داعـــش وتساؤلات مشروعة ؟!

 

 




د. محمود عبابنة ( الأردن ) الأحد 23/7/2017 م …

داعــــــش وتساؤلات مشروعة ؟! …

ظاهرة داعش الفرقة الخارجة عن الشريعة والقانون والأعراف والأخلاق ، والتي تكاد ان تلفظ أنفاسها في الميدان ، كانت قد ابدعت في التفنن بأساليب القتل والتنكيل بكافة اشكاله وطرقه لكل من يخالف عقيدتهم او رايهم – ، وقد نالت من التغطيات الإعلامية والدراسات المعمقة اهتماما بالغا من رجال الفكر والدين ، ومراكز الدراسات والباحثين في علوم الأديان والاجتماع والسياسة والاجرام.

ما توصلت اليه هذه الأبحاث والدراسات جاء متباينا لأسباب كثيره منها دوافع الظاهرة ومسارها والاختلاف بين مدارس الباحثين وتوجهاتهم ، وهوياتهم الفكرية والسياسية، فالباحثون الغربون يعيدون الظاهرة للتـــراث الإسلامـــي الدموي الشمولــــــي (Totalitarian) وعقيـــــدة الهــــوس (Hallucinatory Ideology) بثقافة القتل والتكفير والخرافة المستمدة من المدارس الفقهية المتشددة ، وهذا ما يجمع عليه اغلب باحثي الظاهرة في مراكز البحوث والدراسات الغربية (Andrew bolt) وهناك القليل ممن يعزونها لمنطق المظلومية والشكوى غير المبررة (Chomsky) .

اما الباحثون العرب والمسلمون فيرون أن داعش فرقه خارجة عن جوهر الدين الإسلامي ، وانها مشروع مؤامرة يديرها من بعيد أعداء الامه ويقومون بتنفيذها بواسطة أبناء المنطقة استنادا للتفسيرات المتجزئة للآيات القرآنية وللاحاديث غير الموثوقة المنسوبة للرسول العربي عليه السـلام ، وأن الهدف هو تضليـــل هذه المجتمعـــات الناشزة، وزرع بذور الفتنه ، والفرقة بين ابنائها وهذا ما تتبناه اغلب مدارس البحث العربية والتي تستعين بأقوال هيلاري كلينتون حول نشأة داعش وكوندليســـا رايس وتنبآتها بالفوضــــى الخلاقة ، ويبـــدون ان ذلك لا يخلو من بعض الوجاهة والحقيقة .

وهناك اتجاه ثالث يعزو الظاهرة الى رغبه دفينه بالعودة الى الدين كمخرج من المأزق الحضاري والمعاشي البائس والمتخلف الذي يعيشه المسلمون والعرب على وجه الخصوص حيث الفقر والقمع والجهل والبطالة والعجز امام ما يشاهدونه من كوارث معظم ضحاياها من المسلمين كما هو الحال في فلسطين والعراق وبورما وأفغانستان . ويتعاظم هذا الشعور بتأجيج النرجسية الحضارية لهذه الامه والتي لا تعترف بها باقي الأمم الاخرى التي تمسك بتلابيب الحضارة (David Gutmann) .

ما بين هذه الاتجاهات يغيب الجواب لفك احجية داعش التي دخلت عامها الرابع وهي تحارب في مدن عديدة استولت عليها بساعات وتحت سماء مكشوفة وتحقق انتصارات او صمودا عنيدا ، فرغم اجتماع جيوش العالم على حربها وبقصفها أسلحة الجو الروسية والأمريكية والفرنسية والعراقية والسورية والتركية ، بالإضافة الى جيوش عربيه جراره الا ان داعش مازالت بالرقة ولم تترك الموصل الا بعد خمسة اشهر في حين سقطت بغداد بيد الامريكان بخمسة أيام ، وحتى لو سقطت داعش بارض المعركة في المستقبل القريب فان لها من المؤيدين عبر الشبكة العنكبوتية آلاف المجندين الذين سيبقون هاجسا مرعبا لشعوب العالم سيتمظهر من حين الى اخر في تفجير هنا وهجوم بالبلطة او السكين هناك .

لو سلمنا بان جميع افراد هذه الفئه الضالة الهمجية المعادية للإنسانية والحضارة التي شوهت جوهر الدين هم من المسلمون غير المسجلين بسجل خاص بالعملاء لدى الموساد ، ولا يتقاضون رواتبهم من السي أي ايه وانهم مؤمنون بشريعتهم الدموية الخاصة بهم ، الا انه لابد ان نسأل على ضوء البديهيات المنطقية : من يمد داعش بإكسير الحياه ؟؟؟ وكيـــف يصل المتطوعون من اصقاع الأرض لهـــذه الفرقة ؟؟؟، ومن يدفع رواتب مجنديها ؟؟؟، وكيف يتواصل وصول الدبابات والمدافع والذخيرة؟ ومن يزودهم بالمعلومات الاستخبارية ؟! وما هو مخزون أطنان المواد المتفجرة التي لم تنضب ؟؟؟. كيف يقتنع جامعي مسلم يعيش فـــي أوروبا ويؤدي ان شــاء شعائره الدينية بحريه ان يقوم بتفجير نفسه ومن حوله ؟؟؟ .

الا يحق لنا ان نخمن بان داعش جزء من خطة تحتاج الى تضحيات من أمم أخرى رسمت وحددت جداول زمنية يجري تنفيذها على مراحل يتم من خلالها اخراج هذا الغث والعفن والنرجسية والقسوة التي تسكن في تراثنا الذي نشأنا عليه هو معاداة الاخر والبطش به ، وعدم الاعتراف بالأديان والحضارات الأخرى ، وتثبيت هذه الحقيقة للعالم قبل الشروع بالجراحة او إيجاد مقاربه للتعايش .

مع ان داعش تؤدي دورا ينسجم مع قناعاتها وقناعات طابور طويل من الاتباع والمريدين ، الا اننا لا نستبعد توجيههم لممارسة همجيتهم باسم الإسلام الذي اختطفوه لتحقيق دورهم المرسوم والذي يجهلون غايته الرامية الى تدمير هذه الدول والشعوب ودفعها للانتحار الذاتي بأدواتها والاندثار وهذا ما تشير اليه البوصلة ، حتى لا يصحو العالم على حادي عشر من سبتمبر جديد ، التاريخ الذي بدأ به التفكير لخلق داعش وفضح المستور .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.