد كيان الاردن ووحدته وأرضه، وعدو الاردن الاول هو عدو الامة الصهيوني وفي مواجهته يبدي الاردنيون استعداداً لبذل الغالي والنفيس صوناً للوطن، ومادون ذلك من معارك يظل جانبياً وان ارتبط بالمعركة الرئسية مع المخطِط في واشنطن و(تل ابيب).

قادم الأيام سيحمل تطورات خطيرة ومصيرية تستلزم وعياً وجلَداً واستعداداً للتضحية والصمود وضبط البوصلة نحو وحدة الداخل وحماية الوطن ، مايستدعي ، رسمياً، انتهاج سياسة مختلفة كلياً، عمادها في الداخل اعادة الاعتبار للاردنيين في التعبير والعيش الكريم عبر اقرار سلسلة من الاصلاحات السياسية والحقوقية وتغيير النهج الاقتصادي بتبني حلولٍ انتاجية واعادة الاعتبار للقطاع الحكومي وتأميم مقدرات الوطن واجتثاث الفساد والمحسوبية ، وتعزيز حقوق المواطن واعادة العمل بالخدمة العسكرية الالزامية وتجنب استغلال الظرف القادم للتضييق على الحريات، جنباً الى جنب مع تغيير التموضع السياسي الخارجي بالعودة الى الحضن العربي المقاوم والاتجاه شرقاً، فقدر الاردن ان يكون عربياً، وقدر الاردنيين ان ينتهجوا المقاومة.

قد يبدو الثمن باهظاً وحجم التضحيات كبيراً، لكن الشعب العربي الاردني مستعد للتضحية حين تكون البوصلة موحدة سليمة التوجه، والارهاب الذي بات خطراً يتهدد الجميع فإن مواجهته تتم بالتنسيق مع الجيوش الشقيقة ولن نصدق ان من خلقه ودعمه وموّله صادقٌ في ادعاءات محاربته ،كما ان الأولى تجفيف منابعه وملاحقة المدافعين عنه والمروجين له في الداخل دون تمييز بين (داعش) و(نصرة) وغيرهما من دعاة القتل وادواته.

الجيش العربي مستعد لمواجهة التحديات مهما كانت في سبيل الوطن والعروبة، فلنتوحد دون حرف بوصلته واقحامه في معارك التهشيم والاضعاف الجانبية، وليبقى ثابتاً صامداً لأنه آخر مؤسسات الوطن التي نثق بها ولان معركته الحقيقية قادمة لامحالة وسيكون كل الشرفاء خلفه وفي خندقه ، كيف لا ومنتسبوه هم حملة راية الضباط الاحرار الذين عرّبوا الجيش في مثل هذا اليوم قبل تسعة وخمسين عاماً.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.