بين محنة المسجد الاقصى وذكرى ثورة عبدالناصر

 

 

فهد الريماوي* ( الأردن ) الإثنين 24/7/2017 م …

بين محنة المسجد الاقصى وذكرى ثورة عبدالناصر

*رئيس تحرير “المجد” الاردنية

ليل 23 تموز عام 1952 تمخض التاريخ المعاصر فانجب ثورة وطنية وقومية واعدة, اخرجت مصر من الظلمات الى النور, وقادت الركب العربي الى مرابع التقدم ومطارح التحرر وسواء السبيل.

كان الوطن العربي يومذاك- شأن ما هو الآن- حائراً يبحث عن ذاته, ومنكوباً يقف على رأسه بدل قدميه, ويرى الدنيا بالمقلوب والمعكوس.. فتولت هذه الثورة المباركة تصحيح اوضاعه, وتقويم اعوجاجه, واعادته الى دائرة الرشد وجادة الصواب.

قصة هذه الثورة/الملحمة معروفة جيداً, ومحفورة باحرف من المجد في ذاكرة الزمان, وحاضرة في بال الجماهير العربية التي ما زالت تحفظها عن ظهر قلب, وتستذكرها وتحن الى قائدها كلما اشتدت عليها الخطوب, وتخلت عنها الانظمة المتهالكة وحكامها الاوغاد.

هذه السنة تتقاطع ذكرى ثورة عبدالناصر الخالدة مع فصل ساخن من فصول مأساة المسجد الاقصى القابع في الاسر الصهيوني منذ نيف وخمسين عاماً, والمدرج في اجندات التهويد وعلى جداول اعمال الهدم والتدمير لتشييد هيكل سليمان على انقاضه.

بين المسجد الاقصى وجمال عبدالناصر قصة حب عميق, ورسالة وعد وعهد بتحريره كان “ابو خالد” قد بعث بها, يوم حرق المسجد على يد المتصهين الاسترالي دينس روهان عام 1969, الى الفريق محمد فوزي, قائد الجيوش المصرية المتأهبة لقتال العدو يستحثه فيها لاستكمال الاستعدادات العسكرية والتحلي باعلى درجات المسؤولية القومية, ويقول : “سوف نعود الى القدس, وسوف تعود القدس الينا, ولسوف نحارب من اجل ذلك ولن نلقي السلاح حتى ينصر الله جنده”.

الى جماهير العروبة الصامدة, وكذا الى حكام الخوف والخيانة الاذلاء, نورد اليوم نص هذه الرسالة/ الوعد الناصرية التي رحل صاحبها فجأة قبل ان تمنحه الاقدار فرصة تحقيقها..

رسالة الرئيس جمال عبد الناصر إلى الفريق اول محمد فوزي وزير الحربية.. بمناسبة حريق المسجد الاقصى

‏مع كل مشاعر الغضب الجارف والحزن العميق والآلام الروحية والمادية التي تعصف في قلوب امتنا بأسرها من المحيط إلى الخليج فإنني لم أجد من أتوجه إليه هذه اللحظة بخواطري غير القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة ومن ورائها القوات المسلحة لشعوب امتنا العربية وكل قوى المقاومة الشريفة التي فجرتها التجربة القاسية التي أراد الله بها عز وجل أن يمتحن صبرنا وان يختبر صلابتنا.

لقد انتظرت وفكرت كثيرا في الجريمة المروعة التي ارتكبت في حق قدس الأقداس من ديننا وتاريخنا وحضارتنا وفي النهاية فإنني لم أجد غير تأكيد جديد للمعاني التي كانت واضحة أمامنا جميعا منذ اليوم الأول لتجربتنا القاسية وذلك انه لا بديل ولا أمل ولا طريق إلا القوة العربية بكل ما تستطيع حشده وبكل ما تملك توجيهه وبكل ما تستطيع الضغط به حتى يتم نصر الله حقا وعزيزا.

لقد فتحنا للسلم كل باب ولكن عدو الله وعدونا أغلق دون السلم كل الأبواب ولم نترك وسيلة إلا وجربناها ولكن عدو الله وعدونا عرقل الوسائل وسد مسالكها واظهر للدنيا كلها ما كان خافيا من أمر طبيعته ونواياه.

وحين وقعت هذه الجريمة ضد المسجد الأقصى في القدس فإننا لم نتسرع وانتظرنا لا نتصور أن يكون التدبير قصدا مقصودا ولكن الدلائل القاطعة أمام عيوننا الآن لا تترك لأحد أن يتصور شيئا آخر غير الحقيقة وحدها مهما كانت بشعة ومروعة.

ولسنا نجد أن هناك فائدة في اللوم والاستنكار وليس يجدي أن نقول بان إسرائيل بعدما حدث للمسجد الأقصى قد أثبتت عجزها عن حماية الأماكن المقدسة كما انه لا نفع من الالتجاء إلى أي جهة طلبا للتحقيق أو طلبا للعدل.

إن هناك نتيجة واحدة يجب أن نستخلصها لأنفسنا ويتحتم أن نفرض احترامها مهما كلفنا ذلك ألا وهو ان العدو لا ينبغي له ولا يحق له ان يبقى حيث هو الان.

إن العدو لن يتأثر باللوم أو الاستنكار ولن يتزحزح قيد أنملة عن المواقع التي هو فيها لمجرد قولنا بأنه اعجز من مسؤولياتها ولن يتوقف دقيقة لكي يستمع الى صوت أي جهة تطلب التحقيق والعدل.

إننا أمام عدو لم يكتف بتحدي الإنسان ولكنه تجاوز ذلك غرورا وجنونا ومد تحديه إلى مقدسات أرادها الله بيوتا له وبارك من حولها.

إنني أريد أن يتدبر رجالنا من ضباط وجنود القوات المسلحة مشاعر اليومين الأخيرين وان يتمثلوا معانيها وان يصلوا وجدانهم وضمائرهم بوجدان أمتهم وضميرها وان يعرفوا إلى أعماق الأعماق أنهم يحملون مسؤولية وأمانة لم يحملها جند منذ نزلت رسالات السماء هديا للأرض ورحمة.إنهم في معركتهم القادمة ليسوا جند أمتهم فقط ولكنهم جند الله حماة أديانه وحماة بيوته وحماة كتبه المقدسة.

إن معركتهم القادمة لن تكون معركة التحرير فحسب ولكنه أصبح ضروريا أن تكون معركة التطهير أيضا

إن أنظارنا تتطلع الآن إلى المسجد الأقصى في القدس وهو يعاني من قوة الشر والظلام ما يعاني.

ومهما كان ما نشعر به في هذه اللحظات فان دعاءنا إلى الله عز وجل مؤمنا وخاشعا هو أن يمنحنا الصبر والمعرفة والشجاعة والمقدرة لكي نزيل الشر والظلام

ولسوف تعود جيوشنا إلى رحاب المسجد الأقصى ولسوف تعود القدس كما كانت قبل عصر الاستعمار الذي بسط سيطرته عليها منذ قرون حتى أسلمها لهؤلاء اللاعبين بالنار.

سوف نعود إلى القدس وسوف تعود القدس إلينا ولسوف نحارب من اجل ذلك ولن نلقي السلاح حتى ينصر الله جنده ويعلي حقه ويعز بيته ويعود السلام الحقيقي إلى مدينة السلام.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.